الديمقراطية على الطريقة الغربية إلى أين؟

 

الديمقراطية هي الحل، والديمقراطية هي الغاية، والديمقراطية هي الوسيلة، عبارات وشعارات لطالما ترددت على مدار عقود، ونادى بها مثقفون، وصارت حلما ينافحون عنه ويخوضون لأجله معارك، وهتفت بها ولأجلها جماهير، ويردد كثيرون أنها السبيل الوحيد لتحقيق العدل والمساواة والتنمية والاستقرار، بل يرددها ويتحدث عنها طغاة ومستبدون ومنقلبون، ويرون العودة إليها هي السبيل، رغم أنهم أطاحوا بها وبإرادة الجماهير التي اختارت من يمثلها وفقا لآليات الديمقراطية.

ومن المفارقات أن ينادي بالديمقراطية عسكري منقلب عليها، وعلى رئيس مدني منتخب، حيث اقترح قائد الانقلاب العسكري الأخير في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم بانقلاب في 26 يوليو/تموز 2023، العودة إلى الديمقراطية في غضون ثلاث سنوات، وذلك في كلمة متلفزة ألقاها في 19 أغسطس/آب الجاري.

هل الديمقراطية هي الحل؟

سؤال يطرح نفسه، وهو: هل الديمقراطية هي الحل لمشاكل الشعوب- خاصة في العالم الثالث- وما تعانيه من فقر وظلم وتراجع وتخلف؟

هناك من ينظر للديمقراطية على أنها غاية، ويحصرها في جانب الحريات العامة؛ مثل حرية التعبير والتجمع وحرية الانتماء السياسي وسيادة القانون، لكن الديمقراطية أوسع من ذلك، فهي سيلة هدفها الحقوق الاجتماعية الأساسية؛ من عيش كريم إلى الحق في العمل والتعليم والعلاج وخلافه، ليتحقق مع حرية التعبير مقومات الحياة من مأكل ومشرب وعلاج وعمل.

من المفارقات أن هناك من يرى أن الديمقراطية ليست الطريق الأمثل، كما أنها ليست بالضرورة حلا ناجعا لمشكلات الدول والشعوب، بل يقول هؤلاء إن الديمقراطية كانت معطلة لمسيرة بعض الدول، ويستشهدون ببعض التجارب في العالم الثالث، التي تنكبت خطاها وهي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، وبالطبع هذا قياس في غير محله، وأمر لا يمكن بناء قاعدة عامة عليه للحكم على الديمقراطية كأداة تُعد الوسيلة الأمثل التي وصلت إليها البشرية في عصرنا لتختار الشعوب بنفسها من يمثلها.

وعلى جانب آخر، هناك فريق يرى أن الديمقراطية على الطريقة الغربية ليست هي الطريق الوحيد لتحقيق التقدم والتنمية والرخاء والاستقرار للشعوب، ويدعم أصحاب هذا الرأي منطقهم بالاستشهاد بالنموذج الصيني في تحقيق التنمية والتقدم، والاستقرار، حيث حققت الصين طفرة اقتصادية، وفي جميع المجالات الأخرى، وأصبحت تنافس أمريكا على زعامة العالم، دون الاعتماد على الديمقراطية بنموذجها الغربي.

تساؤلات حول الديمقراطية الأمريكية والغربية!

تُعرف الديمقراطية -حسب أبراهام لنكولن- بأنها حكومة الشعب من قبل الشعب ومن أجل الشعب، وانطلاقا من هذا التعريف يتساءل عن الديمقراطية بنموذجها الغربي الرأسمالي والأمريكي تحديدا وهل تعبر حقيقة عن إرادة الشعب؟

في الوقت الذي تروج فيه الولايات المتحدة للديمقراطية وفقا للنموذج الغربي، هناك في الغرب من ينتقد ما وصلت إليه الديمقراطية الغربية ويقول إنها أصبحت أكذوبةٌ من الأكاذيب؟!

من أصحاب هذا الرأي الكاتب الأمريكي الراحل “ويليام غرايدر”، الذي كان له وقفة مع الديمقراطية الأمريكية، في كتابه الشهير “من الذي سيبلغ الناس”، حيث يكشف عن المشكلات العميقة التي تعاني منها الديمقراطية الأمريكية والوجه الزائف الذي يخفي وراءه تحطيمه للديمقراطية، حيث تحكم القلة بعد أن سحبت سلطة اتخاذ القرار من أيدي الكثرة، على حسب تعبيره.

في الولايات المتحدة تسيطر نخبة لا تتجاوز 1% من السكان على ثالوث المال والإعلام وتسويق السياسيين والتشريعات، مما يمكنها من السيطرة على الولايات المتحدة وبالتالي التحكم في العالم.

لذلك هناك من يرى أن الديمقراطية في أمريكا والغرب أصبحت مجرد آلية شكلية لتبرير حكم أقلية تسيطر على المال والإعلام والتسويق، وهي بذلك تمثل ديكتاتورية ناعمة تحكم الشعب باسم الشعب، وبناء على انتخابات حرة نزيهة، ولكن الشعب لا يملك السلطة بين يديه.

في الغرب المال يتحكم في الديمقراطية

المال بات يتحكم في الديمقراطية الغربية، حتى أن البعض يردد أن الديمقراطية الأمريكية والغربية عموما باتت خاتما في أصبع من يملكون الثروة، ويسيطرون على الإعلام، وأن ما يُقالُ عن النزاهة والشفافية التي تتمتع بها النظم الديمقراطية هو أمر نسبي وليس مطلقا، ويخضع لتجاذبات المصالح التي تتحكم فعليا في مسار الديمقراطيات الغربية.

في كتابه ” أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها”، يكشف الصحفي   الأمريكي “جريج بالاست” فضائح كارثية في الممارسات الديمقراطية الأمريكية الغربية، حيث يقول، إن أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها، ويستشهد بالعديد من الوقائع.

في أمريكا وأوروبا، بات الأثرياء هم من يحكمون ويخوضون غمار السياسة ويصلون للبرلمان، وفي بريطانيا مثلٌ يقول “لا ضريبة بدون تمثيل” أي أن دافعي الضرائب يلحون في أن يكون لهم تمثيل في البرلمان ويسيطروا على مراكز اتخاذ القرار.

وعن هيمنة المال على الديمقراطية في أمريكا، يقول المفكر الأمريكي نعوم شومسكي: “إن الشركات الضخمة والبنوك الكبرى هي من يحكم أمريكا، والوضع القائم الآن لا يمت بصلة للمُثل التي قامت عليها الثورة الأمريكية”.

قديما قال ونستون تشرشل “إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم – باستثناء كل الاشكال الأخرى التي تم تجربتها”. كان تشرشل بدون شك متشائما بعد ما صوت البريطانيون لغير صالحه، وخروجه من منصب رئاسة الوزراء في غضون أشهر رغم ما حققه في الحرب العالمية الثانية.

ختاما

يعاني النموذج الغربي للديمقراطية تراجعا وتدهورا في السمعة منذ أكثر من عقدين لأسباب عديدة، منها تحكم القلة في الكثرة، والممارسات السيئة على الأرض، والحروب التي شنتها، وهذا وجه من وجوه الاستبداد، دفع كثيرين في الغرب لانتقاد هذا التراجع عن الديمقراطية.

لا شك أن بدائل الديمقراطية هي الأسوأ، فالقمع والاستبداد، وسيادة قلة قليلة على البقية، فرض الاستقرار بالخوف لا يمكن أن يكون أفضل وسيلة لتحقيق الأمن والرخاء الذي يحقق حياة أفضل للناس.

كثيرون يدعون وصلا بالديمقراطية ولكن الديمقراطية لا تٌقر لهم وصالا.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان