الصين تبحث عن ملاذ آمن للثراء الفاحش في بلاد العرب!

طلبت السلطات الصينية من الموظفين بالبنوك والشركات، ممن يحصلون على رواتب ضخمة، عدم التباهي بمميزاتهم والظهور في العمل بملابس باهظة الثمن. صدرت تعليمات للعائلات الثرية، الشهر الماضي، بعدم نشر صورهم لهداياهم ووجباتهم الفاخرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
على النقيض من ذلك، اتخذت إجراءات مشددة ضد كل من يتحدث عن الفقر المدقع، وأزالت الكلمات والأغاني التي يروج لها من يعانون البطالة وانخفاض قيمة أجورهم بدرجة مخيفة.
تسير السلطات عكس تيار شعبي واسع، يحب التباهي بما يملك ويلبس ويأكل، برجوازي وطبقي بالفطرة، تقبل الحكم الشيوعي على مضض، خلال 3 عقود متتالية، أنهاها قادته، في ثمانينيات القرن الماضي، بتحولات تدريجية، صنعت رأسمالية متوحشة تديرها الدولة.
ثراء فاحش
يقود الرئيس شي جين بينغ، منذ توليه السلطة عام 2013، حملة للرقابة على الثراء الفاحش. حظَرَ إعلانات المنتجات الفاخرة بالإذاعة والتلفزيون منذ 2013. أزال من الإنترنت، عام 2021، مواقع للتواصل الاجتماعي، تبث برامج عن البضائع الفاخرة والفقر ومعاشات زهيدة، تدفعها الدولة بحدود 14.5 دولارا شهريا للمقيمين بالريف.
منع مجلس نواب الشعب أعضاءه من ارتداء ملابس تحمل ماركات عالمية شهيرة، بعد أن صور صحفيون عضوات يرتدين بجلسات 2016 و2018 فساتين بلغت قيمة أحدها 66 ألف دولار، وحملت نائبة حقيبة بمبلغ 450 ألف دولار. ضبطت مسؤولة، عام 2020، بتلقي رشى عبارة عن حقائب وملابس فاخرة، تزيد قيمتها على 50 مليون دولار.
لم توقف حملات النظام تزايد عدد الأثرياء. تمتلك الصين أكبر عدد من مليونيرات العالم، وأكثر من 50% ممن يحملون لقب الملياردير.
تُظهر إحصاءات بنك الإنشاء (Construction Bank) بلوغ عدد المليونيرات عام 2022، ممن يتمتعون بخدمات مصرفية خاصة، 193 ألفا و700 شخص، بنسبة نمو 9.31%، تصل أصولهم المالية إلى 2.3 تريليون يوان (الدولار يعادل 7.2 يوانات)، بزيادة 11.26% عن 2021.
رصدت منصة شياو هنغشو (Xiaohongshu) المتخصصة في تتبّع مراكز التسوق الفاخرة، بلوغ الأفراد الذين ارتفعت ثرواتهم الصافية الشخصية إلى أكثر من 10 ملايين يوان (1.4 مليون دولار) نسبة 0.3% من السكان عام 2019.
اشترى الأثرياء 73% من الاستهلاك الفاخر، ارتفعت إلى 82% عام 2022، في ظاهرة “الإنفاق الانتقامي” للأغنياء الذين عبّروا عن ضيقهم بحجزهم في منازلهم أثناء فترة انتشار وباء كوفيد-19، بشراء الملابس والحقائب والجواهر والساعات الفاخرة عبر الإنترنت، بنحو 53.7 مليار دولار عام 2020، ارتفعت إلى 70 مليار دولار 2021.
اليوان ينزلق
خرجت الصين من معركة الوباء القاسية، وقد ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، في دولة يفاخر رئيسها بنجاحه في القضاء على الفقر نهائيا عام 2021، ودعوته إلى تحقيق “الازدهار المشترك والرخاء الاشتراكي”، فإذ بحماس المستهلكين حائزي المال قد خف، مع بوادر أزمة اقتصادية، تدفع الأغنياء إلى الخوف من التفريط في السيولة والبحث عن ملاذ آمن لأموالها بالخارج. زادت ضبابية المشهد من رغبة الطبقات المتوسطة والفقيرة في ادخار المال، وعدم توجيهه إلى أي منافذ استثمار أخرى.
ينحني الاقتصاد الضخم تحت ضغط تباطؤ النمو، وفوارق طبقية، وتناقص في الأجور والوظائف، ارتفعت من 20.4% في أبريل/نيسان إلى 20.8% في مايو/أيار الماضي وفقا لإحصاءات رسمية، يراها الشباب أقل من الواقع. واكب انتظار 11.6 مليون خريج جديد لسوق العمل الشهر الحالي، تراجع اليوان إلى أقل مستوى منذ 15 عاما أمام الدولار، إلى 7.2 يوانات، ليخسر 5% من قيمته منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
التنين يروض عملته ورجاله
عقب انتهاء منتدى تيانجين الاقتصادي الدولي الأسبوع الماضي، المسمى “منتدى دافوس الصيفي”، فاجأت السلطات الحضور بإعلانها تعيين بان غونغ شنغ رئيسا لبنك الصين المركزي، رغم تصويت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي -أعلى سلطة سياسية- في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ببقاء الرئيس الحالي قوه شو تيشنغ، لمدة 5 سنوات.
يحاول التنين ترويض عملته، بخبرة خريج كمبريدج وهارفارد، وثيق الصلة بمؤسسات المال الغربية والشرق الأوسط، ومحاولة إنعاش الاقتصاد بخفض الفوائد على الدولار لإضعافه، ومنح سلطات واسعة للبنوك بتقليل الاعتماد عليه رغم امتلاكها أكبر احتياطي نقدي عالمي، بقيمة 3.18 تريليون دولار.
تُجري السلطات الصينية مفاوضات جادة، لجعل عدد كبير من الدول تلغي ربط عملاتها بالدولار، مقابل استخدام اليوان، عند التعامل معها، أو داخل منظومة دول “بريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا.
تزيد الصين من تأثيرها الاقتصادي في المنطقة، الذي ظهر جليّا خلال مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين، الذي عُقد الشهر الماضي، حيث أعلنت عن بلوغ وارداتها من الدول العربية 228.9 مليار دولار، وصادراتها 278.2 مليار دولار عام 2022. وبعد أن أصبحت أكبر شريك تجاري للوطن العربي، تخطط بأن تسهم دوله في إنقاذ اقتصادها. وجدت الصين ضالتها عند العرب، لمواجهة الكساد الذي تواجهه سلعها الفارهة محليا، مع تراجع شرائها من أوربا والولايات المتحدة، بسبب الأزمات المالية، وحماية أموال مليارديراتها، مع تصاعد الضغوط الجيو-سياسية بين بيجين وواشنطن.