السرقة والسطو.. الوجه الآخر لأوروبا

السرقة بالإكراه والسطو المسلح والنهب، باتت عناوين بارزة في أوروبا مؤخرًا، فمن فرنسا إلى بريطانيا إلى ألمانيا وغيرها لا يكاد يمر وقت دون وقوع جرائم من هذا القبيل.
ففي فرنسا على سبيل المثال، تتوالى عمليات السطو على المحال الفاخرة من حين لآخر، وباتت سمة مميزة للعاصمة باريس، ومدن فرنسية أخرى، كان آخرها عملية سطو في وضح النهار على أحد المحال الشهيرة في قلب باريس، وهذه هي الحقيقة المستمرة منذ سنوات ليس في فرنسا وحدها، بل في أوروبا ودول غربية أخرى.
فقد ازدهرت جرائم السرقة والسطو في أوروبا بمعدلات غير مسبوقة، خاصة في الدول التي تصنف من بين الأغنى في العالم، وفقًا لتقرير الثروة العالمي لمصرف “كريدي سويس” في 2020، وهي: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، بل تشير التقارير إلى أرقام صادمة للجرائم في الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الغرب، ناهيك من ارتفاع معدلات سرقات السيارات فيها بشكل غير مسبوق، فوفقًا لأطلس بيانات العالم منذ 2018، جاءت أمريكا ضمن الدول الخمس الأعلى في السرقة والسطو في العالم التي تتصدرها البرازيل، وتضم المكسيك وتشيلي والإكوادور، وتستحوذ على 85.97% من إجمالي السرقات في العالم بنحو 2.62 مليون في عام 2018.
بيانات صادمة
تُرجع التقارير زيادة معدلات جرائم السرقة والسطو في أوروبا في الفترة الأخيرة إلى الهزات الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، لكن الحقيقة أن جرائم السرقة والسطو موجودة بنسب مرتفعة ومتفاوتة في البلدان الأوروبية قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
قد يندهش البعض من تصدر دول أوروبية قائمة أعلى الدول في معدلات الجريمة في 2014، وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة.
فالبنسبة لأعلى معدلات السرقة والسطو في العالم عام 2014، جاءت بلجيكا في المركز الثاني عالميًا، تلتها فرنسا في المركز الثالث، وفي المراكز من الرابع حتى السادس، كانت السويد، وهولندا، ولوكسمبرج، واحتلت إيطاليا المركز الثامن، وجاءت سويسرا في المركز العاشر.
ووفقًا لقواعد البيانات، فقد تصدرت ألمانيا دول العالم من حيث السطو، ابتداء من عام 2020، حيث بلغت عمليات السطو نحو 298357 عملية، تمثل 13.06% من عمليات السطو في العالم، علمًا أن الدول الخمس الأولى الأخرى، وهي: فرنسا والاتحاد الروسي وكندا وإسبانيا استحوذت على 43.97% من إجمالي عمليات السطو في العالم، والمقدرة بنحو 2.28 مليون في عام 2020.
فرنسا بلد السطو والنهب
مؤخرًا، في مطلع شهر أغسطس/آب 2023، شهدت فرنسا حادثة سطو في وضح النهار على متجر مجوهرات فاخرة في قلب العاصمة باريس، فقد تعرض محل مجوهرات تابع للسلسلة الشهيرة “بياجيه” لعملية سطو من ثلاثة أشخاص استولوا على قطع نفيسة تُقدر قيمتها بين 10و15 مليون يورو، وفق ما أعلنته الشرطة والنيابة العامة في باريس.
ومن العجيب أن منطقة “بلاس فاندوم” الراقية في باريس، التي تضم متاجر السلع الفاخرة، صارت مسرحًا لحوادث السطو المسلح، وباتت سمة مميزة في السنوات الأخيرة، وتطرح أسئلة عديدة حول دور الأمن الفرنسي وقدرة الأجهزة على منع مثل هذه الجرائم والتقليل من آثارها.
عمليات السطو والنهب والسرقة في فرنسا لا تتوقف منذ سنوات فباتت ظاهرة واضحة خاصة في باريس، وببحث يسير تظهر نتائج لا حصر لها عن أخبار عمليات السطو في فرنسا خلال السنوات العشر الماضية، منها عدد كبير في مناطق المحال الفاخرة في باريس.
سرقات وحشية في وضح النهار
لكن الشيء المفزع هو عمليات الهجوم الوحشي في وضح النهار على المارة في باريس لسرقة ما في أيديهم من ساعات فاخرة وأدوات ثمينة، فالعديد من مقاطع “الفيديو” تظهر عمليات هجوم خاطفة وبطريقة وحشية لتجريد أشخاص من مقتنياتهم الثمينة، ينفّذها بجرأة أشخاص من سكان العاصمة باريس، ونسبة كبيرة منهم من القاصرين، ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد سُجلت المئات من حوادث السرقة بالإكراه سنويًا، التي تفاقمت في المدة من 2019 إلى 2021، إضافة إلى التطور في طريقة التنفيذ.
جدير بالذكر، أن فرنسا شهدت في الفترة الأخيرة ارتفاعًا في عدد جرائم القتل المتعمد، وتزايد عمليات السطو والسرقة، وتصاعد العنف في الشارع، مما يجعل فرنسا بلدًا غير آمن.
قبل نهاية عام 2022، أشارت العديد من التقارير إلى تصاعد العنف في أوروبا، وارتفاع معدلات الجريمة بشكل غير مسبوق على وقع الهزات الاقتصادية، حيث زاد العنف في السويد، ومعدلات السرقة في إيطاليا.
وفي ألمانيا باتت الجرائم أكثر عنفًا، كما زادت بنسبة كبيرة عمليات تفجير “ماكينات” الصرافة بشكل خاص، وفي القارة العجوز بشكل عام.
أما في بريطانيا، فقد انتشرت حوادث السطو المسلح والنهب والسرقة بالإكراه -في وضح النهارـ في العاصمة لندن وعدد من المدن والأحياء الشهيرة.
ففي لندن، ومن أجل سرقة ساعة أو هاتف محمول يتعرض الضحايا لهجوم وحشي، وضرب وإصابات بالغة تعرضهم للخطر، وهذا ما وثقته “الكاميرات” مرارًا وتكرارًا.
ووفقًا لبيانات جمعية المتاجر الصغيرة ACS في بريطانيا، والمنشورة في يونيو/حزيران 2023، فقد تم تسجيل أكثر من 1.1 مليون واقعة سرقة في عام 2022، وهو ما يمثل أعلى مستوى في بريطانيا منذ عشر سنوات، وقد أرجع التقرير معدلات السرقة نتيجة لأزمة غلاء المعيشة.
ختامًا
تؤكد زيادةُ معدلات الجريمة في أوروبا على وقع الهزات الاقتصادية هشاشة منظومة القيم في الغرب، وأن حالة الاستقرار التي عاشها الأوربيون ليست انطلاقًا من قيم ثابتة يعتمد عليها المجتمع، بل كانت نتيجة للرفاه الاجتماعي الذي تم تحقيقه.
ومع تهاوي القيم الذي تعيشه أوروبا حاضرًا، واستمرار الأزمات الاقتصادية، فإن وجهًا آخر مظلمًا للقارة العجوز يتكشف، وما السرقة والسطو سوى مقدمات.
