أزمة الشباب وأنظمة تسير وراء نموذج الصين عميانا!

قررت السلطات الصينية الامتناع عن نشر معدلات البطالة بين الشباب خلال الفترة المقبلة. جاء قرار المكتب الوطني للإحصاء مفاجئا للمواطنين، والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (أونكتاد)، اللذين توافقا مع الدولة سلفًا على النشر الشهري لمعدل البطالة منذ عام 2018، لرغبتها في المواءمة مع المعايير الدولية.
علق 140 مليون شخص بموقع “ويبو” المناظر لــ” فيسبوك” على القرار بأن الحكومة تحاول إخفاء المعلومات السلبية عن معدلات البطالة، بعد أن شهد الاقتصاد تراجعا بالنمو وقيمة العملة المحلية (اليوان) وخسائر مالية فادحة مع إفلاس أكبر شركات قطاع العقار الذي يشارك بـ 25٪ من الناتج القومي، مما أغرق البلاد في انكماش عميق، وفاقم أزمة ثقة المواطنين والمستثمرين بقدرة النظام على إدارة الأزمات الكبرى بشفافية.
اتهم الشباب الحكومة بأنها تسير في اتجاه معاكس لنهضة اقتصادية استمرت 4 عقود، وأعربوا عن قلقهم من إصرار الحكومة على التعمية على الناس، والتحكم بتدفق المعلومات حول قضية لا تحتاج الأسر إلى بيانات رسمية حولها، لأن الألم من آثارها واضح بكل بيت.
عاطل رغم أنفه
تزايدت البطالة بين الشباب، بمعدلات كبيرة، على مدار السنوات الثلاثة الماضية، فبلغت 21.3٪ يونيو 2023، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء. أظهرت مؤشرات الأعمال لشهر يوليو الماضي أن البطالة ستواصل ارتفاعاتها بتوتيره حادة أغسطس الجاري، ولفترات طويلة.
دفع تزايد البطالة بين خريجي الجامعات وتراكم أعداد العاطلين، من أصحاب المهن والخبرات الرفيعة منذ عام 2020، واعتبار الحكومة أن من يعمل لمدة ساعة في الأسبوع موظفا، إلى إجراء دراسة الخبراء لظاهرة البطالة المتصاعدة لمعرفة معدل البطالة الحقيقي. فقد أجرت الدكتورة تشانغ داندان Zhang Dandan أستاذة الاقتصاد المشارك بجامعة بيجين، دراسة أثبتت أن معدل البطالة الحقيقي بلغ 46.5٪ يونيو الماضي، أي ضعف ما تعلنه السلطات رسميا.
نشرت الخبيرة الدارسة، بموقع “كايكسين” Caixin – أحد المنافذ الإخبارية – معتمدة على رصد عدد الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 16-24 عاما، المقدرة بــ 96 مليون نسمة. بينت الدراسة أن هذه الفئة تضم 48 مليون طالب، و16 مليون آخرين ينتظرون دورهم بالعمل، رغم حصولهم على مؤهلات علمية مختلفة. أثبتت الدراسة أن تزايد معدلات البطالة عام 2023، سببه وجود اختلالات هيكلية طويلة الأجل بإدارة اقتصاد الدولة، وزيادة عدد الخريجين عن الطلب على التوظيف، متوقعة استمرار ارتفاع البطالة، بما يتطلب توعية الشباب بفرص العمل المتاحة، وإقناعهم بقبول بدائل وظيفية ومرتبات أقل، بدلا من انتظار التعيين بالجهات الحكومية، مع اهتمام الدولة بتسريع الإنعاش الاقتصادي، قبل أن تتحول البطالة إلى كارثة قومية.
بيانات مضللة
تحولت الدارسة إلى نقطة نقاش ساخن الأسابيع الماضية، التقطتها وسائل الإعلام الدولية مطلع أغسطس، فأزالتها السلطات من الإنترنت، وحجبت التعليقات حولها. أصدر مكتب الإحصاء منذ أيام بيانا أعلن فيه أن حظره لنشر بيانات البطالة بين الشباب لحاجته إلى إعادة تقييم منهجية الرصد، حتى لا يحسب في عداد العاطلين سوى الباحثين بجدية ودأب عن العمل، لمن هم في سن 16 – 24 عاما.
تسعى السلطة إلى إزالة عشرات الملايين من قائمة العاطلين، رغم أن معايير البنك الدولي، تضع كل من بلغ 15 عاما في سن العمل، سواء طلب العمل كل الوقت أو بجزء منه أو لم يطلب على الإطلاق. تعكس مخاوف السلطة قضية أصبحت أكثر إلحاحا بثاني أكبر اقتصاد عالمي، بدأ يفقد قدرته على النمو والصعود إلى قمة خطط لاحتلالها لها منذ سنوات، ليتربع عليها بحلول 2035.
الشباب يريد تحقيق أحلامه، بينما تتنامى فجوة كبيرة في توزيع الثروات والوظائف، تعزز السخط بينهم، وتثير الاستياء بين الأسر التي تبحث عن أمل يخرج البلاد من التباطؤ الاقتصادي الذي دخلته، منذ انتشار كوفيد -19، وجاءت الدراسة حول عدم مصداقية البيانات الحكومية لتسكب النار على البنزين.
شباب القنابل الموقوتة
يدرك النظام أن بطالة الشباب هي أكثر الحاحا من قضية شيخوخة الأمة، التي سيصبح 400 مليون نسمة منها، فوق سن الستين 2035. يدعو الرئيس شي جينبينغ الشباب إلى خلع “الياقات البيضاء، وأن يشمروا عن سواعدهم، ليعملوا بكد في المناطق الريفية والنائية”، وقبول وظائف متدنية. يستخدم ” شي” كلمات حماسية ليحفز الشباب على الخروج من المدن الغنية المزدحمة بالعاطلين. تثير كلمات الرئيس سخرية بين مواطنين يرون الفوارق الطبقية التي صنعتها سياسيات الحزب الشيوعي، بقيادته لنموذج رأسمالي متوحش بعقلية ماركسية، يضم أكبر نخبة من أغنى الأثرياء بالعالم، بينما يدعو الشباب إلى التقشف وابتلاع كبريائهم. يرى الشباب صعوبة حياتهم بعد أعوام من الدراسة الشاقة، بالعمل في وظائف لن تساعدهم في الوصول يوما إلى حياة كريمة، وتكوين ثروة تمكنهم من الزواج والمشاركة في تقليص أزمة الشيخوخة التي حلت بالأمة مبكرا.
إنهم يرفضون النصيحة!
يعتقد خبراء أن السبب الحقيقي وراء إصدار السلطات بيانات اقتصادية أقل منذ سنوات واقع أقل إيجابية، وبدلا من إصدار معلومات من شأنها أن تنعكس بشكل سيء على الحزب والنظام، فإن الحكومة تبقي المزيد من المعلومات طي الكتمان، باعتبار ذلك ” تكتيك شائع في الأنظمة الاستبدادية”، التي تهيمن على مقدرات الشعوب، وتلغى إرادة الفرد، وتتجاهل آراء الناصحين والعلماء.
حاولت الصين الشيوعية أن تصدر نموذجا اقتصاديا، تفترض أنه بديل قابل للتطبيق عالميا. وظف الحزب الشيوعي قدراته المالية الطاغية، في دفع دول عربية وغيرها إلى الارتباط به عبر شراكة إقليمية ودولية، من أهمها مسار “طريق الحرير البحري والبري”، يضم أكثر من 100 دولة. حولت الصين مسارها من انفتاح على الآخر يجعلها أكثر ثراءً إلى نظام قومي يضطهد القوميات المتعايشة تحت سقفه، ويصدر نموذجا قمعيا، يتلاعب بالبيانات ويحجب المعلومات ويمنع الرأي الآخر، وإن صب بمصلحة الدولة.
يتماهى بعض العرب والعجم مع النموذج الصيني، رغم كونه يمثل جرس إنذار للعالم النامي والمتعطشين للقروض المسمومة. يريد الحزب الشيوعي أن يسير الناس وراءه عميانا، مثلما يحدث هنا وهناك، رغم أن ابتعاده عن الشفافية أوقعه بأزمة دفعت مليارديراته إلى شراء عقارات بالخارج، وتهريب أموالهم إلى دول غربية، لما يرونه من أزمات، وانخفاض بالاستثمار الأجنبي بلغ 89٪ يونيو الماضي، وارتفاع متصاعد بمعدلات البطالة، التي يعتبرونها علامة سيئة تواجه أي نظام استبدادي.
