استمرار خسائر الهيئات الاقتصادية بأكثر من 12 مليار جنيه

في عام 1979 تم فصل الهيئات الاقتصادية عن الموازنة المصرية، وحددت وزارة الدكتور مصطفى خليل حينذاك 44 هيئة عامة، للعمل كهيئات اقتصادية تسعى لتحقيق ربح، خلافًا للهيئات الخدمية التابعة للوزارات، التي تسعى لتقديم خدمات متنوعة للجمهور.
وخلال السنوات الأربعة والأربعين التي تلت إنشاء الهيئات الاقتصادية حتى الآن، تم إلغاء بعضها وتأسيس هيئات جديدة حتى بلغ العدد حاليًا 59 هيئة اقتصادية، علاقتها بالموازنة أن الموازنة تحصل منها على الضرائب والفوائض التي تحققها كونها مملوكة للدولة.
وفي الوقت نفسه تقوم الموازنة بتقديم الدعم للهيئات المتعثرة منها، كما تقوم دوريًا بتدعيم مركزها المالي من خلال تقديم مساهمات مالية لتقوية حقوق ملكيتها، وهكذا أصبح لها مكان ثابت بالباب السابع من إنفاق الموازنة الحكومية.
وكثير من تلك الهيئات الاقتصادية يقتصر دورها على تحصيل الرسوم نظير التراخيص التي تمنحها للشركات للعمل في مجال معيّن، مثل هيئة الاستثمار التي تمنح الشركات رخص التأسيس، وجهاز تنظيم الاتصالات الذي يمنح تراخيص العمل بمجال الاتصالات، وهيئة المنطقة الاقتصادية لإقليم قناة السويس وهيئة التنمية الصناعية، وجهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وجهاز مرفق الكهرباء وهيئة التنمية السياحية وهيئة المجتمعات العمرانية، وجهاز تنظيم النقل البري الداخلي والخارجي، ومن هنا فإن أرباح تلك الهيئات مضمونة، لكنها تختلف من عام لآخر حسب درجة الرواج الاقتصادي، الذي يعزز أنشطة الشركات العاملة في تلك الأنشطة المختلفة.
خسائر رغم الدعم والمساندة المالية
إلا أن عددًا من تلك الهيئات الاقتصادية تحقق خسائر منذ سنوات عديدة، والعام المالي 2021/2022 حققت 14 هيئة اقتصادية خسائر بلغت 13.3 مليار جنيه، تركزت معظمها في هيئتين هما: الهيئة الوطنية للإعلام بنصيب 9.5 مليار جنيه، والهيئة القومية للأنفاق بخسائر 1.35 مليار جنيه.
وتضمنت قائمة الهيئات الخسارة هيئات: النقل العام في القاهرة بقيمة 489 مليون جنيه، وهيئة الطاقة النووية لتوليد الكهرباء 323 مليون جنيه، وهيئة نقل الركاب في الإسكندرية 293 مليون جنيه، وأكاديمية تدريب وتأهيل الشباب 89 مليون جنيه.
وشملت قائمة الهيئات الخاسرة وكالة الفضاء المصرية وهيئة تنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية، واستاد القاهرة الرياضي وهيئة الطاقة المائية لتوليد الكهرباء والهيئة الزراعية المصرية، وجهاز إدارة المخلفات وهيئة المعارض والمؤتمرات والمتحف المصري الكبير.
وجاءت تلك الخسائر رغم ما ورد بموازنة ذلك العام المالي من دعم لبعض تلك الهيئات، مثل هيئة نقل الركاب في القاهرة والإسكندرية اللتين حصلتا على 1 مليار و848 مليون جنيه كدعم، ومع ذلك حققتا خسائر بلغت 782 مليون جنيه.
إلى جانب تقديم وزارة المالية مساهمات لتعزيز المركز المالي لها، حيث بلغت مساهمات الدولة بالهيئات الاقتصادية في العام المالي نفسه 13.3 مليار جنيه تركزت بالهيئات الخاسرة، كان نصيب هيئة المحطات النووية منها 4.9 مليار جنيه والهيئة الوطنية للإعلام 1.8 مليار جنيه، وهيئة الأنفاق 1.4 مليار جنيه وهيئتي نقل الركاب في القاهرة والإسكندرية 493 مليون جنيه، أي أن بعض الهيئات تحصل على دعم وعلى تعزيز مالي سنوي في الوقت نفسه.
وإذا كانت أرقام خسائر الهيئات المُعلنة لا تعبّر عن الخسارة الحقيقية، فإن أرباح عدد من الهيئات الرابحة لا تعبّر عن الواقع أيضًا، في ظل حصول بعضها على دعم مثل هيئة السكة الحديد، التي ذكرت بيانات وزارة المالية حصولها على 5.5 مليارات جنيه كدعم، بينما بلغت أرباحها 1.1 مليار جنيه، والأمر نفسه لرقم أرباح هيئة التأمين الصحي التي تحصل على دعم من الموازنة.
توقع استمرار الخسائر لأسباب سياسية
والأهم من ذلك هو طول فترة الخسائر للهيئات الخاسرة التي تمتد لأكثر من عشر سنوات متواصلة للكثير منها، وإذا كان عدد الهيئات الخاسرة قد بلغ 16 هيئة قبل سبع سنوات، فقد انخفض العدد إلى 14 هيئة منذ خمس سنوات، وظل العدد ثابتًا حتى آخر بيانات معلنة منذ عامين، مع خروج هيئة أو اثنتين من دائرة الخسارة، وحلول أخرى محلها خلال تلك الفترة.
مع الأخذ بالاعتبار أنه إذا كانت بيانات العام المالي 2021/2022 كآخر بيانات معلنة، قد أشارت إلى تحقيق 37 هيئة ربحًا مقابل 14 هيئة خسائر، وتوازن المركز المالي لأربع هيئات من إجمالي 55 هيئة، فإن هناك هيئات أخرى لم يتم إعلان نتائجها، وهي: جهاز الثروة السمكية وصندوق التنمية الحضرية، والمنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي والهيئة القومية للجامعات الأهلية والتكنولوجية.
وتتركز أرباح الهيئات الرابحة في عدد قليل منها، أبرزها هيئة قناة السويس التي زادت قيمة أرباحها في ظل انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار مما ضخم رقم أرباحها، وهيئة التأمين الصحي الشامل التي فرضت الحكومة على كل الشركات دفع نسبة اثنين ونصف بالألف من إيراداتها لها حتى ولو كانت خاسرة، ومبالغ محددة على كل علبة سجائر مباعة، وجنيه على كل مركبة تمر بالطرق السريعة وغير ذلك من رسوم، وهيئة البترول وهيئة التأمين الصحي وهيئة المجتمعات العمرانية بما تبيعه من أراضٍ.
بينما تدنت قيمة أرباح هيئات أخرى لتبلغ 5 ملايين جنيه لكل من هيئة تحكيم القطن وهيئة جودة التعليم والاعتماد، و13 مليون جنيه لكل من جهاز تنظيم أنشطة الغاز وصندوق تغطية أضرار حوادث المركبات.
والمثير أنه يتوقع استمرار نزيف الخسائر للعديد من تلك الهيئات خلال السنوات التالية، ولهذا فقد تضمنت موازنة العام المالي الحالي 2023/2024 تدعيم المراكز المالية للهيئات الاقتصادية بقيمة 21 مليار جنيه، كان معظمها لهيئة المحطات النووية وصندوق التنمية الحضرية، والمتحف المصري الكبير والهيئة الوطنية للإعلام وهيئة الأنفاق.
كما تضمنت الموازنة بخلاف ذلك دعمًا لعدد من الهيئات بلغ 5.5 مليارات جنيه لهيئة السكة الحديد، و1.35 مليار لهيئة نقل الركاب في القاهرة و430 مليون جنيه لهيئة نقل الركاب في الإسكندرية، و2 مليار جنيه لهيئة التأمين الصحي الشامل، بخلاف دعم آخر لهيئة التأمين الصحي بلغ 647 مليون جنيه.
وتلعب الأوضاع الاقتصادية والسياسية دورها في استمرار خسائر بعض الهيئات الاقتصادية، حيث تحرص السلطات المصرية على بقاء القنوات الفضائية الحكومية رغم تدني نسب مشاهدتها، مما يعنى استمرار خسائر الهيئة الوطنية للإعلام رغم ما تحصل عليه من مساندة ودفع لأجور العاملين فيها منذ سنوات.
ففي العام المالي 2021/2022 بلغت إيراداتها من المصادر كلها 1.7 مليار جنيه، بينما بلغت مصروفاتها 11.2 مليار جنيه، منها 2.9 مليار جنيه لأجور العاملين في الهيئة، أي أن الأجور تزيد عن الإيرادات كلها.
كذلك حرص النظام الحاكم على استخدام الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب للترويج له، من خلال عقد مؤتمرات الشباب المحلية والدولية، ولهذا خصص لها 90 مليون جنيه لتعزيز مركزها المالي في العام المالي الحالي، كذلك المنافسة التي سببها إقامة مركز المنارة للمؤتمرات الدولية التابع للجيش، لهيئة المعارض والمؤتمرات التي تقوم بالمهمة نفسها تاريخيًا، مما عمّق خسائر هيئة المعارض خلال السنوات الأخيرة.
