تربية الأبناء بين العقاب والتشهير

شاهدت أم عربية ابنتها وهي ترقص على التيك توك في بث مباشر؛ فقصت شعر ابنتها في بث مباشر أيضًا وأظهرتها حليقة الشعر تماما.

البنت أخطأت وتستحق عقابًا رادعًا وإعادة تقويم لأفكارها وتصرفاتها؛ والأم لم تكن موفقة أبدًا في التشهير بابنتها.

تصرف الأم في اختيار التشهير بابنتها وإعلان عقابها على الملأ نموذج صارخ لا يتكرر كثيرًا؛ ولكن يقوم آباء وأمهات يوميًّا بالتشهير بأبنائهم وبناتهم بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة؛ وتكون النيات دائمًا “إصلاح” الأبناء والبنات ونادرًا بنية الانتقام.

ولكن النتائج واحدة فالتشهير يعني “الفضح” وتعرية المخطئ أمام الناس وتعريضه “للمعايرة” وللتنمّر ولمختلف الإساءات التي ستترك حتمًا آثارًا سلبية في نفسيته وحياته الاجتماعية وأحيانا في مستقبله، تفوق بكثير أضرار الخطأ الذي أغضب أحد والديه أو كليهما ودفعهما إلى التشهير به.

تحذير للأهل

ندعو إلى عدم تجاهل أخطاء الأبناء والبنات في كل الأعمار؛ فالتجاهل سيدفعهم إلى التكرار ليصبح الخطأ عادة يصعب إصلاحها؛ كالزرع الضار الذي لا نسارع إلى نزعه من الأرض لإفساح المجال لزراعة المفيد، وكلما تأخرنا تجذّر وصعب اقتلاعه.

كذلك غياب العقاب أو التأخر فيه يجعل المخطئ من الجنسين يراه حقًّا له أو على الأقل أمرًا بسيطًا لا يستحق العقاب أو اللوم. وعندما يضيق صدر الأهل لتكرار الخطأ بعد الاستهانة به يصيح الابن أو البنت باعتراض مع اتهام الأهل بأنهم يخاصمون العدل؛ وكيف لا يقولون ذلك وقد رأوا بأنفسهم تجاهل الأهل لهم عند أول مرة ارتكبوه؟!

ونحذر وننبه؛ فكثير من الأبناء والبنات يتعمدون ارتكاب الخطأ أحيانا لرؤية رد فعل الأهل؛ فإن تغاضوا أو كان العقاب بسيطًا كرروه باستهانة، وإذا كان العقاب رادعًا فكروا كثيرا قبل تكراره.

نؤكد أهمية العقاب في التربية بكل المراحل ولا صحة لأنه ينتهي في عمر ما؛ فما دامت هناك أخطاء فيجب أن تقابلها عقوبات متناسبة معها مراعية هل هذا الخطأ متعمد أم لا؟ وهل سبق التنبيه إليه أم لا؟ وهل حدث من قبيل التحدي للأهل؟ وفي حال التحدي يجب أن يكون صارمًا.

الصرامة ليست الحدة والصراخ؛ فذلك يضعف هيبة الأهل بل أن يكون العقاب قويًّا ويتناسب مع الخطأ، مع شرح الخطأ في تحدي الأهل، وأن من يفعله ينتقص من نفسه “ويخاصم” الذكاء ويدخل في معركة خاسرة مع الأهل؛ فتحديهم خسارة دينية ستوصله إلى العقوق الكامل ولو بعد حين، والتحدي درجة من درجات العقوق بالطبع، ودنيوية ستبعثر طاقاته التي يحتاج إليها بشدة لبناء حاضر قوي وناجح وسعيد يرشحه لمستقبل ولحياة متميزة يستحقها وتحسين مهاراته المختلفة.

والتفوق ليس في الدراسة أو العمل وحدهما؛ بل يجب على الإنسان التعرف على نفسه جيدًا والفرح بمزاياه والعمل على زيادتها برفق، ومواجهة نفسه بعيوبه ومنعها من إفساد حياته وتقليلها ما استطاع، وإنجاح علاقته بالأهل والأصحاب والزملاء والحرص على صحته النفسية والجسدية.

ولن ينعم بالفوز أبدا إذا كانت علاقته بالأهل قائمة على التحدي.

سلاح ضار

نذكر بأهمية العقاب “والردع” ونحذر من استخدام “سلاح” التشهير الذي يهدد به الأهل أحيانا أولادهم وبناتهم صغارًا وكبارًا لإخافتهم من فضحهم ويتناسون أنه سلاح ضار جدا؛ إذ إنهم يثقون بعدم جدية الأهل وأنهم لن ينفذوه فيفقد جدواه والأسوأ تراجع هيبة الأهل؛ فينبغي أن يكون العقاب ناجح ومؤثرا، وأن لا نهدد بما لا نستطيع فعله.

الأبشع عندما يضيق صدر الأهل لتكرار الأخطاء والاستهانة بالتهديد فينفذونه أو يخافون من الفضح ويرون أنهم سيفضحون أنفسهم أو كما قالت لي أم: هل سأخبر الجميع بأخطاء أولادي وأعلن “فشلي” في تربيتهم؟!

نرفض اختيار الأهل للتشهير بعد الاحتفاظ بالغضب الشديد من الأبناء أو عند التعرض لصدمة غير متوقعة كالتي فوجئت بابنتها على التيك توك، وننادي “بالتريث” وألا نسمح للغضب بدفعنا إلى تصرف نندم عليه لاحقًا؛ ولمنع الأذى عن أولادنا وبناتنا.

يبدأ التشهير بأمور يراها كثيرون بسيطة كالشكوى أمام الآخرين من أن الصغير يتأخر في النطق أو المشي وأن من هم في عمره “سبقوه”، أو من عدم تفوقه الدراسي وسوء علاقته بإخوته وعصبيته وصراخه الدائمين وتعمده رفض الأوامر ونحافته أو بدانته وغلطاته في المدرسة.

نكاد نسمع اعتراضات تقول هل يكبت الأهل غضبهم من الأولاد والبنات ولا يشتكون منهم أبدًا؟ ونرد بود واحترام: الكبت مرفوض ويؤثر سلبيًّا في الأهل نفسيًّا وصحيًّا ويحرضهم على أولادهم؛ فيتضاعف الغضب ويكون مبالغًا فيه، لكن من قال إن التربية “نزهة”؟ ونوصي بحسن اختيار من “يفضفض” الأهل معهم وبعيدا عن الأطفال وبسرية تامة وضمان الاحتفاظ بما يقولون وأن يكون الهدف البحث عن حل للمشكلة وليس “ترسيخ” المعاناة؛ فالأول يساعد ويوسع الحياة والثاني يعطل ويزيد المشاكل.

أسوأ ما في التشهير بالأولاد والبنات ليس الانكسار النفسي الذي يحدث أحيانا، بل اللامبالاة وتعمد تكرار الخطأ؛ فما دام الجميع يقولون إنني سيّئ فسأواصل ذلك ولن أتغير، أو الكذب والادعاء بأنه أصبح أفضل واختيار فعل الأسوأ في الخفاء للانتقام من أسرته إضافة إلى فقدان الثقة بالأهل وهم مصدر الأمان المهم في حياة الأبناء والبنات في كل الأعمار.

ونوصي الوالدين إذا أخبر الابن أحدهما بسرّ وطلب ألا يذكره للطرف الآخر، أن يحترم ذلك حتى لا يفقد ثقته به وليكون “بابه” مفتوحًا دومًا لسماع ما يخاف أن يحكيه للآخرين؛ فكيف بمن “يُشهر” بالابن أمام الجميع؛ كيف يمكن أن يثق به مجددًا؟ ألن يسارع بالبحث عن “بديل” للأهل؟ وغالبًا ما يكون ذلك البديل غير جدير بذلك ويتسبب في إلحاق الأذى به.

من واجبنا عقاب الأبناء والبنات عند الخطأ، ومن “حقوقهم” حمايتهم من التشهير بأنواعه ودرجاته حتى أمام إخوتهم أو أقربائهم المقربين منهم، ولنعلمهم الاحتفاظ بالكرامة دومًا ونمنحهم “الفرصة” لتصحيح الأخطاء بأيديهم والتعلم منها وعدم تكرارها، ويصعب تحقيق ذلك عند “غياب” العقاب أو التشهير.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان