مُولد سيدي البريكس

ما إن أعلن تجمع دول البريكس الخمس النامية، الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، قبوله عضوية دول أخرى مع بداية العام المقبل هي: مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا، حتى راحت وسائل الإعلام المصرية ذات الصوت الواحد، تعدد المنافع التي سيحققها الانضمام إلى البريكس، من تخفيف الضغط على الدولار وزيادة الصادرات، وسهولة الواردات التي ستتم بالعملة المحلية، وتيسير الاقتراض الخارجي، وزيادة معدلات السياحة الواصلة.

ومع غياب الرأي الآخر راح البعض يزيد جرعة الطموح من البريكس فزعم أن هذا الانضمام سيخفض قيمة سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري ليصل إلى ست جنيهات، بدلا من 31 جنيها حاليا حسب السعر الإداري للبنك المركزي، وحوالي 40 جنيها بالسوق الموازية.

فقد وجدت وسائل الإعلام من البريكس فرصة ذهبية لشغل الجمهور عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمدى الزمني لحل مشكلة الدولار، ووسائل ذلك الحل مع بطء برنامج بيع حصص من الشركات الحكومية، وتأخر الاستثمارات الخليجية، فحولت الأمر إلى ما يشبه المُولد الذي يذهب الناس إليه لنسيان همومهم ولو بعض الوقت.

ولا يهم تلك الوسائل الإعلامية أن مصداقيتها ستنخفض، عندما لا تتحقق المنافع التي وعدت الناس بها خلال الأشهر المقبلة، فقد مارست هذا الدور من قبل وتعودت عليه، سواء عند انعقاد المؤتمر الاقتصادي عام 2015 أو عند إقامة تفريعة قناة السويس أو مع مشروعات الصوب الزراعية، والمزارع السمكية والمثلث الذهبي واستصلاح مليون فدان ونصف، وغير ذلك من المشروعات التي لم تتحقق المنافع التي بشروا الناس بها عند إقامتها.

شراكات ومناطق حرة أكبر من البريكس

ويتطلب الأمر مناقشة هادئة وفنية لمزايا الانضمام للبريكس، فإذا كان التجمع قد استحوذ على نسبة 18% من التجارة السلعية الدولية العام الماضي، وهي ميزة ترددها وسائل الإعلام، فإن مصر شريكة في تجمعات اقتصادية متعددة، لها حصة من التجارة الدولية تفوق نصيب دول البريكس الخمس، وأولها الشراكة من الاتحاد الأوروبي الذي بلغ نصيبه من التجارة السلعية الدولية العام الماضي 29%، إلى جانب الشراكة مع بريطانيا وعضوية منطقة التجارة الحرة العربية، وعضوية تجمع الأفتا وتجمع الميركسور والكوميسا، والتجارة الحرة مع تركيا والكويز مع الولايات المتحدة.

ورغم كل تلك التجمعات الاقتصادية التي تعطي ميزة تفضيلية للصادرات المصرية وتعفيها من الجمارك، فقد بلغت قيمة الصادرات المصرية بالنصف الأول من العام الحالي 37.4 مليار دولار، متراجعة بنسبة 22% عن نفس الفترة من العام الماضي، كما تجدر الإشارة إلى أن تجمع الميركسور يضم البرازيل والأرجنتين عضوي البريكس، ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية تضم جنوب إفريقيا عضو البريكس، ومنطقة التجارة الحرة العربية تضم السعودية والإمارات العضوين الجديدين في البريكس كذلك.

وهنا سيقول البعض ولكن البريكس تسمح بالتعامل بالعملات المحلية أي باستيراد سلع بالعملة المحلية، مما يسهل عملية الاستيراد ويقلل من الحاجة إلى الدولار الذي تعاني مصر شحًّا به منذ عام ونصف، ويظل السؤال هل حالة الجنيه المصري حاليا مناسبة لقبوله من قبل الدول الأخرى؟ خاصة بعد رفض دول خليجية التعامل به عند شرائها حصصًا من شركات حكومية.

وحتى في حالة قبولها للتعامل بالجنيه المصري حاليا، فإننا نستعين ببيانات جهاز الإحصاء الحكومي، الذي ذكر أن قيمة صادرات مصر لدول البريكس الخمس العام الماضي بلغت 4.874 مليارات دولار، مقابل واردات منها بلغت 26.357 مليار دولار، فإذا تمت المقاصة بالعملات المحلية فهناك عجز يبلغ 21.483 مليار دولار، مطلوب تدبير دولار لسداده.

عجز تجاري مع الأعضاء القدامى والجدد

وهو العجز الموزع بين: 12.556 مليار دولار للصين، و3.5 مليارات دولار لروسيا و3.2 مليارات دولار للبرازيل، و2.2 مليار دولار للهند و15 مليون دولار لجنوب إفريقيا، بل إن باقي الدول التي ستنضم إلى البريكس حققت معها مصر عجزا تجاريا العام الماضي بلغ 6.8 مليارات دولار أخرى، موزعة بين 5.36 مليارات دولار للسعودية و993 مليون دولار للإمارات، و574 دولار للأرجنتين وخمسة ملايين دولار لإيران، وانفردت إثيوبيا بتحقيق فائض تجاري معها بقيمة 96 مليون دولار.

وبالطبع سيقول البعض إذا كانت التجارة السلعية لمصر مع دول البريكس تحقق عجزا، فإن هناك أنشطة أخرى خدمية تحقق فائضا لمصر مع تلك الدول، وبالتالي يمكن أن يساهم التعامل بالعملات المحلية في تحقيق التعادل في قيمة التعاملات، مثل الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة ودخل قناة السويس وخدمات النقل وتحويلات المصريين بتلك الدول والودائع وغيرها.

وبالعودة إلى بيانات البنك المركزي الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر في العام المالي 2021/ 2022، التي تتابع استثمارات 58 دولة بمصر، نجد أنها لم تتضمن من دول البريكس سوى الصين والهند، وكانت الاستثمارات من الصين 563 مليون دولار ومن الهند 78 مليون دولار، ليتبين أن حصة الدولتين من إجمالي الاستثمار الأجنبي الداخل لمصر أقل من 3%، ومع وجود بند يخص الدول الأخرى غير المذكورة بالبيانات وعددها 128 دولة.

فحتى مع إضافة قيمة هذا البند باعتباره يخص البلدان الثلاثة الأخرى بالبريكس -رغم عدم منطقية ذلك- فإن نصيب الدول الخمس بهذا الافتراض يصل إلى 7% من مجموع الاستثمارات.

وبالطبع سيقول البعض إن بيانات عام واحد لا تعبر عن قيمة الاستثمارات التي تتذبذب قيمتها، وبأخذ بيانات آخر خمس سنوات مالية، وبافتراض أن الدول الثلاث غير المذكورة بالبيانات قد استحوذت على بند دول أخرى بأكمله، فإن نصيب الدول الخمس خلال السنوات الخمس بلغ أقل من 7%.

      باقي الأنشطة لا يسد العجز التجاري

أما عن نصيب دول البريكس من السياحة الواصلة إلى مصر فمن الصعب تحديده بدقة، بسبب عدم نشر البيانات التفصيلية للسياحة منذ حوالي ست سنوات، لكن ما نشره جهاز الإحصاء عن أعداد السياح الواصلين لمصر العام الماضي البالغة 11.7 مليون شخص -حيث تضمن التوزيع النسبي لهؤلاء قدوم 63% من أوربا، و36% من الدول العربية و6% من الأمريكيتين و5% من باقي المناطق وأبرزها آسيا- يشير إلى قلة السياحة الآسيوية.

وحتى لا نتعامل مع باقي متحصلات ومدفوعات النقد الأجنبي البالغ عددها 18 بندا، ذكرنا منها ثلاثة فقط وهي التجارة السلعية والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، فإن اللجوء إلى مجمل تلك المتحصلات والمدفوعات الدولارية خلال التعامل مع بلدان العالم، سيكون هو الفيصل نظرا إلى شموله كل الأنشطة، التي تجلب موارد دولارية وما يقابلها من مدفوعات دولارية، خلال العام المالي 2020/ 2021 كآخر بيانات منشورة.

وكانت النتيجة مع الصين بلوغ المتحصلات منها من كل الأنشطة 830 مليون دولار، في حين بلغت المدفوعات لها 11 مليار دولار، ليصل العجز الدولاري معها إلى 10.2 مليارات دولار قبل عامين، وحقق التعامل مع روسيا عجزا بلغ 4.4 مليارات دولار، كما بلغ العجز مع الهند 2 مليار دولار والعجز مع البرازيل 1.8 مليار دولار، في حين حققت التعاملات مع جنوب إفريقيا فائضا بلغ 87 مليون دولار فقط، ليحقق التعامل مع الدول الخمس بكل الأنشطة عجزا إجماليا بلغ 18.4 مليار دولار.

ويبقى الحديث عن سهولة الاقتراض من بنك التنمية الجديد الذي أنشأته دول البريكس، وبصرف النظر عن لجوء البنك مؤخرا إلى طرح سندات بالأسواق لتمويل أنشطته، وصغر حجمه مقارنة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وباقي المؤسسات الإقليمية، حيث بلغت قروضه خلال حوالي ثماني سنوات 33 مليار دولار، فإن الأهم هو التوجه المصري قبل شهور بإعلان كبار المسؤولين ومنهم وزيرة التخطيط، إلى أن هناك وقفة مع الديون الخارجية بعد ازدياد حجمها.

هذا مع أن الاقتراض سيكون بتكلفة أعلى من تكلفة القروض التي تم الحصول عليها في السنوات الأخيرة، ويحتاج سدادها إلى خمسين عاما، وأن تلك القروض قد تسببت في شلل النشاط الاقتصادي حاليا، نتيجة توجيه معظم الموارد الدولارية إلى سداد أقساط وفوائد الديون، على حساب استيراد مستلزمات الصناعة والمواد الغذائية والوقود، حتى وإن أدى نقص الوقود إلى قطع الكهرباء عن المواطنين.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان