نضال المعارضة المصرية.. بين الساحل والسيدة

على مدى الأسبوع الماضي كان الساحل الشمالي ومسجد السيدة زينب هما الحديث الطاغي على الشارع المصري، وذلك بعد الكشف عن اجتماع -أثار جدلًا واسعًا- لعدد من قيادات القوى السياسية في إحدى قرى الساحل، بضيافة أحد رموز هذه القوى، تلاه مباشرة ظهور لافت، للمرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي في مسجد السيدة زينب، وسط القاهرة، في إطار جولاته الانتخابية التمهيدية للرئاسة، وهو الظهور الذي ترافق مع عملية احتكاك بأحد أفراد الأمن داخل المسجد، أبدى استياء من وجود طنطاوي، تداولته “السوشيال ميديا” بكثافة، فأوضحت وزارة الداخلية على الفور أنه فرد أمن إداري، لا ينتمي للوزارة.
من الطبيعي أن تلتقي القيادات الحزبية، أو قيادات المعارضة، أو القوى السياسية في مصر بين الحين والآخر، في مقر أحد الأحزاب، إلا أن الغريب هذه المرة هو اختيار الساحل الشمالي، على ساحل البحر المتوسط، مقرًا للقاء، وهو الموقع الصيفي لطبقة الأثرياء في مصر، من وجهة نظر الشارع، خصوصًا بعد أن أصبح المواطن يسمع عن حفلات للمطربين والمطربات هناك، تصل قيمة التذكرة بها إلى نحو 60 ألف جنيه، وزجاجة مياه يصل سعرها إلى 100 جنيه، وطبق فلافل يصل سعره إلى 400 جنيه، وما شابه ذلك.
الأمر الآخر، هو أن هذه القوى السياسية قد انتقدت وعابت على النظام الرسمي، بناء قصر رئاسي كبير، ومبنى فخم للحكومة هناك، وتحديدًا بمدينة العلمين، ليشكلا المقر الصيفي للنظام، وهو ما اعتبرته المعارضة رفاهية غير مبررة، في وجود أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وديون داخلية وخارجية تجاوزت 90% من الناتج القومي، وفي وجود عدد من القصور والمقار والاستراحات الرئاسية والحكومية في أنحاء البلاد، تفوق نظيرتها في معظم أو ربما كل دول العالم.
الممارسات نفسها
من هنا بدت قوى المعارضة المصرية، وكأنها تلاحق النظام الرسمي بالممارسات نفسها، التي لا تراعي مشاعر المواطنين أو انطباعاتهم عن مثل هذه السلوكيات، التي تشير بما لا يدع مجالًا للشك أن معارضة ونخبة هذه المرحلة لا تنتمي إلى عامة الشعب، من القرى والنجوع والمناطق الشعبية والعشوائية، ولا حتى الطبقة المتوسطة، التي ربما لا تعلم عن الساحل الشمالي إلا ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، من سلوكيات غير مألوفة، أو مشاجرات غريبة، أو حتى ما تحمله لافتات الشوارع من إعلانات لهذا المطرب أو تلك المطربة.
كان من الطبيعي إذن، أن تظهر بعض قوى المعارضة، كما أوضحت الصور المسربة “بالشورت” وأمامهم بعض من “التورتة” في تعبير آخر عن نوعية النخبة السياسية في مصر في هذه المرحلة، إلا أنهم لم يضعوا في الاعتبار أن صور اللقاء سوف يتم تداولها بهذه السرعة، بعد أن باغتتهم إحدى المشاركات بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما قال لي أحد المشاركين، الذي أوضح في الوقت نفسه، أن الأمن كان حاضرًا بوضوح خارج “الفيلا” التي استضافت اللقاء، بهدف المراقبة والمتابعة والرصد.
ولم يمض سوى يومين على واقعة الساحل، إلا وكان “فيديو” واقعة المرشح المفترض أحمد الطنطاوي، في مسجد السيدة زينب، قد انتشر بكثافة أيضًا، وهو المرشح الذي تنقسم حوله الاستطلاعات، ما بين كونه جادًا ينطلق من قرار شخصي كما يعلن دائمًا، وما بين كونه امتدادًا لصديقه ورفيق دربه الناصري، الذي خاض التجربة من قبل في صورة “كومبارس” باتفاقيات مسبقة مع النظام، خصوصًا أن النظام لا يحتمل مجرد تعليق مناهض لسياساته على (فيسبوك أو تويتر)، فكيف يسمح بمن يوجه انتقادات من داخل المساجد الكبرى، أو في الشارع، أو حتى في جلسات خاصة؟ بهدف مزاحمة رئيس النظام شخصيًا.
الدين والسياسة
المهم أن مجرد انطلاق جولات الطنطاوي الانتخابية المبكرة من المساجد كما هو واضح، يطرح أسئلة ذات مغزى عن مدى السماح في هذه المرحلة بتداخل الدين مع السياسة في مصر، وفي الوقت نفسه يطرح سؤالًا عن مدى مداعبة الناصريين للإسلاميين، أو حتى لرجل الشارع الطبيعي عن طريق الدين في هذه المرحلة أيضًا؟ إلا إذا كان الأمر يأتي في إطار مد الحبل على الغارب حتى آخر مدى، والغريب هو أن القوى السياسية تتجاهل هذا الأمر ولو مؤقتًا، على الرغم من أنه لا يروق لمعظمها.
في الأحوال كلها لن يكون بمقدور أحد، حكومة أو معارضة، تنحية الدين من حياة المصريين، أو من الصراع السياسي تحديدًا، حتى في غياب جماعة الإخوان المسلمين، ذلك أن محاولات خلط الدين بالجماعة للنيل من الدين خلال السنوات القليلة الماضية قد باءت بالفشل، وقوبلت باستياء شعبي بالغ، ارتفعت معه شعبية شيخ الأزهر، ومؤسسة الأزهر، وهيئة كبار العلماء، بعد تصديهم بشكل خاص للمشروع المعروف بالطلاق الشفهي.
على أية حال، تبقى عملية مواءمة القوى السياسية بين الساحل الشمالي والمساجد، حالة مصرية بامتياز، خاصة أن طنطاوي كان مشاركًا أيضًا في اجتماع الساحل، وتحدثت اللجان الإلكترونية للنظام الرسمي، عن إعلانه خلال الاجتماع أنه لم يأت لمناقشة موضوع الترشح من عدمه، ذلك أن الأمر محسوم بالترشح، وهو ما يشير إلى إنه لا يعول على المعارضة أو القوى السياسية في الانتخابات المزمعة، بقدر ما يعول على الشارع، أو ربما على الطرق الصوفية، ومن بينها جمهور السيدة زينب، ومن قبل جمهور سيدي إبراهيم الدسوقي، ومن قبل جماهير سيدنا الحسين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، ليطرح السؤال نفسه: “هي مصر رايحة فين”؟!
