من أجل زيكو .. تعليم فقير

 

في صبانا وسنوات دراستنا في السبعينيات وأوائل الثمانينيات كان الالتحاق بالمدارس الخاصة عيبا كبيرا، أما الدروس الخصوصية فكانت عارا على من يذهب إليها، بعضنا كان في شهادات إتمام الدراسة يذهب إلى المدرس الخصوصي خلسة متخفيا أن يراه أحد زملائه فينعته بأخذ دروس خصوصية!

تغيرت الأوضاع وأصبحت الدروس الخصوصية هي الأصل، والعجز فقط مانع الالتحاق بها، أما المدراس الخاصة التي كان يلتحق بها الحاصلون على مجموع قليل في الإعدادية فقد تنوعت وأصبح لدى المصريين أكثر من خمسة أنواع من التعليم، يبدأ من الحكومي (تعليم الفقراء)، إضافة إلى التعليم الإنجليزي، والألماني، والفرنسي، حتى وصل أخيرا إلى الياباني، والكندي.

ما بين التعليم الحكومي بمتاعبه ومشاكله وقضاياه التي لا تبدأ بقصة الكتاب الدراسي، ولا تنتهي عند مشاكل التدريس والمدرسين مسافة شاسعة هي المسافة بين زيكو بطل فيلم (من أجل زيكو) تأليف: مصطفى حمدي وإخراج بيتر ميمي، وبين زملائه الذين يشاركوه بالصدفة البحتة في مسابقة أذكى ثلاثة أطفال في مصر التي تنظمها إحدى القنوات الفضائية المصرية.

عربة نقل الموتى

مفارقة غريبة تدفع بزيكو ابن حي الدويقة الفقير إلى مسابقة أذكي طفل في مصر، وزيكو ابن لسائق يعمل على عربة نقل الموتى، وأم بسيطة تحلم بابنها حامل لجائزة نوبل كزويل فقط لأنه حافظ جدول الضرب تماما!
وجدول الضرب في عرف الفقراء هو حاصل ضرب الأرقام من العدد 1 حتى العدد 12، هكذا صور لها الخيال أنها عندما يجيب عن حاصل ضرب أي رقم فردي في آخر، فإنه بذلك في قمة الذكاء، أما الجد فهو يتذكر الأشياء بصعوبة، ولأنه لا راعي له فيأخذه الأب مع العم في رحلته إلى واحة سيوة للمشاركة في المسابقة.

لا يجد الأب النقود اللازمة للذهاب إلى واحة سيوة فيدبر مع زوجته بعض المأكولات للطريق، ولأنهم لا يملكون مصاريف السفر يستقلون عربة نقل الموتى التي يعمل عليها الأب، وقد أجاد المؤلف مصطفى حمدي في اختيار وسيلة السفر تماما، فجميع ركاب العربة موتى بالحياة.

التناقض الذي يمرون به يؤكد تلك الحقيقة، فعندما ينزلون في إحدى الاستراحات على الطريق لحاجة الطفل الدخول إلى دورة المياه يصادفون في البقالة (سوبر ماركت) في الاستراحة أحد الأطفال المشاركين في المسابقة، ويبدو الفارق واضحا تماما بين الطفل الذي يتحدث الإنجليزية، وزيكو، وبين الأم التي لا تعرف الكتابة والقراءة والأخرى التي تتحدث بعدة لغات. لقد صار المجتمع مجتمعين، أحدهما بعيد جدا عن الآخر، عالم في أعلى السلم، والآخر في بدروم الحياة، وعندما تحاول الأم شراء حلوى للطفل تكتشف أن كل ما تملكه لا يشتري قطعة شكولاتة لابنها.

أما عم الطفل فهو لا يعمل، ويسرق في بعض الأحيان، وعندما يجد أمامه عالم الماركت يسرق منه وهو لا يدري أن الكاميرات تصوره. نعم بدا في الفيلم أن الأب والأم يعملان بشرف من أجل تربية ابنهما، لكن خطأ تشابه الأسماء لا يجعل زيكو قادر على منافسة أبناء المدارس الأجنبية بكل مزاياها، فهو نتاج مدراس الحكومة بعجز مدرسيها، وازدحام الفصل بنحو 70 طالبا، بعضهم يجلس على الأرض لتلقي دروسه.

في الطريق إلى نوبل

في منتصف الطريق يتلقى الأبوان الصدمة إذ يأتيهم اتصال يخبرهما أن دخول زكريا محمد أو زيكو لم يكن إلا خطأ بسبب صدفة تشابه الأسماء، لأن الخطاب وصل بالخطأ إليهم، وصعد بأحلامهم إلى القمة.

فلا التعليم الآن مثلما تعلم زويل والباز، ومحمد البرادعي، ولا المدرسين هم ذواتهم، ولا المدراس نفسها، فكل شيء أصبح غير ذي قبل. أيضا لم تعد الإمكانات كتاب، وكراسة وقلم، وأدوات التعليم، والفارق الشاسع بين المدارس الخاصة لأبناء الخاصة والمدراس الحكومية لأبناء الفقراء لا يجعلهم يلتقون، قد يتفوق بعضهم في مرحلة ما قبل الجامعة أحيانا لكن هناك الكثير من السياسات لابد من تغييرها قبل أن ينافس هؤلاء في سوق العمل.

إذن فالطفل المشارك في المسابقة ليس هو زيكو، وليس هؤلاء الأهل هم أصحاب الحظوة، ويتفاجأ الأب أن صاحب عربة الموتى التي تقلهم إلى المسابقة قد أبلغ عنه الشرطة بسرقة السيارة، فيأخذ الأب طريقا صحراويا.

في الطريق يصادف فتاه تعطلت سيارتها أثناء ذهابها لحفل تنكري، فيقومون بتوصيل الفتاة للحفل، ويدخلون الحفل لعلهم يجدون طعاما. وعند دخولهم الحفل بملابسهم البسيطة يعتقد الجميع أنهم أغنياء متنكرون،
وفي فاصل آخر يجعل الكوميدي مأسوي، يختارونهم كأفضل متنكرين في الحفل، ولا تدري أهي كوميديا أم مأساة الفقراء في المجتمع؟ ولا تدري هل هو الفارق الشاسع بيننا وبين هؤلاء أصحاب شقق الملايين، أم هي حياتنا التي أصبحت ملهاة في ثوب مأساة؟

مهرجانات

يصل ركب زيكو حالما باكتساح المتسابقين، وبزويل جديد طبعا في خيال الأم والأب، وتستعطف الأم (قامت بدورها منة شلبي) المشرفة على الحفل (قامت بالدور أسعاد يونس كضيف شرف) مع الأب أن يدخل زكريا المسابقة، ولا يدركان أن مقومات ابنهما خارج السياق، الموضوع أكبر من حاصل ضرب 3 × 3 التي يعرفها زيكو.

تبدأ المسابقة لنرى الفارق الكبير بين تعليم وتعليم، بين طبقة وأخرى بعيدة جدا، بين مجتمعين كلاهما مفصول عن الآخر ليس فقط بالسور العازل في صحراء مصر الغربية، بل بمئات الأسوار العازلة، نعم لقد صرنا شعبين، شوف الأول فين والتاني فين، كما يقول عبد الرحمن الأبنودي في قصيدة ضحكة المساجين.

لا يعرف زيكو إجابة أي سؤال من تلك الأسئلة التي طرحها المحكم، لكنه عندما يشعر بالألم والهزيمة لا يجد أي ميزة لديه سوى أنه يعرف غناء أغنية مهرجانات، يعطيه الجمهور والمحكم فرصة الغناء، تلتف حوله كاميرات الفضائيات، ليصبح نجما للغناء الهابط الراقص في أفراح الأغنياء، فزيكو وأمثاله ليسوا سوى أروجوزات لهم، أدوات تسلية وتغييب للناس، إنهم المهرجون ولكنهم ليسوا كمهرج صلاح جاهين:

أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس

جلجلت به صحيوا الخدم والحرس

أنا المهرج خفتوا ليه .. قمتوا ليه

لا في إيدي سيف.. ولا تحت مني فرس.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان