أول مؤتمر للطب التقليدي في الهند.. هل الاعتراف به بات وشيكا؟!

لأول مرة يتم طرح الطب التقليدي “الشعبي” وأدويته، وإمكانية الاستعانة به في سد فجوات العلاج بالطب العادي في اجتماع وزراء الصحة لمجموعة العشرين الذي عقد يومي 17 و18 أغسطس الحالي في “جاندي ناجار” في ولاية جوجارات في الهند.
أهمية هذا المؤتمر أنه عقد تحت رعاية الأمم المتحدة على هامش قمة العشرين، وعلى أعلى مستوى بمشاركة وزراء صحة مجموعة العشرين.
ولا شك أن أهمية هذا المؤتمر تأتي من الاهتمام بالطب التقليدي، والبعد عن الأدوية الكيميائية التي تترك آثارا جانبية، فالطب التقليدي الشعبي يعتمد على منتجات طبيعية مستخلصة من الأعشاب أو الحيوانات، والمفارقة الغريبة أن هناك 170 دولة من بين الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددهم 194 دولة يعترفون باستخدامهم الطب التقليدي والتكميلي منذ عام 2018، لهذا جرت مناقشة هادئة أراد فيها وزراء الصحة إعادة الاعتبار للطب الشعبي، والبت في أمر المنتجات المستخدمة في علاجاته، وهل هي آمنة؟! يمكن الاستعانة بها أم لا؟ خاصة وأن منظمة الصحة العالمية ظلت على قناعتها بأن العلاج التقليدي لا يمكن أن يكون آمنا دون تصريح رسمي، وليس معنى أنه استخدم عبر قرون دون إثباتات علمية أنه مضمون!
الحجامة في عيادات الأطباء العرب
تعترف منظمة الصحة العالمية بأن 40% من المنتجات الصيدلانية المعتمدة والمستخدمة حاليا في الاسواق هي مستمدة من منتجات طبيعية كالمنتجات التي يقوم علي أساسها الطب التقليدي، وفي سنة 2022 وافقت المنظمة الدولية على إنشاء مركز متخصص تابع لها في ولاية “جامناجار” الهندية يجمع بين الحكمة القديمة التي يقوم على أساسها الطب التقليدي وبين العلوم الحديثة تمهيدا للاعتراف رسميا به، ومعروف أيضا أن هناك اطباء وصيادلة يعالجون بالحجامة أحد أنواع الطب التقليدي في العالم العربي.
لقد أسهمت الحكومة الهندية أحد معاقل الطب التقليدي في العالم بمناسبة توليها رئاسة مجموعة العشرين لهذا العام في التحضير لهذا المؤتمر، فالأيورفيدا أو علوم الحياة هي أساس الطب الشعبي في جنوب آسيا والعالم أتت من الهند، ويرجع تاريخها إلى ألف عام مضت، وبالنظر إلى شدة الإيمان بها في الهند فهي لها وزارة خاصة، وتستغرق دراستها 5 سنوات يمنح الدارس بعدها شهادة تتيح له المعالجة بعلوم “الأيروفيدا” والدراسة في حد ذاتها تتيح فهم استخدام مئات النباتات والأعشاب في العلاج، وهم يعتبرون وصفاتها في الهند ساحرة لأنها تشفي العديد من الأمراض مثل تلك الناتجة عن التوتر، والضغط العصبي، والقلق، واضطراب النوم، وأمراض الدورة الدموية، والتغذية، والمفاصل والعمود الفقري، والتنفس، والحساسية، وأمراض الجلود، واكتئاب النساء، وأمراض العيون، وأمراض السمنة. لكن مشكلتها أنها لا تفي بالمعايير الصحية التي يعتمدها الغرب.
إن فلسفة العلاج التقليدي خاصة الهندي القديم تقوم على علاج الروح والجسد في آن واحد لأنهم يعتبرون أي خلل في أي منهما يضر بالآخر، لأنهم يؤمنون بأن جسم الإنسان يعمل كوحدة واحدة العقل مع النفس مع الروح، لا يمكن فصلهم عن باقي الجسد، لذلك يبدأ العلاج بإخضاع المريض لعملية تنظيف واسعة عن طريق برنامج خاص لتخليصه من المواد السامة المختزنة في جسمه عبر سنوات طويلة باستخدام الماء ومستحضرات الأعشاب بالتوازي مع الرياضات الروحية كاليوجا وتدليك الجسم بالزيوت النباتية المعتمدة في طب الايروفيدا.
مخاوف من انقراض الحيوانات التي تدخل في الطب الصيني
الطب الصيني القديم لا يقل أهمية عن الهندي وهو أيضا يعتمد على المكونات الحيوانية أكثر من النباتية، وبالنظر إلى التفوق الاقتصادي الصيني ووصوله إلى كل أقطار العالم أسهم ذلك أيضا في انتشار الطب الصيني حتى إن بعض الحيوانات التي تدخل مكوناتها في أدوية الطب الصيني مثل وحيد القرن، وفرس البحر وغيره باتت مهددة بالانقراض، على سبيل المثال مادة “جيلاتين ايجياو” الموجودة في عظام الحمير المستخدمة على نطاق واسع في الطب الصيني التقليدي لوقف النزيف ومعالجة السرطان ومنع السعال تجعلهم يشترون الحمير من كل بقاع الدنيا!
شركات الأدوية الغربية والأطباء والباحثين في الغرب خصوصا، يشككون في ممارسات الطب التقليدي بشكل عام، لهذا كان التحدي أمام المؤتمر في كيفية التوصل إلى أهمية وضع معايير لممارسات ومنتجات الطب التقليدي في المستقبل، وكذلك إنشاء قاعدة أدلة وبيانات موثوقة تساعد على صياغة السياسات الطبية.
حرصت القمة علي الجمع بين أكاديميين وصناع القرار من أجل الوصول الي قرار يحسم أمر العلاج بالطب التقليدي ويعترف به، ويقول رئيس منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص إن جمع وتوثيق البيانات والأدلة حول فاعلية أدوية الطب التقليدي سيسهم بلا شك في سد فجوات العلاج بالطب العادي خاصة إذا ما تم استخدامه بشكل آمن.
هل توافق شركات الأدوية علي الاعتراف بالطب التقليدي؟!
التحدي القادم أمام منظمة الصحة العالمية هو أهمية إثبات أن علاجات الطب التقليدي آمنة، وغير مضرة بصحة الإنسان من واقع الأبحاث العلمية، وفي هذه الحالة سيصبح الطب التقليدي واقعا وفاعلا، بشرط أيضا ألا يضر بالحيوانات المستخدمة في إنتاج أدويته وألا تكون مهددة بالانقراض!
لا شك أن ذلك سيكون بمثابة ضربة لشركات الأدوية ومافيا الدواء التي حققت من ورائه أرباحا طائلة. وفي حالة اعتماد علاجات الطب الشعبي فإن ذلك ربما يخفف العبء عن الناس في وقت أصبح ارتفاع ثمن الدواء يهدد صحة الإنسان.
