شهداء جنين وجرحى تل أبيب.. ملاحظات وشواهد

آثار العدوان على مخيم جنين

سوف نظل نتوقف أمام سياسة الكيل بمكيالين للمجتمع الدولي ومنظماته، نتوقف أمام الدم المستباح هنا والدم الحرام هناك، نتوقف أمام الانحياز لهذا العرق واللامبالاة اتجاه ذلك النوع، نتوقف أمام العنصرية المزمنة التي لم تعد تستطيع إخفاء وجهها البغيض، نتوقف بشكل خاص أمام آلة القتل الإسرائيلية التي تجد دعمًا بلا حدود من عواصم ترفع شعارات الأخلاق والمساواة، ومنظمات ترفع طوال الوقت رايات حقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان.

اثنا عشر شهيدًا فلسطينيًّا، ومئة وسبعة عشر جريحًا، في مدينة ومخيم جنين برصاص قوات الاحتلال لم نسمع من العالم بشأنهم سوى مطالب بضبط النفس، وما أن أصيب ثمانية إسرائيليين في تل أبيب إثر عملية دهس وإطلاق نار قام بها شاب فلسطيني حتى قامت الدنيا ولم تقعد، هكذا هو الحال في كل أزمة وفي كل حادث، الردود المتباينة على الدم الفلسطيني والدم الإسرائيلي، على الشهداء هنا والجرحى هناك، على الاجتياح هنا والدفاع عن النفس هناك.

التنسيق مع العواصم الكبرى

الغريب في الأمر أن نكتشف ذلك التنسيق الإسرائيلي المسبق مع العواصم الكبرى، واشنطن ولندن وباريس بشكل خاص، والأكثر غرابة أن تعلن إسرائيل عن علم مسبق لرئيس السلطة الفلسطينية وبعض العواصم بالمنطقة، ردود المنظمات الدولية وبشكل خاص الأمم المتحدة تشير إلى أن هناك موافقات مسبقة أيضًا، معظم البيانات العربية لا تخرج عن نصوص العقود الأربعة الأخيرة، وربما الصيغة نفسها في معظم الأحيان.

ما يزيد الدهشة هو موقف حركات المقاومة الفلسطينية في غزة ما دام الأمر يتعلق بالعدوان على الضفة، والعكس صحيح في حالة ما إذا كان العدوان على غزة، الأمر لا يعدو كونه بيانات شجب واستنكار أقرب إلى بيانات العواصم العربية، عشرات الشهداء في الضفة الغربية ليسوا عددًا كافيًا لاستنفار صواريخ غزة، كما أن عشرات الشهداء في غزة لم يكونوا عددًا مقنعًا في أي وقت لمقاومي الضفة للدخول في أتون المواجهات.

في الوقت نفسه، لم يحدث ذات يوم أن خرج سلاح السلطة الفلسطينية من غمده للدفاع عن بني جلدتهم، ذلك أن سلاح السلطة لمواجهة الشعب الفلسطيني فقط، لم يحدث ذات يوم أن أمر رئيس السلطة قواته الأمنية بالاشتباك مع قوات الاحتلال درءًا للظلم أو تحريرًا للأرض، أو حتى ذرًّا للرماد في العيون، إنه ميثاق أوسلو الغليظ الذي لم يخرج عن النص أبدًا ولو من باب الخطأ، أو صحوة الضمير، أو لمجرد التسجيل في كتب التاريخ.

بالتأكيد لم يحقق العدوان الإسرائيلي أهدافه، ولن تتحقق أبدًا ما دمنا أمام قضية عادلة، إلا أن العدوان في كل مرة يكشف حالة الاهتراء الدولية والإقليمية، والعربية والداخلية الفلسطينية أيضًا، هناك اختلاف شكلًا والمضمون متشابه إلى حد كبير، إلا أن مجريات التاريخ تؤكد أن الحقوق لا تضيع ما دام وراءها مُطالب، كما أن عقيدتنا تؤكد أن الزبد يذهب جُفاءً، وهي أمور تدركها سلطة الاحتلال، التي تعجل بنهايتها من خلال هذه الممارسات، كما تدركها عناصر المقاومة، الذين لا يبخلون بأرواحهم من أجل تحقيق النصر.

الأمر الأكثر أهمية، هو أن العدوان على جنين لن يكون الأخير، في ظل حكومة التطرف الإسرائيلية الحالية، المخطط واضح ومعلن، كل مدن الضفة الغربية معرضة للاجتياح بين لحظة وأخرى، وربما جنين نفسها من جديد، ليست هناك أي ضمانات للتوقف، كما أنه ليست هناك أي إجراءات تردع المعتدي، المجتمع الدولي لا يأبه، العواصم العربية ليست أفضل حالًا، وهكذا دواليك، مزيد من الاعتداءات، مزيد من الشهداء، مزيد من البيانات.

تقاعس السلطة

أعتقد أنه كان من المهم الدعوة إلى اجتماع وزاري عربي، على أقل تقدير، على مستوى وزراء الخارجية، للنظر في كيفية ردع المحتل مستقبلًا بما يضمن وقف خططه المتطرفة، التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تهجير الشعب الفلسطيني من مناطق بعينها، وإقامة مزيد من المستوطنات، وتغيير معالم الضفة الغربية والقدس بشكل خاص، والضرب بالقرارات الدولية في هذا الشأن عرض الحائط، فضلًا عن فرض الأمر الواقع الذي يستحيل معه -من وجهة نظر سلطة الاحتلال- إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

الغريب في الأمر، هو أن السلطة الفلسطينية لم تعد تطلب مثل هذه الاجتماعات، كما أن فصائل المقاومة الفلسطينية لم تعد تعول عليها أيضًا، في الوقت الذي أحجمت فيه جامعة الدول العربية عن الدعوة إليها، بما يشير إلى أن الأمر جد خطير، لم يعد هناك موقف عربي يحرك المياه الراكدة، كما لم يعد هناك إجماع عربي على قضيتهم التاريخية، في الوقت الذي أصبح فيه المواطن العربي مكلومًا مغلوبًا على أمره، يركض على مدار الساعة باحثًا عن قوت يومه الذي قد لا يجده.

كل الشواهد إذن تؤكد أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية الشعب الفلسطيني أولًا وأخيرًا، الشعب الفلسطيني وحده، شعب الجبارين الذي لم يهدأ يومًا ولم يستكن، لم يرضخ للضغوط القريبة والبعيدة في آن واحد، لم ينبطح ولم يُسلّم، وهو الأمر الذي يؤكد أن النصر حليفه طال الوقت أم قصر، إنه وعد الله، ولن يخلف الله وعده.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان