انقلاب النيجر.. تحرر من الهيمنة الفرنسية أم صراع جنرالات على السلطة؟!

قادة الانقلاب العسكري في النيجر

 

تهيمن فرنسا على الدول التي تتحدث الفرنسية في القارة الإفريقية، ومنها النيجرصاحبة آخر انقلابات الجنرالات، بالإضافة إلى بنين، وبوركينا فاسو، غينيا، ساحل العاج، مالي، السنغال وتوغو.. وما انقلاب النيجر إلا خطوة جديدة ضد رغبات الهيمنة الفرنسية في القارة الإفريقية.

يحتجز الانقلابيون الرئيس محمد بازوم الموالي لفرنسا في القصر الجمهوري وسط مخاوف دولية من محاكمته بتهمة الخيانة كما أفاد بيان بيان جنرالات الانقلاب،  فيما تبدو فرنسا حليف النيجر عاجزة عن فعل أي شيء لإعادة الرئيس السابق إلى الحكم.

هل ترحل فرنسا عن إفريقيا؟

تفقد فرنسا هيمنتها تباعا على الدول الإفريقية التابعة لها، فيما يفسره مراقبون بأنه تهاون وضعف عام لها في القارة. ويأتي انقلاب النيجر ضد الرغبة الفرنسية التي دعمت الرئيس محمد بازوم المطاح به للاستمرار رئيسا، وفيما يبدو أن سياسة الاتفاقات التي وضعتها فرنسا لنفسها منذ عهود الاستعمار إلى زوال، فالاتفاقات العسكرية التي أبرمتها مع الدول الإفريقية والتي استغلتها للتدخل العسكري من أجل مناصرة وإبقاء حكام موالين لها ومرفوضين شعبيا أمر طالما أزعج الشعوب الإفريقية.

لم تكن فرنسا أبدا عادلة في مساندة حكام يحكمون للهوى الوطني ولكن وفقا للهوى الفرنسي، وهذا ما ظهر جليا في انقلاب النيجر عندما خرجت مظاهرات تعبر عن الفرحة نكاية في فرنسا التي رفضت الانقلاب ودعت إلى عودة الرئيس بازوم للحكم.

عبد الله مايجا رئيس وزراء مالي التي ترفض مع الجزائر وبوركينا فاسو التدخل العسكري لفض الانقلاب وإعادة بازوم للحكم يقول: إن سياسة فرنسا تجاه بلاده سياسة استعمارية متعالية، ونفس الانتقادات جاءت من بوركينا فاسو، أما قادة الانقلاب فإنهم وصفوا الرئيس المطاح به بالدمية في يد الفرنسيين.

مجموعة الإيكواس وقرار المواجهة العسكرية

وفيما يراوح الشد والجذب مكانه في أمر التدخل الذي أقرته دول الإيكواس لإعادة الرئيس بازوم فإن الأمر ليس بهذه البساطة كما كان من قبل، وقت أن كانت أغلب الانقلابات التي تحدث في دول جنوب الصحراء تحدث بسبب التدخلات الفرنسية!

هذه السياسة الفرنسية الأنانية هي المتبعة في القارة الإفريقية، وهي التى أدت إلى هذا التخبط الكبير في القارة، وساهمت في بناء أنظمة حكم ديمقراطية، وساندت أنظمة حكم وسلطات حكام فاسدين مثل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، ورئيس بوركينا فاسو السابق يليزكز مباوري.

كان من الطبيعي أن يؤدي إهمال الشعوب والتغاضي عن إثراء وفساد أنظمة الحكم الفاسدة تلك إلى مشاكل عديدة في إفريقيا، فقد ساهم ذلك بشكل مباشر في موجات الهجرة تجاه القارة الأوربية عبر المتوسط، وبات أكبر مقبرة في التاريخ للباحثين عن بصيص أمل في حياة أفضل لهم من بلادهم التي ولدوا وترعرعوا فيها.

انقلاب من أجل المحافظة علي مصالح الجنرالات

لا يبرر وقوع انقلاب النيجر أنه جاء من أجل مصالح البلاد بل شهية العسكر في حكم البلاد للمحافظة علي مصالحهم ومكتسباتهم. وكان واضحا ذلك الخلاف بين مؤسسة الرئاسة والجيش، فالرئيس بازوم كان ينوي إجراء إصلاحات في القيادة العليا في الجيش يتم بمقتضاها الإطاحة بقائد الانقلاب العميد عبد الرحمن تياني من منصبه، لهذا بادر تياني بالإطاحة بالرئيس، وكدأب الجنرالات المنقلبين لا يهمهم العلاقة مع فرنسا قدر اهتمامهم بمكاسبهم لذلك، وكما يبدو فهم مستعدون لاستبدال علاقتهم بمن يساندهم، لهذا دار اللغط حول علاقة الانقلابين بمليشيات فاجنر الروسية، بل هناك قادة أفريقيون في الوقت الحالي على خلاف مع فرنسا يغازلون الكرملين مستغلين تلك الأزمة الكبيرة بين الغرب وروسيا من أجل مكاسب تأتي عن طريق مساعدات روسية تساعدهم في الحفاظ على كرسي الحكم ويبتعدون بذلك عن عنصر خطر الإبعاد الفرنسي.

لا توجد في الوقع دلائل حول تورط روسي في انقلاب النيجر، لكن المظاهرات التي حمل فيها المتظاهرون الاعلام الروسية أثارت حفيظة الغرب، وبات التساؤل ملحا حول الدور الروسي من عدمه!

مأساة النيجر المتكررة

مأساة النيجر أنها من الدول الفرانكوفونية التي تنشر فيها فرنسا قوات مسلحة تصل إلى 1500 عسكري لدعم القوات المسلحة النيجرية في التصدي للمجموعات الجهادية. وقفت هذه القوات تراقب الانقلابين دون الدخول في مواجهة مسلحة لآن دورها هو دعم الجيش في أهداف محددة تراعي المصالح الفرنسية.

تتجسد المأساة الأفريقية كلها في مثال دولة النيجر، فهي دولة من أفقر دول العالم، ترتيبها السابع بين أفقر دول القارة رغم تمتعها بثروات هائلة في مقدمتها اليورانيوم، فهي سادس أكبر احتياطي في العالم، وبها مناجم الدهب، وأوروبا المستفيد الأول بالطبع، وبلغت صادرتها سنة 2021 أكثر من 2.7 مليار دولار، هذا فضلا عن تمتعها بخامات مثل الحديد والقصدير والفوسفات. أكثر من 80% من سكانها يعتمدون على الزراعة، وبها ثروة زراعية جيدة وصناعيةـ فكيف بعد كل ذلك تصنف من أفقر دول العالم؟!! إنه الفساد والنهب الأوروبي وعدم إتاحة الفرصة لحياة ديمقراطية تساعد في النمو والتطور.

وهنا يبرز السؤال الطبيعي هل هناك مبرر لهذا الفقر مع تلك الثروات؟! ولماذا يرزح سكانها البالغون 25 مليونا تحت خط الفقر منهم 10 ملايين يعانون الفقر المدقع؟!
والإجابة معروفة منذ عهود الاستعمار الأول الذي نهب ثروات القارة بالإضافة إلى المنقلبين الفاسدين الذين دمروا أوطانهم وفتحوا أبوابها للمستعمرين الجدد تحت أشكال وأنماط مختلفة. إنه ولا شك الفساد والمستعمر الجديد، الذي ما زال ينشط في نهب ثروات القارة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان