لماذا نخطط لحياتنا الدنيا فقط وننسى الآخرة؟!

التخطيط لحياتنا واجب وضرورة، ويجب أن نبدع في هذا التخطيط، فنستخدم عقولنا وكل إمكانياتنا ومصادر قوتنا، ونعمل للتغلب على أسباب ضعفنا، ونكتشف الفرص التي يمكن أن تتيحها لنا التغيرات العالمية، ونواجه التهديدات التي تفرضها عملية التغيير.

فبالتخطيط المستمر الذي يستخدم الدراسات العلمية تمكنت الكثير من الدول من النهوض، وتحقيق القوة والثراء والمكانة الدولية، ومن يريد أن يحقق أهدافه يجب أن يحددها بوضوح، ويستخدم الدراسات العلمية التي توضح كيف يحققها، فبدون العلم لا يمكن بناء المستقبل.

وقد يحقق الجاهل بعض أهدافه في السيطرة على الناس زمنا، لكن سقوطه يكون حتميا، ومصحوبا بالهزائم والكوارث والدمار.

ولكن كيف نخطط؟!

عندما نخطط يجب أن ندرس التاريخ بعمق، فالتجارب الإنسانية تضيء الطريق للدول والأفراد، وتوضح لنا أسباب فشل الكثير من الخطط، وسقوط الدول الظالمة مهما بلغت قوتها بالرغم من أنها استخدمت العقول التي أبدعت في التخطيط.

هل تريدون أمثلة؟! حسنا.. كانت بريطانيا العظمى إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وكانت تستعمر الولايات المتحدة الأمريكية، فانظروا كيف أصبح حالها.

كيف بُنِيت الحضارة الإسلامية؟!

لكي نخطط لمستقبلنا يجب أن نتعلم من تاريخنا، ونبحث عن إجابة متعمقة لسؤال مهم هو: كيف تمكن 120 ألفا من المؤمنين من أن يحرروا البشرية من ظلم الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وأن يبنوا أعظم حضارة عرفها التاريخ، وأن يكسبوا عقول الناس وقلوبهم وحبهم بعدلهم، وبما قدموا للبشرية من معرفة أضاءت حياتهم، وجعلت لهذه الحياة معنى وأهمية وقيمة.

هل كان هؤلاء يستخدمون العلم في التخطيط؟! بالتأكيد. كانوا ينتجون الأفكار الجديدة التي لم يتوقعها الأعداء، ويفتحون المجال لكل صاحب رأي وموهبة وعلم وخبرة ليساهم في تطوير الخطط، وعندما فتحوا البلاد أقاموا فيها مجتمعات معرفية تقوم على المدارس والجامعات، وتطوير صناعة الورق والنسخ لنشر العلم والمعرفة.

وهذا يعني أن العلم احتل مكانته المهمة في هذه الحضارة الإسلامية، وساهم في زيادة قوتها وتحقيق مجدها، وبناء مكانتها العالمية.

لكن الإيمان قبل العلم

لكن ما يميز هؤلاء السادة العظماء الذين أعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتغيير العالم برسالة الإسلام، أنهم استخدموا إيمانهم مصدرًا للقوة، وفي الوقت نفسه كانوا يستخدمون عقولهم في التخطيط لتحقيق النصر والمجد والعزة وبناء الحضارة.

الإيمان الذي ملأ قلوبهم أضاء وجوههم، وشحذ هممهم، وجعل عقولهم تعمل بكل طاقتها للتخطيط، واستخدام كل مصادر قوتهم للتغلب على التحديات.

لو راجعنا تاريخنا -الذي دفعونا قهرا إلى نسيانه- لاكتشفنا أن كل واحد منهم استخدم عقله وقوته، بعد أن ربط عقله بإيمانه برسالته، فخطط عبادة لله سبحانه وتعالى، وقدم أفكاره إلى قيادته، ثم اجتهد في تنفيذ الخطة، وأعد نفسه لتولي مسؤولية القيادة عندما يأتي الموقف الذي يفرض عليه أن يتقدم إليها.

كان هؤلاء مقاتلين أشداء، وأصحاب عقول يخططون لبناء حضارة جديدة، لكنهم أقوياء الإيمان بربهم وبرسالتهم، تتعلق قلوبهم بالله القوي، وفي الوقت الذي يخططون فيه بعقولهم يؤمنون بأن النصر بيد الله سبحانه وتعالى.

الإيمان أهم مصادر القوة

هذا الإيمان هو أهم مصادر القوة التي غفل عنها المخططون في العصر الحديث، فانتكست الدول وانهارت رغم قوتها المادية، وتعرض الكثير من الأفراد لانهيار ثرواتهم وشركاتهم وفقدوا سلطتهم بالرغم من أن خططهم أبدعت في بنائها عقول استراتيجية.

والإيمان بالآخرة من أهم أركان الإيمان، فقلب المؤمن يظل دائما متعلقا برضا الله تعالى ودخول الجنة، في الوقت الذي يستخدم فيه عقله، فيبتكر ويخطط وينتج أفكارا جديدة.

هذا الإيمان بالآخرة يجعل المسلم وهو يخطط يعتمد على استخدام وسائل عظيمة تتفق مع إيمانه، وهذا يفسر أساليب الفاتحين المسلمين في المحافظة على حياة الناس وكرامتهم، وتحريم القتل بغير حق؛ فكان الذين تم قتلهم من الأعداء المحاربين خلال كل المعارك التي خاضها المسلمون طوال مئة سنة لا يتعدى بضعة آلاف.

الإيمان بالآخرة يضيء الطريق

الإيمان بالآخرة يجعل لحياتك معنى، فأنت فائز ولو تعرضت لهزيمة أو ابتلاء في نفسك أو مالك، فالحياة الدنيا ليست الغاية، وكل متاعها قليل، وسوف تنتهي بالموت حتما، ويمكن أن يصبح الموت أمنية إذا ما كبر الإنسان فأصاب الضعف جسده، وأصبح عبئًا على من حوله، ولم يعد قادرا على القيام بنفسه.

لكن المسلم يؤمن ويعتقد أن بعد الموت بعثا ونشورا وحسابا، وأنه سيقف أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبه على كل ما فعل في حياته الدنيا، والامتحان عسير؛ فنتيجته إما الجنة، وفيها من النعيم ما لا يستطيع خيال أن يصل إليه.. إنها جائزة المؤمن الكبرى، وفوزه وانتصاره، وهو لا يحقق السعادة إلا مع أول خطوة له داخلها، ونعيمها دائم، ففيها الخلود في ظل عرش الرحمن.

وإما النار، نعوذ بالله منها، يدخلها الكفار الذين بالغوا في استخدام عقولهم، فماتت قلوبهم وضمائرهم وأرواحهم فغرتهم قوتهم، واستبدوا وطغوا وظلموا.

لذلك هيّا نخطط لحياتنا، لكن يجب أن تتعلق قلوبنا دائما بقوة الله ورحمته، ونعمل لإرضائه فهو غاية الحياة، وأعظم هدف يحققه المؤمن، ونلتزم في تخطيطنا بمبادئ الإسلام.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان