لماذا يحرقون المصحف؟!

(1) الهجوم على الإسلام تحول إلى “تريند”
يثير حرق وتدنيس المصحف الشريف غضب واستياء ملايين المسلمين في العالم، وهو فعل يحرض على الكراهية ويسيء إلى مشاعر المسلمين أفرادا وحكومات ولا علاقة له من قريب أو بعيد بحرية التعبير. فلماذا يتكرر هذا الفعل ويتكرر معه نفس الردّ دون تغيير يذكر؟
آخر من أقدم على هذا الفعل المشين هو سلوان موميكا (37 عاما) وهو عراقي الأصل مسيحي الديانة ويعيش لاجئًا في السويد، ويصنف نفسه الآن بأنه ملحد، ولقد قام خلال عيد الأضحى بحرق وتدنيس نسخة من القرآن الكريم أمام أكبر مسجد في العاصمة السويدية ستوكهولم، ثم كرر الأمر بعدها بنحو شهر بموافقة السلطات هناك.
شاهدت فيديو على اليوتيوب، يوثق اللحظات التي سبقت حرق “موميكا” وتدنيسه للمصحف، تحدث فيه عن الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، وادّعى أنه كتاب خطير يحرض على العنف والإرهاب وأن الدواعش يطبقون آياته، وأنه يقسم الناس إلى مسلمين وغير مسلمين وهؤلاء يسميهم الكفرة والمشركين ويحلّ دماءهم، وحذر “موميكا” السويد، من الإسلام ودعا الحكومة والمواطنين السويديين إلى عدم التهاون مع المسلمين الذين يعيشون بينهم لأنهم يتخذون من المساجد أوكارا للإرهاب المقنّع.
هذا الفيديو استدعى في ذهني فورا خطابات عدد من قادة الدول العظمى، الذين يهاجمون منافسيهم ويتهمونهم بارتكاب أفظع الجرائم في حق الإنسانية وينسبون إليهم قائمة طويلة من الاتهامات في مجال الحريات وحقوق الإنسان وزيادة معدلات الفقر والتغير المناخي وتخريب السلم العالمي… إلخ، كما تذكرت مقولة المسيح عليه السلام التي تنطبق عليهم: “لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطُنُ لَهَا؟”.
أثناء الحرب الباردة، لم نسمع عن إرهاب إسلامي، كان الإرهاب أوربيا حصريا: الألوية الحمراء، الجيش الأيرلندي، منظمة إيتا الانفصالية وغيرهم، وكان أشهر إرهابي هو كارلوس وليس أسامة بن لادن، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتفكك دولته لم تعد الشيوعية العدو الأول لأمريكا والغرب، وكان لابد من صناعة عدو جديد يلائم المرحلة، لينتقل الصراع إلى منطقة أخرى من العالم ومعه الإرهاب الذي يتلون كالحرباء.
وهنا علينا أن نبحث عن الرسالة التي أراد “موميكا” وغيره من كارهي الإسلام توصيلها إلى الناس حول العالم: الإسلام هو العدو، لكن ماذا لو اختفى الإسلام من العالم؟
هذه الفكرة الفرضية طرحها الكاتب الأمريكي “جرايهام إي. فولر” في كتابه “عالم بلا إسلام”، الذي يناقش فيه الطرح من الجهة المعاكسة، لو لم يكن هناك إسلام، ولو لم يمتد الإسلام ليشمل أجزاء شاسعة من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، أكان للعلاقة بين الغرب والشرق الأوسط أن تتخذ نهجا مغايرا ومنحى مختلفا عما نشهده اليوم؟ ورأى الكاتب أن الأمر لم يكن ليختلف عما نشهده حاليا، وأكبر دليل علي صدق استنتاجه أن الحرب الأوكرانية التي يدفع ثمنها العالم الآن، الإسلام ليس له دخل فيها ولكن التنافس على النفوذ والهيمنة بين الدول العظمى غير الإسلامية.
(2) الإدانة وحدها لا تكفي
لقد أصبح حرق المصحف والهجوم على الإسلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام، أسرع طريق لإثارة غضب ملايين المسلمين، وخروجهم في تظاهرات تدين وتندد بهذا الأذى الذي وقع عليهم بالإساءة إلى عقيدتهم ونبيهم، ولكن الردود المعتادة لم تعد تكفي لوقف هذه الظاهرة المهينة، وعلى المسلمين التعلم من تجربة أبناء عمومتهم من اليهود، الذين يردون على أي إساءة تصل إليهم بفعل أقوى، كما حدث مع المفكر الفرنسي المسلم “روجيه غارودي” بعد صدور كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”، الذي شكك فيه في الأرقام المتداولة من جانب إسرائيل عن عدد ضحايا الهولوكوست من اليهود، فرفعت عليه منظمات يهودية دعوى أمام المحاكم الفرنسية عام 1998 وحكمت عليه المحكمة الفرنسية بالسجن عامًا مع وقف التنفيذ وغرامة بـ120 ألف فرنك فرنسي متهمة إياه بالعنصرية!
فلماذا لا تقوم “منظمة التعاون الإسلامي” برفع قضية ضد “سلوان موميكا” أمام المحاكم السويدية وتجند لها عددا من أمهر المحامين إلى جانب أدوات ضغط أخرى أقوى من مجرد استدعاء سفراء الدول التي سمحت بإهانة الدين الإسلامي على أراضيها.
الاقتصاد يحرك السياسة، والدول العربية والإسلامية تكتل اقتصادي لا يستهان به، ويمكن أن تتفق على تخفيض التبادل التجاري مع الدول التي توافق حكوماتها على مثل هذه الأفعال المهينة لدين الإسلام، وإلغاء صفقات تجارية مع هذه الدول.
نحن بحاجة إلى الرد بأفعال لا تقل في قوتها عن الفعل نفسه، نقدم فيها من يسيء إلى ديننا وكتابنا المقدس ونبينا الكريم إلى المحاكمة، فلو تم الحكم على أحد من هؤلاء بالسجن والغرامة لتوقف مسلسل حرق المصحف والإساءة إلى رسولنا الكريم.
التظاهر والشجب وحرق الأعلام ردّ غاضب ليس إلا، علينا أن نفكر بشكل مختلف وبنفس أسلوب الغرب: اللجوء إلى القضاء والمطالبة بمعاقبة الشخص الذي يحرض على الكراهية والعنف ويسيء إلى ملايين المسلمين عبر العالم وكذلك المقاطعة الاقتصادية للدول التي تسمح بذلك، هذه هي اللغة التي يفهمها الغرب ونتهاون في استخدامها.
