على خطى التطبيع الليبي الإسرائيلي.. المنقوش كبش فداء

وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش (يمين) ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين

 

ضجة كبيرة على خلفية الإعلان عن لقاء سري بين وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في إيطاليا، الذي يُعَد الأول من نوعه بين وزيري خارجية ليبيا والاحتلال الإسرائيلي، والذي عُقد بوساطة إيطالية.

ورغم أن اللقاء وفقًا لمسؤولين إسرائيليين قد تم الاتفاق عليه مسبقًا على أعلى المستويات، فإن تسريب معلومات عنه من قِبل الخارجية الإسرائيلية قد أربك الحسابات الليبية، ووضع حكومة الدبيبة في مأزق كبير.

ورغم نفي الخارجية الليبية في البداية سبق الترتيب للقاء بين المنقوش وكوهين، وتأكيد أنه كان عارضًا، فإن ذلك لم يمنع تفجّر الغضب في الداخل الليبي، على وقع الإعلان عن هذا اللقاء، مما دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وقد جاء قرار الإقالة أثناء زيارته للسفارة الفلسطينية في طرابلس.

إلا أن مكتب وزيرة الخارجية عاد وأكد أن اللقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي كان بإذن وعلم من الدبيبة نفسه، واتفاق الأخير مع رئيسة الحكومة الإيطالية لترتيب لقاء مع الجانب الإسرائيلي.

على خطى التطبيع منذ أواخر عهد القذافي

منذ نشأة الاحتلال الإسرائيلي وهناك سعيٌ حثيث للاندماج في المنطقة بشتى السبل الممكنة، وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم والمحفز لانخراط دول المنطقة في علاقات مع إسرائيل، ومارست الضغوط في سبيل تحقيق هذا الاندماج، الذي يضمن لدولة الاحتلال الاستمرارية وتبوء مركز القيادة، وأن تبقى ذراع أمريكا والغرب في المنطقة.

على مدار العقود الماضية، ترسخت قناعة لدى الساسة في المنطقة بأن الوصول إلى قلب أمريكا لا بد أن يمر عبر الشرايين الإسرائيلية، وقد قدّمت إسرائيل نفسها على أنها بوابة الوصول إلى الرضا الأمريكي والغربي.

محاولات التطبيع بين ليبيا وإسرائيل لم تكن وليدة هذه المرحلة، ولكن سبق ذلك محاولات في أواخر عهد العقيد معمر القذافي، وذلك تزامنًا مع مسار التحسن في العلاقات الأمريكية الليبية منذ عام 2005.

وبحسب ما نُشر من تقارير وقتها، فإنه مع انطلاق مفاوضات التطبيع الليبية-الأمريكية في لندن، حث الأمريكيون الليبيين على التقدم في مسار العلاقات مع إسرائيل، غير أن الليبيين طلبوا إرجاء الموضوع إلى ما بعد استكمال مسار التطبيع الدبلوماسي والسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

جدير بالذكر أنه على وقع التحسن في مسار العلاقات الأمريكية-الليبية، شهدت العاصمة الليبية زيارة وفد ضم نحو 20 إسرائيليًّا من أصول ليبية، في أول زيارة من نوعها لوفد رسمي منذ إعلان قيام إسرائيل.

خطوات جديدة نحو التطبيع

ومع مد التطبيع الذي شمل عددًا من الدول العربية في الفترة الأخيرة، لم تكن ليبيا بعيدة عن هذا المد التطبيعي مع إسرائيل. وقد بدأت إرهاصات التطبيع مع إسرائيل منذ أفرز ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في فبراير/شباط 2021، تسمية السلطة التنفيذية الجديدة، المكونة من مجلس رئاسي ترأسه محمد المنفي، وحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة نالت ثقة البرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح. وكان لافتًا الموافقة السلسة على اختيار نجلاء المنقوش القريبة من الدوائر الأمريكية وزيرةً للخارجية، رغم عدم تمتعها بخلفية دبلوماسية، حيث تجاوزت كل العقبات التي حالت دون المرشحة لمياء بوسدرة لتولي حقيبة الخارجية.

ومع بداية عام 2023، كان هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن ليبيا قد تكون على وشك الانضمام إلى نادي المطبعين العرب مع إسرائيل.

فقد شهدت الفترة السابقة ما يشبه عمليات جس نبض بين طرابلس وتل أبيب برعاية أمريكية، وذلك بعد زيارة “وليام بيرنز” رئيس المخابرات الأمريكية -النادرة والاستثنائية- للعاصمة الليبية في يناير/كانون الثاني 2023. وبحسب ما كشفته وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية، عن مسؤولين ليبيين، فإن رئيس المخابرات الأمريكية ناقش مسألة تطبيع العلاقات بين حكومة طرابلس وإسرائيل، وأن الدبيبة أبدى موافقة مبدئية على الانضمام إلى اتفاقات إبراهام، لكنه أعرب عن قلقه وتخوفاته إزاء هذه الخطوة التي قد تفجّر غضبًا شعبيًّا عنيفًا.

زيارة وزير العمل الليبي للأراضي المحتلة!

في شهر مارس/آذار 2023، شهد الطريق نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل خطوة جديدة عبر البوابة الفلسطينية، وذلك بزيارة على العابد وزير العمل في حكومة الدبيبة لرام الله والقدس، وقد حرص على التقاط صورة في المسجد الأقصى بالزي الليبي. وقد عُدّت هذه الزيارة محاولةً لتمهيد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خاصة أن الوزير -حسب تأكيدات- لم يكن ليدخل الأراضي المحتلة إلا بموافقة إسرائيلية.

ومما أثار الدهشة وقتها، امتناع جميع الأطراف السياسية عن توجيه أي انتقادات لزيارة العابد للأراضي المحتلة، وانفتاح حكومة الدبيبة على إسرائيل، باستثناء بيان الإدانة الصادر عن المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري.

ولئن كان هناك من تفسير لإحجام بقية الأطراف السياسية الليبية عن انتقاد انفتاح حكومة الدبيبة على إسرائيل عبر زيارة وزير العمل الليبي للقدس، فإن ذلك لا يعني سوى أن جميع الأطراف الليبية في مرمى سهام الشك، ومتورطة بشكل ما في التوجه نحو التطبيع سعيًا إلى تجيير تلك الورقة لمصلحة البقاء في السلطة.

ختامًا

تؤكد الشواهد أن ليبيا تسير على طريق التطبيع منذ وقت، وأن لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي كان خطوة على الطريق، أربك الإعلان عنها الحسابات الداخلية لحكومة طرابلس، التي تراودها آمال في الاستقرار بالسلطة، وترى التطبيع بوابة لتحقيق الاستمرار، وليس هذا شأن حكومة الدبيبة وحدها، بل هو شأن غالبية الأطراف الداخلية الفاعلة في ليبيا، التي ترتبط جميعها بلاعبين إقليميين ودوليين يتمتعون جميعًا بعلاقات جيدة مع إسرائيل.

وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش كانت كبش فداء لامتصاص غضب الداخل الليبي، واستمرار حكومة الدبيبة التي تسعى الأطراف المناوئة لإسقاطها، بعد أن باتت في صدام مع الرأي العام الرافض كلية للاحتلال الإسرائيلي وأي شكل من أشكال التطبيع.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان