الملل موجود والخروج منه مطلوب

 

 

(1) كلما هربت من الضجر يتبعك

الملل له مرادفات كثيرة منها السأم والتبرم والضجر، ونطلق عليه في مصر “زهق”، وهو ليس مرضًا ولا عرضًا لمرض، لكنه حالة تجعل الإنسان متململًا من وجوده وما يفعله، وكل من حوله وما حوله.

يظن الملول أنه لو غيّر المكان والوجوه والعمل سينجو من هذه الحالة التي تقتل الشغف وتخنق المتعة وتُميت الهمة وتذهب بإرادة الفعل، لكن ذلك لا يحدث، فأينما ذهب يحمل تحت جلده وفي أعماقه ووجدانه حالة فقدان الشهية، كل ما كان يرجوه ويتمناه ويستمتع بتذوقه يصبح في لحظة بلا طعم ولا قيمة، بل يتحول لعبث لا نفع منه.

قد يقضى أيامًا وليالي للقيام بعمل ما، ليخربه في لحظة ملل غير نادم على فعلته وغير مدرك لخسارته، ولذلك ينصحك الآخرون بالخروج والتسلية والترويح عن النفس ظنًا منهم أنها طرق فعالة لطرد الملل، لكنها تصبح أشبه بكلمات المشعوذين وأحجبتهم السحرية التي ينصحون بها ضحاياهم، ويأمرونهم بدسها تحت الأغطية والوسائد لجلب النعم وطرد النقم، فالتسلية تفيد وقتيًا، ولكنها لا تغيّر حالة الشعور بالملل، وتعود بعدها كما كنت وربما أسوء، فتصبح مصابًا بالملل مضاف إليه القرف من التواصل مع الناس والواقع.

(2) مع الملل يتساوى اليأس والأمل

للكاتب المصري أنيس منصور كتاب بعنوان “وداعًا أيها الملل” أقتبس فكرته ومقدمته من رواية الكاتب الإيطالي “ألبرتو مورافيا”، وهي بعنوان “السأم”، فكتب منصور: “الملول بأنه هو الذي ملّ الأمل واليأس، وهو قد ملّ كل شيء، فالواقع لا يعطينا.. لا يكفينا، ولذلك فنحن نملّه.. الملل هو الذي يجعل كل ما حولنا غريبًا… أو يجعلنا نحن غرباء في هذا العالم وغرباء عنه.

الشعور بالغرابة، والشعور بالغربة، والشعور بالاغتراب، هو بداية الملل.

يحس الإنسان كأن مرضًا أصاب الدنيا.. إنها بدأت تذوي وتجف وتتساقط… إن الملل هو إعلان خطير عن بداية الخريف والشتاء في عز الربيع. الملل مرض شديد العدوى.. هذا المرض الذي أصابني وانتقل إلى كل ما حولي هو الملل”.

أما “ألبرتو مورافيا” فلقد وصف السأم على لسان بطل روايته قائلًا: “السأم في نظري هو نوع من النقص أو عدم التلاؤم أو غياب حس الواقع. السأم يولد في الشعور بعبثية واقع ناقص، أي عاجز عن إقناعي بوجوده الفعلي”.

(3) الجميع يشعر بالملل

الملل حالة عامة نشعر بها جميعًا في وقت من الأوقات، وتختلف ردود الأفعال من شخص لآخر وكذلك تختلف مدته، فقد تطول عند البعض وقد تكون مجرد فترة عابر عند آخرين، وليس لها علاقة بتكرار الأفعال ورتابتها كما يظن البعض، يقول جيمس دانكيرت رئيس مختبر الملل بجامعة ووترلو بأونتاريو في كندا: “أعتقد أن جميع الناس يشعرون بالملل، لكن البعض لديهم قدرة مدهشة على التعامل معه”، وهذا حقيقي فهناك من يهرب من الملل بأفكار إبداعية وخيال جامح يثرى به الحياة من حوله، وهناك من يخرج منه بمحاولة القيام بمهام جسدية تستهلك طاقته وتزيح عنه ثقل الملل، وهناك من يلجأ إلى العبادة والتأمل الروحي لتحسين حالته والخروج من غربته والانفتاح والتواصل مع العالم من جديد، وهناك من يسقط في ثقب الملل الأسود ولا يستطيع أن يخرج منه وحده، وهنا تكون فائدة الأسرة والصداقات،  فيمكن أن يساعد الحب والثقة على كسر حالة الملل بالمشاركة، والتي تكون عدو الملل، الحب بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء يساهم كثيرًا في الخروج من متاهة الملل المراوغة”.

لا يجب أن يصاب الإنسان بالهلع حين يشعر بالملل، بل عليه أن يتعامل معه على أنه حالة عامة في عالمنا الحديث الذي يستدعي منا اللامبالاة وعدم الاكتراث حتى نستطيع أن نستكمل حياتنا بالملل، كل ما عليك حين تشعر أن الملل طالت صحبته لك أن تبدأ في كسره بفعل مغاير لما اعتدت عليه.. وكأنك تغامر.. وفي المغامرة النجاة.

 

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان