فضيحة مصرفية

 

رغم قيام أحد البنوك الخاصة بمصر منذ سنوات بنشر قوائمه المالية الفصلية بعد انتهاء الفترة بعشرة أيام، وإلزام البورصة للبنوك المقيدة بها بنشر قوائمها المالية الفصلية خلال ستة أسابيع من انتهاء الفترة، فقد تأخر نشر البنك الأهلي المصري وبنك مصر، وهما يعدان أكبر بنكين حكوميين بالبلاد، قوائمها المالية عن العام الماضي حتى أمس، أي بعد ثمانية أشهر من انتهاء الفترة، بينما كان البنكان قبل دخول الحاسب الآلي يلتزمان بنشر قوائمهما المالية بعد ستة أشهر من انتهاء العام المالي.

وبالطبع سيقول المتابعون لأداء البنوك المصرية أن فترة الأشهر الثمانية كفاصل زمني للنشر، أفضل كثيرا من حال باقي البنوك الحكومية التي لم تنشر قوائمها المالية منذ سنوات طويلة، كالبنك العقاري المصري العربي، والبنك الزراعي، وبنك التنمية الصناعية، والمصرف المتحد المملوك للبنك المركزي.

وكالعادة تبارى البنكان الأهلي ومصر في الإعلان بوسائل الإعلام عن النصيب الكبير لهما من السوق المصرفية المصرية، وعن النمو الكبير الذي حدث في نشاطهما خلال العام الماضي، فالبنكان يستحوذان على 58% من مجموع أصول كل البنوك السبعة والثلاثين العاملة بالبلاد، كما استقطبا أيضا نسبة 58% من إجمالي ودائع البنوك، وقدما 57.5 % من مجمل القروض التي منحتها البنوك.

 سعرا الصرف والفائدة وراء النمو

وهو أمر له أسبابه التاريخية إذ نشأ البنك الأهلي عام 1898، ثم أسس طلعت حرب بنك مصر عام 1920، ومع تأميم البنوك في الستينيات من القرن الماضي أصبح بنكا الحكومة، بحيث اتجهت الجهات الحكومية من وزارات ومؤسسات وهيئات ومحافظات الي التعامل معهما فقط، وبالتالي اتسع مجال انتشار فروعهما بالمحافظات، حتى أصبح عدد فروع بنك مصر بالداخل حاليا 799 فرعا ووحدة مصرفية، بخلاف ستة مكاتب تمثيل بالخارج وستة فروع خارجية ليحتل المركز الثاني بعدد الفروع بعد البنك الزراعي الذي اقتضت طبيعة نشاطه افتتاح فروع له بالقرى.

وجاء البنك الأهلي بالمركز الثالث بعدد 634 فرعا ووحدة مصرفية بالداخل، بخلاف ثلاثة مكاتب تمثيل بالخارج وفرعين خارجيين، وفي إطار توجه أكثر الأنشطة الحكومية للتعامل مع البنك الأهلي بتوجيهات حكومية تاريخيا، أصبحت له الصدارة في الحجم، من حيث الأصول والودائع والقروض.

ومع السماح بعمل البنوك الخاصة في السبعينيات من القرن الماضي، ظلت الجهات الحكومية تفضل التعامل مع البنكين الحكوميين، ونفس التوجه من جانب عدد كبير من الجمهور، بمبرر أنها بنوك مضمونة من الحكومة، لكنه بمرور الوقت واتساع نشاط البنوك الخاصة وسهولة إجراءاتها مقارنة بالبنوك الحكومية، أخذت البنوك الخاصة تسحب البساط تدريجيا من تحت أرجل البنوك الحكومية، وتزيد من حصتها بالسوق المصرفية على حساب حصة البنوك الحكومية.

أما مباهاة البنكين الحكوميين بتحقيق نسب نمو عالية بالعام الماضي مقارنة بالعام السابق، بلغت بالبنك الأهلي 35% نموا بالودائع و36 % بالأصول و47% بالقروض، وببنك مصر 41% نموا بالودائع و40% بالأصول و16% بالقروض، فالسبب الرئيسي في ذلك هو تغير سعر الصرف وارتفاع معدل الفائدة خلال العام الماضي، حيث زاد سعر الصرف للدولار بنسبة  57%، وهكذا فإن قيمة أرصدة القروض بالعملات الأجنبية ستزيد بتلك النسبة عند تقويمها بالجنيه المصري، ونفس الأمر في قيمة الاستثمارات بعملات أجنبية، ومن هنا تزيد أصول البنوك بمعدلات مرتفعة، ونفس الأثر مع وجود ودائع بعملات أجنبية بها.

                    تدني الترتيب بمؤشرات الربحية

أما فيما يخص أثر سعر الفائدة، فقد رفع البنك المركزي سعر الفائدة أربع مرات بالعام الماضي بمجموع 8%، والنتيجة أن معدل نمو كل من القروض والأصول والودائع قد زادت، بأكثر من 30% كمتوسط لإجمالي البنوك السبعة والثلاثين.

وهكذا فقد نمت مؤشرات أداء البنوك بسبب تغير سعري الصرف والفائدة، ليبقي العامل الرئيسي لقياس الأداء فيما بين البنوك وهو الربحية، وليس إجمالي الربح، حيث يوجد مؤشران أولهما العائد على الأصول أي بقسمة الربح إلى مجمل الأصول، والمؤشر الثاني هو العائد علي حقوق المساهمين بقسمة الربح علي حقوق المساهمين.

وهنا تأتي المفاجأة والتي ربما يسميها البعض فضيحة، فرغم أن البنك الأهلي تباهى بتحقيق ربح بلغ 34.650 مليار جنيه كأكبر رقم للربح بين البنوك، في حين بلغت أرباح بنك مصر حوالي 25 مليار جنيه في المرتبة الثانية، وجاء ثالث التجاري الدولي بـ 13.3 مليار جنيه، إلا أن بنكي الأهلي ومصر قد حققا مرتبة متدنية في مؤشرات الربحية، مقارنة بربحية البنوك الأخرى العاملة بالسوق سواء المصرية أو العربية أو الأجنبية، ففي مؤشر العائد على الأصول حقق البنك الأهلي نسبة 0.79%، أي أن المائة جنيه المستثمرة بأصول البنك الأهلي قد ربحت 79 قرشا فقط، ليحتل البنك الأهلي صاحب المركز الأول في الأصول والودائع والقروض، المركز السادس والعشرين بالعائد علي الأصول من بين 29 بنكا أُعلنت قوائمها المالية!

أما بنك مصر فقد جاء بالمركز العشرين بنسبة 1.12%، أي أن المائة جنيه المستثمرة في أصوله قد ربحت 112 قرشا. وتكرر تدني الترتيب بالربحية بمؤشر العائد على حقوق المساهمين، حيث جاء البنك الأهلي بالمركز العشرين بين البنوك بعائد 15.5%، كما جاء بنك مصر بالمركز السادس عشر بعائد 17%.

                       نصيب محدود للوجه القبلي بالقروض

فقد حققت بنوك خاصة عوائد 38% و27% و25%، وهي نتائج تستوجب المساءلة من قبل الجمعيات العمومية للبنوك الحكومية، في ضوء استمرار قيادة البنك الأهلي منذ 11 عاما وقيادة بنك مصر منذ تسع سنوات.

فقد تكرر تدني ترتيب البنوك المطروحة لبيع حصص منها منذ فبراير/ شباط الماضي، حين احتل بنك القاهرة المرشح للبيع المركز الثالث والعشرين بمؤشر العائد على الأصول بنسبة 0.89%، والمركز الثاني والعشرين بمؤشر العائد على حقوق الملكية بنسبة 14%.

وكذلك البنك العربي الأفريقي الدولي الذي جاء بالمركز العشرين بمؤشر العائد على الأصول متساويا مع بنك مصر، وبالمركز السابع والعشرين بمؤشر العائد على حقوق المساهمين بأقل من 7%، أما المصرف المتحد فلم يعلن قوائمه المالية منذ تأسيسه.

وربما يبرر البعض النتائج المتدنية لربحية بنكي الأهلي ومصر بأنهما يقومان بدور اجتماعي، لكن خريطة توزيع القروض بهما لا تؤكد ذلك، فقد أشار التوزيع الجغرافي لقروض الأفراد بالبنك الأهلي، لتوجه 57 % منها للقاهرة الكبري المكونة من محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، و31% لمحافظات الدلتا والإسكندرية والقناة وسيناء و13 % للوجه القبلي، وكان التركز أعلى بالقروض للمؤسسات، لتحصل القاهرة الكبرى على 92 % والدلتا والإسكندرية 6 % والوجه القبلي 2 %.

وتكرر ذلك بتوزيع قروض الأفراد ببنك مصر ليتجه نصفها للقاهرة الكبرى، و31% للدلتا والإسكندرية وسيناء و18% للوجه القبلي، وزاد التركز بالقروض للمؤسسات بحصول القاهرة الكبرى على 89 %، والدلتا والإسكندرية 5 % والوجه القبلي 2%، مما يضعف الجانب التنموي لهما خاصة بالوجه القبلي الأكثر فقرا وبطالة واحتياجا.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان