الدين الخارجي المصري يرتفع إلى 165 مليار دولار قبل ثلاثة أشهر

محمد معيط وزير المالية المصري

كشفت بيانات حكومية عن ارتفاع أرصدة الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية مارس/ آذار الماضي مقابل 157.801 مليار دولار بنهاية نفس الشهر من العام الماضي، بزيادة 7.560 مليارات دولار خلال الاثني عشر شهرا الممتدة بينهما.

وقارن البعض هذا الرقم الأخير للدين بما كان عليه في نهاية يونيو/ حزيران عام 2013، التي يحتفل النظام المصري حاليا بمرور عشر سنوات عليها، حين بلغ 43.233 مليار دولار، وهو الرقم الذي تسبب آنذاك في قيام عدد من قيادات اليسار برفع دعوى قضائية بمجلس الدولة ضد رئيس الوزراء هشام قنديل، بسبب أعباء ذلك الدين على الأجيال المقبلة.

وهكذا زاد الدين الخارجي خلال تلك السنوات العشر بنسبة 282% أي أنه تضاعف ثلاث مرات، وإن كانت نسبة النمو الحقيقية للدين خلال السنوات العشر لن تتأكد إلا بعد معرفة رقم الدين بنهاية الشهر الماضي، الذي نحتاج إلى حوالي ثلاثة أشهر لمعرفته مع توقعنا لزيادته، في ضوء توالي نشر الجريدة الرسمية قرارات رئاسية بعقود قروض جديدة مع العديد من البنوك والجهات الخارجية رغم تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وهو ما يتناقض مع تصريح وزيرة التخطيط مؤخرا بمجلس الشيوخ، عن توقف الحصول على القروض إلا لغرض تنموي كبير وبشروط ميسّرة، وأن المشروعات التي تمولها القروض الخارجية لا بد أن تكون لها دراسة جدوى ولها قيمة مضافة أو بعد تكنولوجي.

     تصريحات لترشيد الاقتراض منذ 2016

لكن كلام الوزيرة سبق قول مثله قبل سنوات ولم يمنع ذلك من الاستمرار في الاقتراض، ففي يونيو/ حزيران 2016 قال الحاكم في مصر إنه لا قروض جديدة قبل التأكد من قدرتنا على السداد، وإنه لن يتم التوقيع على أي قرض جديد لتمويل أي مشروع دون التأكد من القدرة على السداد، حتى وإن كانت نسبة الدين الخارجي لمصر إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة وفي حدود آمنة، ورغم ذلك فقد زاد الدين الخارجي خلال نفس العام بـ19.5 مليار دولار، كما زاد في العام التالي بنحو 15.6 مليار دولار.

وفي عام 2018 صدر قرار عن رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لإدارة ملف الدين العام وتنظيم الاقتراض الخارجي والحد منه، برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء الاستثمار والتعاون الدولي والتخطيط والمالية، وممثل عن البنك المركزي وممثل عن هيئة الرقابة المالية وممثل عن الأمن القومي، وتم اختيار وزيرة التخطيط مقررة للجنة، وتضمنت اختصاصات اللجنة تحديد حدّ أقصى للاقتراض الخارجي سنويا لا يُتجاوَز إلا في حالات الضرورة القصوى.

ومع عدم الإعلان رسميا عن هذا الحدّ الأقصى السنوي للاقتراض الخارجي، فقد زادت القروض الخارجية في نفس العام بنحو 13.7 مليار دولار، لكن الرقم زاد عن 16 مليار دولار سنويا في السنوات الثلاث التالية ثم تخطى 17 مليار دولار العام الماضي.

ومن الطبيعي أن يردد مسؤولو النظام وأنصاره مقولة أن الدين الخارجي ما زال في الحدود الآمنة، حيث بلغت نسبته العام الماضي إلى الناتج المحلي الإجمالي 35.5%، لكن هؤلاء يتناسون أن حساب الدين العام إلى الناتج المحلي، يتطلب جمع كل من الدين العام الداخلي والخارجي، للوصول إلى نسبة الدين العام إلى الناتج، وفي مصر لم يُعلَن رقم الدين العام المحلي منذ منتصف عام 2020 أي منذ ثلاث سنوات!

  نسبة الدين العام إلى الناتج غير معروفة

وربما يستخدم البعض تصريح وزير المالية خلال عرض موازنة العام المالي الحالي على البرلمان قبل أسابيع، بأن نسبة الدين العام شاملا المحلي والخارجي إلى الناتج تبلغ 96% في نهاية الشهر الماضي، وينسى هؤلاء أن ما ذكره الوزير  يتعلق بالدين العام الخاص بالحكومة وحدها، وليس الدين العام للبلاد، فالنسبة التي أعلنها الوزير تتضمن من الدين الخارجي 83 مليار دولار فقط تمثل نصيب الحكومة منه بنهاية العام الماضي، بينما تخطى الرقم الإجمالي للدين الخارجي في مارس/ آذار الماضي 165 مليار دولار، وبالتالي فإن نسبة الدين العام إلى الناتج ما زالت غير معروفة.

ويتفادى أنصار النظام ذكر ما أورده البنك المركزي المصري من بلوغ نسبة الدين الخارجي إلى حصيلة صادرات السلع والخدمات 214% بنهاية العام الماضي، أي أن الدين يمثل ضعف قيمة تلك الصادرات، وكذلك بلوغ نصيب الفرد بمصر من الدين الخارجي 1431 دولارا لكل مصري العام الماضي، بزيادة 127 دولارا لنصيب الفرد في العام الأسبق.

ومن الطبيعي أن يشير البعض إلى أن زيادة الدين الخارجي بنحو 7.5 مليارات دولار، خلال الفترة من مارس/ آذار من العام الماضي إلى نفس الشهر من العام الحالي، وهو معدل غير مسبوق في انخفاضه، حيث كان أقل رقم للزيادة السنوية هو حوالي 14 مليار دولار خلال السنوات السبع الأخيرة.

وهنا السؤال نفسه هل تعمد النظام المصري خفض معدلات الاقتراض الخارجي، أم أنه لم يستطع الاقتراض خلال تلك الفترة؟ في ظل ارتفاع فائدة الاقتراض الدولي وتراجع تصنيف مصر، وعزوف المستثمرين الدوليين عن السندات المصرية بالخارج بعد انخفاض قيمتها إلى حوالي نصف سعر طرحها، وهنا نعتقد أن صعوبة الاقتراض هي السبب الرئيسي لانخفاض معدلات الاقتراض.

ضمان إضافي للحكومة لإصدار سندات

ولدينا شاهد حيوي على ذلك هو إعلان وزير المالية منذ عدة سنوات نية إصدار سندات بالأسواق الصينية باليوان الصيني، بما يعادل نصف مليار دولار، وتسمى هذه السندات سندات البندا، ليعلن بنك التنمية الإفريقي مؤخرا ضمانه لإصدار تلك السندات بنحو 345 مليون دولار، ثم يعلن البنك الآسيوي للاستثمار ضمانه لإصدار تلك السندات بأكثر من 200 مليون دولار، رغم أن الطبيعي والمعتاد أن تكون تلك السندات مضمونة من وزارة المالية المصرية فقط، أما أن تحتاج مصر إلى ضمانة إضافية فدلالة ذلك السلبية واضحة للعيان.

ومن الطبيعي أن يقول أنصار النظام إنه لم يتخلف عن سداد أي من أقساط وفوائد الدين الخارجي، ويتناسى هؤلاء أن هذا الالتزام بالسداد سببه الأساسي أن مجرد التخلف عن سداد قسط واحد، سيدفع أصحاب الديون إلى المطالبة بتعجيل سداد باقي أقساط قروضهم، كما يتناسون تأجيل سداد أقساط ديون كل من السعودية والإمارات، وإعلان صندوق النقد تأجيل دول الخليج مستحقاتها لدى مصر حتى عام 2026.

كما يتغاضى هؤلاء عن الاقتراض الجديد لسداد الأقساط القديمة، ففي العام الماضي تم سداد أقساط بقيمة 19 مليار دولار، بينما زادت قيمة القروض بنحو 17.4 مليار دولار خلال العام، ويتذكر الجميع طرح صكوك سيادية في مارس/ آذار من العام الحالي بقيمة 1.5 مليار دولار، في نفس يوم استحقاق سداد قسط لأحد إصدارات السندات الخارجية بقيمة 1.25 مليار دولار، لكن الأهم أنه تم الاقتراض بفائدة تقترب من 11% لسداد إصدار سندات كانت فائدتها أقل من 6%.

وهنا نذكر أن البنك المركزي بعد أن كان قد قلص إصدار النقد لتقليل المعروض النقدي استهدافا للتضخم، قد عاد مؤخرا إلى التوسع في إصدار النقد، لتصل قيمة إصدار النقد خلال الأشهر الثلاثة الممتدة من مارس/ آذار حتى مايو/ أيار من العام الحالي  إلى قيمة 156 مليار جنيه، وعند تحويلها إلى دولارات بالسعر الرسمي تصل إلى 5 مليارات دولار، يمكن من خلالها سداد أقساط الدين المستحقة.

وفي ضوء استمرار العجز بين صافي الأصول والالتزامات الأجنبية بالجهاز المصرفي إلى 24.4 مليار دولار في مايو/ أيار الماضي، وتراجع قيمة الصادرات المصرية بنسبة 26% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، وتراجع قيمة تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 10% العام الماضي، وبطء برنامج بيع الشركات الحكومية، نتوقع استمرار الاقتراض الخارجي رغم ارتفاع الفائدة وتراجع التصنيف، لأنه لا بديل عنه أمام النظام الحاكم لسداد أقساط الدين واستيراد الاحتياجات الأساسية من غذاء ووقود.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان