الخروج الآمن للرئيس مبارك.. ملاحظات متجددة

عندما طرح البعض في خضم أحداث 2011 بمصر ما يسمى “الخروج الآمن للرئيس حسني مبارك” من الحكم، لم يكن هناك اعتراض مباشر من أي نوع، سواء من القوى السياسية أو من الشارع بشكل عام، ذلك أنه لم يكن هناك ثأر من أي نوع مع الرئيس مبارك، كان الحديث في ذلك الوقت يدور فقط حول الفساد، ومعاقبة الفاسدين، وإعادة أموال الدولة المنهوبة، واستعادة أموال من الخارج، واسترداد الأراضي المعتدى عليها من رجال الأعمال، إلى غير ذلك من قضايا ضجت بها أروقة المحاكم فيما بعد، أُنجز بعضها وأخفق معظمها، والأسباب هنا كثيرة ومعقدة.
فيما بعد، اقترح بعض المقربين من مبارك مغادرته البلاد إلى أخرى مجاورة، إلا أنه رفض ذلك قائلًا: “ولماذا؟ أنا لم أفعل للبلد سوى كل خير، إذا كان هناك فاسدون فليحاكموهم”، وهو ما يوحي بأن الرجل كان يرى أنه لم يفعل ما يشينه، في إشارة هنا إلى إدراكه طوال فترة الحكم أهمية الأمن القومي. بالفعل لم تستطع محاكمات متعددة إدانته بما سوى “قضية القصور الرئاسية”، التي كان يمكن عدم الزج باسمه فيها استنادًا لأسباب مختلفة.
الحدود الدنيا من المنطق
الحديث عن الخروج الآمن من أي موقع قيادي مثير للجدل يجب أن يراعي الحدود الدُّنيا من المنطق، على سبيل المثال: لن يكون مثل هذا الطرح مقبولًا أبدًا في وجود أولياء دم، وبالتالي ليس من حق أحد التحدث بشأنهم.
في دول العالم الثالث تحديدًا، سوف تصطدم بمصطلحات وأطروحات غريبة، من أمثال: الخروج الآمن، رجل الضرورة، رئيس مدى الحياة، فترة رئاسية ثالثة ورابعة وخامسة، منقذ البلاد وحامي العباد، بل هناك ما هو أكثر من ذلك وهو الرئيس الملهم، وذلك بعد أن كانت المصطلحات في الماضي تدور في حدود ضيقة، مثل الزعيم أو المؤمن أو القائد، أو حتى الرئيس البطل، وهو ما يؤكد أن الأوضاع تسير إلى الأسوأ فيما يتعلق بتأليه الحكام، على غرار ما كان عليه الغرب في أزمنة سابقة شهدت “الفوهرر” في ألمانيا، أو “الدوتش” في إيطاليا، وحتى “القيصر” في روسيا، أو ما شابه ذلك.
في الحالة المصرية، كانت النخبة السياسية من كُتَّاب وسياسيين، هم رأس الحربة في عمليات التبرير واختراع المصطلحات، وعلى مدى نحو نصف قرن قاد هذا المجال الراحل محمد حسنين هيكل، منذ أن ابتدع مصطلح “النكسة” بديلًا للهزيمة عام 1967، إلى أن اخترع مصطلح “رئيس الضرورة”، فيما يشير إلى أننا أمام إرث ممتد من التغييب، تناقلته بشكل خاص -لحساب الأنظمة- قوى اليسار والناصريين في مصر، الذين اعتادوا عقد الصفقات للحصول على أيّ فتات من هنا أو هناك لمجرد الاستمرار في الحياة العامة، ما دامت اتجاهات الشارع أو صناديق الانتخابات لا تصب في صالحهم، بعد أن أصبحت أيديولوجياتهم البالية غير مقنعة لطلاب مراحل التعليم الأساسي.
من المهم أن نعي، أن الخروج الآمن الذي يطرحه البعض لأيّ من الحكام الدكتاتوريين في العالم، يعني الأمان من المساءلة القانونية، أو من المحاكمة الرسمية، إلا أنه لا يضمن أبدًا خروجًا آمناً من انتقام الشعب، أو من عصف المظلومين وأولياء الدم. سوف يظل هذا الدكتاتور أو ذاك مطاردًا ما دام حيًّا، وسوف تتوارث عائلته المطاردة من بعده بهدف الانتقام؛ ذلك أن هناك من الحقوق ما لا يسقط بالتقادم بحكم العرف والشرع، حتى وإن سقط بحكم القانون والصفقات، وهو الأمر الذي يجعل من أي حديث بلا منطق، حديث بلا معنى، ومن أي كلام من غير ذي صفة، سفسطة يجب أن لا تجد آذانًا صاغية.
حسني مبارك وابن علي
وفي كل الأحوال يجب الوضع في الاعتبار، أن حالة كل من الرئيس حسني مبارك في مصر، والرئيس زين العابدين بن علي في تونس، كانت إيجابية سلمية تميزت بالاستجابة، إذ وافق الأول على التنحي، وقَبِل الثاني مغادرة البلاد، إلا أن هناك في الوقت نفسه من صارع حتى النفَس الأخير، مثل حالة العقيد معمر القذافي في ليبيا، والرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، بما يؤكد أنه ليست هناك قاعدة ضامنة للنهايات، ذلك أننا نجد من يردد بلا خجل: أنا ومن بعدي الخراب، في إشارة إلى إعداد قوات هامشية يتم تسليحها خصيصًا لهذا الغرض، على غرار فاغنر روسيا، أو الدعم السريع بالسودان.
الغريب، هو أنه بمراقبة أو متابعة المشهد في أي من البلدان الإفريقية، بشكل خاص، التي تشهد أطروحات الخروج الآمن اللوذعية، سوف تكتشف بالتزامن مع الطرح، ارتفاع معدلات الظلم والقهر ساعة بعد ساعة، بدلًا من تدارك الأمر بإصلاح الأوضاع ما دامت العلامات الصغرى والكبرى للعد التنازلي قد ظهرت بهذا الشكل، سوف تكتشف أن الغباء سيّد الموقف في التعامل مع الأزمة، إما بسبب الخوف الشديد من المستقبل نتيجة إدراك حجم الأفعال المشينة التي تستوجب القصاص، وإما إنه الطمس على القلوب إنفاذًا لمشيئة إلهية مقررة سلفًا وحان أوانها، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة، وهي أن حالة مبارك لا تصلح لكل زمان، ولم تعد صالحة للمكان.
