مصر و(بريكس).. وأنهار العسل واللبن المنتظرة!

قادة مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا (رويترز)

 

لا ألوم اللجان الإلكترونية كثيراً، معروف أنهم يقومون بعمل مقابل أجر، وهو عمل لا يخدم الوطن كما يزعمون، ولا هو دفاع عن الدولة (السلطة) كما يدّعون، ولا هو إبراز للإنجازات كما يتوهمون.

هم يكررون بعضهم في ترديد واستنساخ منشورات ومقولات وشعارات وصور ورسومات تتسم بسذاجة مفرطة ومبالغة زائدة وتزويق مستفز في محاولة للترويج لبضاعة لا تجد سوقاً لها في الواقع، ولا زبائن ينظرون إليها في (فاترينات) عرض مصنوعة من زجاج سريع الكسر سهل التهشم الذاتي، هذه اللجان آفة تُلغي العقل وتُعلي الجهل وتُسقط النقد البناء.

إنما اللوم على أولئك الذين يتم وصفهم بالساسة والحزبيين والنواب والأكاديميين والكتاب والمحللين وأصحاب المناصب في جمعيات وتنظيمات نقابية وتجارية وأهلية، مع مسؤولين بمستويات مختلفة، ثم نجدهم يطلقون إنشائيات متماثلة، كما لو كان كاتبها شخص واحد، ويتم توزيعها عليهم، ليدلي بها كل شخص فيهم عندما يحين دوره، دون اعتبار لأسمائهم ومواقعهم، أو بماذا سيقول التاريخ عنهم، فالمهم عندهم المشاركة في كل (زفة) بغرض الظهور وإرضاء من يتقربون إليهم على حساب الحقيقة المجردة.

كثيرة هى الأحداث والتطورات والموضوعات اليومية التي يتجلى فيها نشاط وعمل اللجان وأهل الخطب والبيانات وأصحاب العناوين والساعين للصفحات والمواقع والشاشات.

والخبر الطازج لهم هذه الأيام والذي تم استنفارهم لأجله هو دعوة تجمع (بريكس) لمصر للانضمام إلى المجموعة مطلع يناير المقبل، وهذه التجمع يتشكل حالياً من 5 دول هى: البرازيل، روسيا، الصين، الهند، جنوب إفريقيا، وسيرتفع العدد إلى 11 دولة بعد انضمام مصر، السعودية، الإمارات، إثيوبيا، إيران، الأرجنتين.

تجمع دون بصمة.. وهيمنة الدولار مستمرة

(مبروك بريكس يا شعب مصر)، هو أحد العناوين الذي أطلقته اللجان، وكان ضمن التريند في موقع التواصل (إكس)، وأما عن التصريحات التي تملأ الإعلام التقليدي بشأن إنجاز الانضمام فهى مثل السيل، وكلها تعلن البهجة وتدق الدفوف وتطلق الزغاريد وتؤكد نهاية كابوس الدولار الشحيح كما تُبشر بالخير القادم من التواجد في تجمع نعتبره بلا نشاط بارز أو نتائج ملموسة خلال مسيرته طوال 14 عاماً.

نعم، هو يضم دولاً كبرى؛ سكاناً ومساحة واقتصاداً، وقوى عسكرية ونفوذاً قارياً وإقليمياً ودولياً، كما في حالة روسيا والصين والهند، لكن ما انعكاسات ذلك؟ الحقيقة لا نجده فاعلاً ومؤثراً في حركة العالم والسياسة الدولية والأحداث الكبرى مثل تجمعات ومنظمات إقليمية وقارية عديدة باستثناء الاتحاد الأوروبي، فهذه روسيا متعثرة عسكرياً في أوكرانيا، والصين تخشى إغضاب أمريكا وأوروبا حفاظاً على اقتصادها وأسواقها، والهند تلعب لمصلحتها لكنها تعضد تحالفها مع واشنطن، ولولا داسيلفا العائد لقيادة البرازيل مهتم بتنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمارات، هو ليبرالي اقتصادياً مع مسحة يسارية مقبولة سياسياً، ويتجنب الصدام، وجنوب إفريقيا بلا بريق، كما كانت أيام مانديلا وسنوات بعد رحيله، فالفساد يؤثر في نزاهة الحكم والمؤسسات بها.

نراه تجمعاً دون بصمة فاعلة في المنظومة الدولية، وإذا كان ضمن أهدافه صنع عالم متعدد الأقطاب فإن ذلك يبدو بعيداً، فستظل أمريكا قوة عظمى مهيمنة، وسيبقى الدولار العملة الرئيسية لتقييم العملات الأخرى، والبيع والشراء، وصعود روسيا مشكوك فيه، وانكشافها في أوكرانيا لا يؤهلها لمنافسة أمريكا، والصين تتجنب إزعاج واشنطن أو المغامرات العسكرية حفاظاً على اقتصادها وأسواقها، كما أن عوائده على أعضائه غير واضحة.

 

لا نقاش جادا في مصر

المؤسف أننا لا نجد نقاشاً منفتحاً جاداً عميقاً في مصر بشأن خطوة بريكس، ولم نلمس حديثاً واقعياً شارحاً مقنعاً عن الحاجة لهذه العضوية والفوائد التي سنجنيها منها أو السلبيات التي ستنعكس علينا، ولم يُجب أحد على سؤال: كيف سيكون موقع مصر ضمن الدول الـ11، هل مجرد مقعد ومُشاهد ومستهلك اقتصادي وتجاري، أم فاعل ومؤثر ومستفيد؟

داخل التجمع قوى اقتصادية ضخمة مثل الصين وروسيا والهند، وتليها السعودية والبرازيل والإمارات، وجنوب إفريقيا، وإيران دولة نفطية ومنتج غاز عالمي، وإثيوبيا تواجه مشاكل سياسية وصراعات عرقية داخلية، لكنها ناهضة تنموياً وجاذبة استثمارياً، وأما مصر فإن اقتصادها الكلي كبير بالفعل، لكنها تعاني اختلالات فيه، تواجه أزمات في الاقتصاد والتمويل والإنتاج والتصنيع والاستثمار والتجارة والتصدير والعملة الوطنية الضعيفة والغلاء العنيف وخطة التنمية لم تكن موفقة كلها فكانت النتيجة ديوناً غير مسبوقة خارجية وداخلية ومشروعات بنية تحتية لم يكن الاستثمار والنمو الصناعي والتجاري متناسباً معها فهو محدود والصادرات قليلة ولا تليق بكل هذا الإنفاق الضخم في مشروعات طرق وكباري ومحاور وأنفاق ووسائل نقل ومدن جديدة وغيرها.

استيراد واستدانة

اللجان وأصحاب التصريحات المبشرة لا يتحدثون عن دور مصر في هذا التجمع وكيف ستستفيد منه لترجمة الشعارات المتفائلة جداً بتدفق أنهار العسل والحليب إلى واقع ونحن ليس عندنا الكثير الذي نقدمه لأعضاء المجموعة ذات الاقتصاديات الهائلة والإنتاج الضخم، والخشية أن نظل سوقاً مستوردة ومستهلكاً لمخرجات الأعضاء وأن نتوجه للاستدانة من بنك بريكس وتلك ستكون مشكلة إضافية ورئيس الوزراء ووزير المالية تحدثا سريعاً عن التمويل والشروط الميسرة التي يوفرها البنك المركزي في هذا التجمع.

ومسألة التبادل التجاري بالعملات المحلية مما يخفف من ضغط الدولار هو إغراق في الإيهام بالإنجاز لأن الدولار سيظل أساسياً في المبادلات التجارية وفي تقييم العملات في العالم حتى تتجاوزه عملات أخرى باحتياطات ذهب أكبر واقتصادات أقوى، وهذا يعني تراجع أمريكا.

المقايضات التجارية قد تفيدنا، لكن مشكلتنا أن إنتاجنا القابل للتصدير قد لا يعيد التوازن لميزان المدفوعات الذي يعاني خللاً مع الصين وروسيا والهند ودول كثيرة.

مع هذا، سننتظر، قد تكون هناك فوائد من البريكس، لكن التهليل دون علم وثقافة وخبرة وصراحة ووضوح وجرأة في الحديث الواقعي هو أخطر ما تشهده البلاد في مختلف قضاياها.

 

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان