من جنين ستولد الأمة

"جنين".. تصاعد الدخان بعد القصف الإسرائيلي

 

 

يستخدم الكيان المحتل طاقاته كلها في عدوانه على مخيم جنين في الضفة الغربية بأرضنا المحتلة في فلسطين، يهاجم بكل القوة والغطرسة بالطيران والجنود المغتصبين من أجل أن ينهي المخيم الصامد المقاوم، هذا المخيم الصغير الذي يثبت مع الأيام والأعوام أنه عصي على السقوط، وغير قابل للهزيمة، ألم يكن هو عنوان المقاومة والصمود في 2002؟ حينما لقن الكيان الصهيوني درسًا في صلابة أصحاب الأرض والحق، سيرد أبطال المقاومة على عدوانهم كما فعلوا سابقًا سيتحول كل شاب وفتاة، صبي وصبية، رجل وسيدة إلى أبطال يقاومون، وبدمائهم سيرسمون ميلاد جديد لأمة لا تعرف اليأس، يظن من في بريطانيا وفي الولايات المتحدة أنهم حين يدعمون الكيان الصهيوني وحكومته اليمينية المتطرفة في عدوانهم على جنين أنهم سيكسرون عزيمة أبطال فلسطين في الأرض المحتلة كلها، ولا يتعلمون دروس التاريخ، تاريخ الاحتلال، والكيانات التي تغتصب الأوطان.

نعم قد استمالوا وهيمنوا على باقي أقطار الأمة العربية، صنعوا الفرقة بين الدول الإسلامية بحدودهم الصناعية منذ أكثر من قرنين، قسموا الشعب الفلسطيني إلى قسمين، وحاولوا أن يدعموا تعدد فصائله، ربما حلموا أن يكون تناقض الفصائل في أساليب المقاومة سيكون سببًا في فرقة الشعب الذي يثبت كل يوم أنه شعب الأبطال الجبارين.

إن شعبنا الفلسطيني يلقنهم الدروس يومًا بعد يوم، ويخرج من بين أطفاله ورجاله وسيداته من يعلمهم أنه أمة لا تنهزم، ومن رحم المقاومة ورحم جنين الصغير ستولد الأمة سيمتد هذا الجنين ليكون أمة واحدة، وحلم الكيان الصهيوني من النيل إلى الفرات سيتحول إلى أمة عربية من هذا الجنين التي يتكون بدماء المقاومة الفلسطينية في أرجاء الأرض المحتلة كلها، هم لا يعرفون معنى الإيمان والعقيدة، لا يتدارسون مواقف الرجال في هذه الأمة الصامدة الباسلة.

عدوانهم والأشهر الحرم

لا يتوانى الكيان الصهيوني عن مهاجمة الشعب الفلسطيني في الأشهر الحرم، وإذا تتبعنا ذلك خلال السنوات الماضية سنجدهم يتعمدون ذلك مهما اختلفت الحكومات الصهيونية، الواقع أن أي تفرقة بين تلك الحكومات في الاحتلال هو جزء من وهم بعض الأنظمة والسياسيين العرب، هؤلاء الذين يعجزون دومًا عن دعم المقاومة الفلسطينية فيلجأون إلى وصف حكومات الكيان الغاصب بالمتطرفة حينًا والمعتدلة حينًا آخر، ولكنهم جميعًا وجوه متعددة لكيان محتل مغتصب لا فرق سوى في أساليب الاغتصاب.

هكذا أيًا ما كانوا فإنهم يختارون أيامًا وشهورًا لها حرمتها لدى المسلمين والعرب، ليمارسوا اجتياحهم وعدوانهم على أهلنا سواء من المرابطين في المسجد الأقصى في شهر رمضان من كل عام، أو في الأعياد للمسلمين.

منذ أيام في بداية شهر الحج قاموا بالاعتداء على المصحف الشريف، أحرقه مستوطن مغتصب في القدس، وها هم يعودون خامس أيام عيد الأضحى ليجتاحوا جنين، يضربون المنازل والطرق والمدراس يقتلون بلا رحمة، وهل يوجد لدى المغتصب رحمة؟ يستشهد أكثر من عشرة شهداء حتى كتابة هذا المقال، ويصمد المخيم الصغير أمام القوة الغاشمة، لا يتنازل ولا يستسلم.

هكذا يعلمنا شباب فلسطين الدرس كل يوم، فكل شهيد وبطل من هذا الشعب يرسم الطريق للأمة، سيحاولون إبادة الحياة فهم أعداء الحياة، سيحاولون إخافة الأطفال، لكنهم لا يعرفون أنهم يسهمون في ميلاد أطفال أبطال، سيخرج اليوم والليلة عشرات ومئات من هؤلاء الذين كانوا أطفالًا في معركة جنين الأولى ليثبتوا أنهم على الطريق ويحفظون الدرس درس المقاومة، وأن ما يكتب تاريخ الأمم هو دماء أبنائها، سيخرج من فلسطين كل لحظة طفل بطل يعيد الحق المغتصب، إنه الإيمان والعقيدة التي لا يعرفها الكيان ولا أفراده المغتصبون.

هل تفيق الأمة؟

ألم يأن الأوان لأمتنا أن تدرك معنى تواريخ العدوان، أن المستهدف شكليًا قد يكون احتلال جزء من أرض فلسطين، تخريب المسجد الأقصى، طرد المرابطين فيه، لكن ألا تدرك الأمة الإسلامية والعربية أنهم يتعمدون الحرب على مقدساتنا والعدوان عليها والاستهزاء من قيمنا وديننا، نعم ليست حربًا على قطعة أرض، فأطماعهم أكبر من فلسطين، وليست حلم احتلال ولا دولة عنصرية تمتد من النيل إلى الفرات، إنها حرب عقيدة، إنهم يحاربون المقدس لدينا.

يحاولون في كل لحظة، حاولوا في مصر قلب تلك الأمة خمسين عامًا، ولكن ظهر لهم من يقول إن ما صنعتموه راح هباء، وها هو شاب مصري عاش في أحضان كامب ديفيد وتربى في ثقافتها يصنع عملًا بطوليًا استشهاديًا ويقتل خمسة من جنودهم المغتصبين ليصبح أيقونة لكل الشباب العربي، كما سيصبح كل شهيد منارة في فلسطين وفي الأمة العربية والإسلامية.

منذ أسبوعين شاركت في مسيرة دعم للقدس بعنوان الحرية للقدس في إسطنبول، مسيرة وصلت لخمس كيلو مترات أو أكثر بين حيين من أحياء إسطنبول، لم يكن غريبًا على حضور عربي كبير من أبناء سوريا ومصر والسعودية، وكان يظهر هذا من هتافهم، فلكل شعب عربي لهجة وهتاف معين لفلسطين والقدس، ولا المئات من أبناء تركيا الكبار سنًا من الرجال والنساء، بل كانت المفاجأة التي حاولت استيعابها هو هذا العدد الضخم من الفتيات والشباب التركي في عمر ما بين الخامسة عشر والعشرين، ساعتها أيقنت أن في فلسطين ميلادًا جديدًا لأمة تنهض وتحاول أن تستوعب درس التاريخ الذي غاب عن الكبار.

تعمدت طرح مثال العمل من أجل فلسطين من مصر بالاستشهاد كما في تركيا بالدعم المعنوي لأقول إنه لا يخفى على الكيان الصهيوني ومن يدعمه هذا، فهم يجيدون قراءة الشعوب وتاريخهم ويعرفون ما هي أهدافهم؟ ولكنهم لا يدركون أن من مقاومة جنين الآن وصمودها ما يؤسس لميلاد أمة تمتلك اليقين، الإيمان والعقيدة، وكما صمدت جنين منذ عشرين عامًا ستصمد اليوم، ومن جديد ستولد أمة فلسطين المحررة لتكون ميلاد أمة جديدة كبيرة تستعيد نور شمس الغد.

الغضب الساطع آت

وأنا كلي إيمان

الغضب الساطع آت

سأمر على الأحزان

من كل طريق آت

بجياد الرهبة آت

وكوجه الله الغامر.. آت آت آت

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان