الصين بين فيضانات حمراء وعلامات الغضب الأحمر!

اعصار يضرب الصين

بين فيضانات حمراء، خلفت أسوأ كارثة طبيعية شهدتها العاصمة الصينية بيجين و4 مقاطعات حولها، وأعلام حمراء يرفعها مواطنون بوجه السلطة احتجاجا على سوء الإدارة في مواجهة الكوارث، ظهرت بالأيام الأخيرة علامات أشد احمرارا في بورصات شنغهاي وهونغ كونغ وبيجين تثير الفزع بأنحاء العالم.

تعتبر الصين من أكثر الدول تعرضا للكوارث الطبيعية، ما بين أعاصير مدارية مدمرة، ورياح محملة بالرمال الخشنة، والتلوث البيئي، تتعرض مناطق كثيرة للزلازل. تظهر البيانات الرسمية أن الصين تفقد نحو 7٪ من ناتجها القومي سنويا جراء كوارث طبيعية، تقتلع الطرق والأشجار وتدمر المنشآت وتطيح بالبشر. يفتخر الصينيون بقدرتهم الفائقة على ” تحدى غضب الطبيعة” وتمكنهم من إحداث معجزة اقتصادية، شهد لها العالم، على مدار 40 عاما مضت، بإصرارهم على تجاوز معدل نمو اقتصادي يفوق الخسائر الطبيعية، ومعدل الزيادة بالسكان، وتحقيق قفزات واسعة، تحقق أملهم في أن تصبح الدولة الأولى اقتصاديا بحلول عام 2035.

 

معجزة الصين تتلاشى

 

حافظت الصين على أداء اقتصادي غير عادي، بمعدلات نمو فاقت 20٪، بالسنوات الأولى لفصل الحزب الشيوعي، بين عقيدته السياسية ونظام الحكم وإدارة الاقتصاد، بما يضمن حرية السوق بطريقة صارمة. ظلت قفزات النمو بمتوسط 15٪ لسنوات، وانتظمت عند حدود 12٪، ولم تنخفض إلى النسب المتدنية، التي نشهدها الآن عند مستويات أقل من 4٪ إلا بالآونة الأخيرة.

أثر انتشار وباء كوفيد- 19 على مسار الاقتصاد سلبا، لمدة 3 سنوات، مع ذلك، ظل الأمل عالقا بأن يعود إلى قوته مطلع العام الجاري، ويدفع بالأسواق العالمية إلى النمو الذي فقدته، فإذا به يسير بالاتجاه المعاكس. كشفت بيانات مكتب الإحصاء الرسمي الأسبوع الماضي، عن تراجع مؤشر أسعار المنتجين -يقيس أسعار السلع عند بوابة المصانع- بنسبة 4.4٪، يوليو الماضي، للمرة العاشرة على التوالي، وعاود أسعار المستهلكين انخفاضه، عند مستوى شهر نوفمبر 2020، مع حظر خروج الناس من بيوتهم أثناء انتشار الوباء. تبين الأرقام انخفاض تفاؤل المستهلكين، من 128 نقطة 2022، إلى مستوى 114 نقطة حاليا. ارتفع العلم الأحمر، من الأسواق المحلية، التي أظهرت أن الناس لا يشترون والمنتجين غير قادرين على تصريف الإنتاج أو التوسع بالاستثمار.

 

الواقع يبدو قاتما

 

يتجه الاقتصاد إلى الانكماش ويدفع الأسواق إلى الركود، فلا بيع ولا شراء، إلا في الحدود الدنيا، التي تحافظ على بقاء المواطنين على قيد الحياة. لم يظهر الركود فجأة، فقد سبقه رفع أعلام حمراء، عندما انهار سوق العقارات عام 2021، وضعفت التجارة مع الأسواق الدولية. زادت معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، ولم تف الحكومة بوعودها بدعم الشركات على النمو.

“الواقع يبدو قاتما بشكل متزايد”، كما يشير الخبير الاقتصادي إسوار براساد، Eswar Prasad في تحليل بمجلة فورن بولسي، لأن الحكومة قللت من مخاطر الانكماش، واتجهت نحو خفض معدلات النمو، يأتي بنتائج عكسية، ويجعل من الصعب سحب الاقتصاد من دوامة الهبوط.

ترتفع الأعلام الحمراء في وجه الحكومة لأن الانكماش يعني عدم قدرة الناس والشركات على سداد الديون المستحقة لغيرها وخاصة البنوك. عندما تنخفض أسعار الأصول مثل العقارات، يتجه الجميع إلى اكتناز النقود، وتفقد الشركات رغبتها بالاستثمار وتوسعة المشروعات، فتحدث “فقاعة سيولة”، وتفقد البنوك قدرتها على تقديم حقوق المودعين والمساهمين، فتحدث أزمة ائتمانية، وتجعل القوة الاقتصادية الصينية الهائلة أكثر هشاشة.

 

أعاصير مدمرة

 

رفعت السلطات راية “الفيضانات الحمراء”، عندما رصدت إعصار” دوكسوري” الذي ضرب الصين خلال الأسبوع الأول من أغسطس الجاري، داعية المواطنين إلى اخلاء منازلهم بالمناطق المنكوبة، في بيجين، والمقاطعات المحيطة بها، بتيانجين، وخبي وهيلونغجيانغ وجيلين. تصدر التحذيرات الرسمية بمستويات ألوان متعددة، أعلاها الأحمر.

دمرت الفيضانات المناطق الواقعة شمال شرق الصين، غمرت الشوارع موجات مياه بارتفاع 5 أمتار، هجمت على المنازل كالوحوش فأغرقت الطوابق الأولى، وأزاحت بيوت وحظائر المزارعين، وأبراج الاتصالات والكهرباء والكباري والطرق والغابات، ودمرت مناطق جبلية بالكامل. أتت الكارثة على ممتلكات ملايين المواطنين، ودفعتهم إلى حالة الفقر وما دون الصفر، وخلفت مآس إنسانية تداولها مغردون عبر شبكات الإنترنت، تظهر وفاة العشرات وتتبرم من تجاهل ذكر الاعداد الحقيقية للقتلى ومتابعة نزوح 1.5 مليون مشرد.

حمل الناس الأعلام الحمراء في وجه السلطة، عندما وجدوا اهتماما كبيرا من المسؤولين، بتوجيه الفيضانات إلى المناطق المحيطة بالعاصمة، وتفاخر مسؤولو الحزب بأنهم “يجعلون من مناطقهم خندقا لحماية بيجين”، ولو تطلب الأمر التضحية ببيوتهم ومزارعهم ومصانعهم.

جاء الضرر الاقتصادي هائلا. يدرك المواطنون أن الدولة لن تفي بوعودها ببناء منازلهم قبل الشتاء الذي يحل نهاية أكتوبر المقبل، ولكن هالهم أن يتفاخر المسؤولون بقدرتهم على تحويل مسار الفيضانات لأملاكهم، وتوجيه جل فرق الإنقاذ والدعم الفني والأغذية والتبرعات للعاصمة، بينما هم يتضورون جوعا، ويعيشون وسط الأنقاض وجثث الموتى المتحللة، والحيوانات النافقة.

العدالة المفقودة

 

عبر مواطنون عن غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ففرضت الحكومة حظرا على كل المعلومات والفيديوهات، ولم تسمح- كما فعلتها مع بيانات الركود- إلا بما تنقله مصادرها الموثوق بها، فلم يبق إلا ما تسرب للخارج قبل الحظر.

لطالما رفع المقيمون بالأحياء حول بيجين والمقاطعات الفقيرة راية الغضب، لعدم حصولهم على حق الإقامة بالعاصمة أو المدن الكبرى، والتمتع بالمميزات التي يحصل عليها أهليهم، فيحصدون مخصصات مالية هائلة، تحرمهم من حقهم في الخدمات ومشروعات البنية الأساسية.

يعترض أهل الريف على تحصلهم على رواتب لا تصل إلى 40٪ من الأجور و20٪ من معاشات المقيمين بالمدن، وعندما تقع الكوارث لا يجدون الرعاية ذاتها، وتصبح أراضيهم ملاذا للإنقاذ، والتغطية على فساد مسارات صرف المياه والطرق.

ينصحنا الزملاء الصينيون، بعدم زيارة بيجين في شهر أغسطس، حيث تشتد الحرارة، وينتشر الدخان الأسود، والعوالق الترابية، التي تسد الأنفاس. عشنا التجربة المريرة منذ 10 سنوات، فكانت الحكومة ترفع تحذيرا أحمر يمنع الناس من الخروج إلى الشوارع، ومطالبتهم بالبقاء بالمنازل. تسبب الظاهرة السنوية أمراضا بالصدر والعيون، ولكن جاءت الفيضانات والانكماش الاقتصادي لتدفع بالمزاج العام نحو غضب شديد عند الصينيين، بشكل استثنائي هذا العام، قد يمتد لسنوات.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان