نخطط لمستقبلنا ولكن يجب أن نحسن التوكل على الله!

فيروس كورنا كشف عجز منظومات العالم الصحية

تطورت دراسات المستقبل نظريا ومنهجيا، وأبدع الكثير من العلماء في كل المجالات في التوقع ورسم السيناريوهات، لكنّ هناك أحداثا مفاجئة لا يتوقعها الباحثون تؤدي إلى فشل الخطط التي تمت صياغتها بعد دراسة الواقع وموازين القوى.

ولقد أثار هذا المجال العلمي اهتمامي، وقدمت دراسات حول مستقبل الإعلام والصحافة، وربطت ذلك بتطور النظم السياسية، وقراءة التاريخ والواقع.

لكنني اكتشفت أننا يجب أن نقدم رؤية جديدة تقوم على أنه من الضروري أن نعمل ونخطط ونتوقع ونكتشف ونبني المستقبل، لكننا يجب أن ندرك أن العلم له حدوده، وأن العقل الإنساني يجب ترشيده بالحكمة والإيمان بالله.

الكون أوسع من خيالنا

إن فشل الكثير من المخططات التي أبدعتها عقول علماء استراتيجيين يوضح لنا أن الكون أوسع وأكبر من خيالنا، وأن علمنا محدود، ويجب أن لا نبالغ في تقدير قيمة العقل الإنساني.

لقد أضعنا قرنين كاملين، ونحن نعتمد على العقل وحده تحت تأثير مشروع التنوير الأوروبي، تمكن فيهما العلماء من اختراع الكثير من المنتجات المادية خاصة في مجال الطب، ثم جاء وباء كورونا ليكشف الحقيقة، وهي أن المنظومات الصحية في كل الدول وقفت عاجزة.

إن الله خلق عقل الإنسان ليعمل بكل طاقته في بناء الحضارة وإعمار الأرض واكتشاف الأسباب وتطوير العلوم، لكن آن للعقل أن يتخلى عن غروره الذي كان نتيجة للانبهار بالإنجازات العلمية والمادية خلال القرنين الماضيين.

كما أن الإنسان أصبح يواجه الكثير من المحن والكوارث التي لا يمكن أن يواجهها بعقله وحده، لقد أصبح يحتاج إلى قلبه ووجدانه ومشاعره وإنسانيته.

القلب يحتاج إلى الإيمان بالله

راجع معي سيرة حياتك فستكتشف أن الله سبحانه وتعالى قدر لك الكثير من الأحداث التي غيرت كل الخطط التي رسمتها، وأنه لو كانت تحققت تلك الخطط كان يمكن أن تؤدي إلى بلاء لا تتحمله. وربما ظننت يومها أن فشلك في الحصول على ما تتمناه كان مصيبة وملأ قلبك الحزن والحسرة على ما فات، ثم جاء الوقت الذي عرفت فيه أن في قدر الله كل الخير.

إنك يجب أن تدرك أن علمك محدود، وأنه كما يجب أن يعمل عقلك بكل طاقته للتخطيط لمستقبلك، والبحث عن أسباب النجاح، يجب أن تملأ قلبك بالإيمان بالله لتتمكن من مواجهة الأحداث غير المتوقعة.

العقل يجب أن يتكامل مع القلب، فإن تخلى الإنسان عن قلبه غرته الحياة الدنيا، وبالغ في التعلق بالأسباب، وعندما تأتي الأحداث بما لا يشتهي وتفشل خططه، يصيبه الانهيار، لأنه ببساطة يفتقد قوة القلب والضمير والإيمان.

خطط للمستقبل ولكن!

هذا يعني أنك يجب أن تخطط لحياتك، وتستخدم كل مواهبك وقدراتك العقلية والنفسية لبناء مستقبلك، لكنك يجب أن تدرك أنك تعيش في كون خلقه الله سبحانه وتعالى، وأن علمك محدود، وعلم الله شامل وكامل، والله وحده يعلم ما تصلح به حياتك.. وأنك ستموت عندما يأتي الأجل الذي حدده الله لك، وبين الميلاد والموت ينعم الله عليك بما يجعل لحياتك قيمة وأهمية، وبما يجعل قصة حياتك تستحق أن تروَى.

وأنت تحتاج إلى مرارة الهزيمة لتتعلم الحكمة، وتحتاج إلى الألم لتستعيد إنسانيتك وقدرتك على مواساة الآخرين في حالات ضعفهم، وتحتاج إلى الحزن لتشعر بطعم السعادة عندما تأتي، وتحتاج إلى الصدمات لتدرك معنى الحياة.

لذلك يقرأ المسلم سورة الكهف كل يوم جمعة ليملأ قلبه بالإيمان بالله، ويفهم أن قدر الله كله خير، وأن يشعر بالتواضع فهناك الكثير من الأحداث لا يستطيع فهمها لأنها فوق خياله وقدراته العقلية المحدودة.

قبل أن تخطط لحياتك اقرأ سورة الكهف، وأحسن التوكل على الله الذي يعلم كل شيء، بينما لا تعرف أنت سوى القليل، واعلم أن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بالمعرفة في القرآن لنبني بها الحضارة، ونطلق في ضوئها خيالنا وعقولنا.

والقرآن يملأ قلوبنا إيمانا ونورا وتقى وحكمة، فلا يصيبنا الغرور عندما يمنّ الله علينا بالنصر والنجاح والفوز والفلاح والسعادة وتحقيق الآمال، ولا يصيبنا الحزن واليأس والقنوط عندما تفشل خططنا، ونتعرض للمحن والأزمات، ونفقد جاهنا وممتلكاتنا.

نتعلق بالأمل في الله

عندما يقرأ المسلم القرآن بوعي يتعلق دائما بالأمل في الله الذي يؤمن بأنه وحده القويّ، وأن كل البشر ضعفاء مهما امتلكوا من أسباب القوة.

هناك الكثير من الطغاة غرتهم قوتهم، وظنوا أنهم يمسكون بكل الخيوط يحركونها كما يشاؤون، ولم يدركوا أن ذلك الغرور يمكن أن يكون سبب الهزيمة والانكسار والانهيار والإفلاس.

حتى الدول تخطط، وتستخدم علماءها في صياغة السيناريوهات، وتقيس قوتها بما تملك من جيوش وأسلحة، وتتباهى بتلك القوة، فلا تدرك أن الاستخدام المفرط للقوة جريمة في حق الإنسانية، وتلك الجرائم تؤدي إلى انتشار السخط الذي يمكن أن يتحول يوما إلى نار تحرق الجميع.

لذلك يحتاج التخطيط للمستقبل إلى حكمة وإيمان ومبادئ وإنسانية لترشيد استخدام القوة، والمؤمن يتطلع دائما إلى قوة الله، ولا يقنط من رحمته، ويمكن أن يرى بنور البصيرة أن هناك الكثير من الأحداث القادمة ستغير العالم، وتفتح للشعوب طريقا للحرية والاستقلال الشامل.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان