الهروب إلى التعليم الأزهري

منذ عام 2016، يشهد التعليم الأزهري في مصر ارتفاعًا ملحوظًا في طلبه، ويبدو ذلك كأنه هروب أو هجرة من التعليم العام نحو هذا النظام التعليمي الديني.
ففي الماضي القريب، كان التعليم العام في مصر يتصدّر الأولوية، لكن تغيرت الأوضاع مع مرور الوقت، وظهرت تحوّلات كبيرة نحو التعليم الأزهري وصلت إلى الآلاف سنويًّا في المراحل الابتدائية والإعدادية.
وقبل أن يأتي التحول كان التعليم الأزهري هو المسيطر في مصر والعالم العربي والإسلامي منذ تأسيس الأزهر الشريف في عام 970م، وظلّ مئات السنين هو التعليم المعتمد شكلًا وموضوعًا.
محمد علي.. وبداية التعليم العام
وقد استقبل الأزهر طلاب العلم الشرعي من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولم تكن هناك منافسة له في مجال التعليم في مصر، وقد كان يعتمد على الكتاتيب في المرحلة الأولى لحفظ القرآن، ومعرفة الكتابة والقراءة، وبعض أساسيات الحساب.
لكن تغيرت الأوضاع مع حكم محمد علي عام 1805م؛ حيث أدخل النظام التعليمي الحديث على النمط الأوروبي والنمط الفرنسي، وبدأت المدارس العالية والمدارس التجهيزية والمدارس الابتدائية تنشأ، واهتم بالتعليم العالي عبر إنشاء مدارس خاصة بالتخصصات العلمية والفنية.
في العقود اللاحقة، شهد التعليم العام في مصر تحسنًا، واهتمت الحكومة بتطوير برامج التعليم المجانية، وتوسعت في إنشاء الجامعات والكليات.
وعلى الجانب الآخر، استمر التعليم الأزهري في تدريس المناهج العامة، بالإضافة إلى المناهج الشرعية، لكنه أصبح غير مرئي في وسائل الإعلام والدولة؛ مما جعله يعاني من تقليل الاهتمام به.
وفي السنوات الأخيرة، شهد التعليم العام في مصر عدة أزمات؛ منها زيادة أزمة الثانوية العامة سنويًّا، وتغيير المناهج، وزيادة صعوبتها، وتزايد تكاليف التعليم والدروس الخصوصية دون ضمان الالتحاق بالتعليم الجامعي، وإضافة إلى ذلك غاب التعليم الديني عن التعليم العام، في حين استمر في التعليم الأزهري، وهذه الأسباب وغيرها جعلت الآباء يلجؤون إلى التعليم الأزهري بديلًا للتعليم العام.
التعليم الأزهري.. خيار مغرٍ للآباء والطلاب
وقد أصبح التحول نحو التعليم الأزهري واضحًا؛ حيث شهد التعليم الأزهري طفرة حديثة في المناهج والمعايير النموذجية، وتزايد إقبال الآباء على تسجيل أبنائهم في مدارسه، كما لاحظنا تزايد أعداد الطلاب الذين يتحوّلون من مدارس التربية والتعليم إلى المعاهد الأزهرية، وهذا يعكس تراجع الاهتمام بالتعليم العام.
وأصبح التعليم الأزهري خيارًا مغريًا للآباء؛ نظرًا إلى الاستقرار الذي يوفره، وتركيزه على التعليم الديني، إضافة إلى المناهج العامة، وربما تكون جملة “الأزهر لن يترك أولاده” التي يرددها المصريون، تعني أن الطالب في الأزهر سوف يلتحق بالتعليم الجامعي في جميع الأحوال، وهو ما يريده المصريون للحصول على شهادة جامعية في وقت يعلم الجميع أنه لن يعمل بشهادته بعد أن توقفت التعيينات، ولم تعد هناك فرص عمل مناسبة لهذه الشهادات، ولكنها مع ذلك سوف تفيد اجتماعيًّا، أو في هجرة، أو سفر.
وعلى العكس، يعاني التعليم العام من عدة تحديات تجعله غير مجدٍ في نظر بعض الآباء؛ حيث لا يضمن طالب التعليم العام النجاح في المرحلة الثانوية، وحتى لو نجح فإنه لا يضمن دخول كلية مناسبة بعد أن اتجهت الدولة إلى إنشاء الجامعات الأهلية، وهي بمصروفات مرتفعة لا يقدر عليها غالبية الطلاب.
ولذلك، يبدو أن التحول نحو التعليم الأزهري يعكس تفضيلًا متزايدًا للتعليم الديني، وثقة أكبر في نظامه التعليمي.
أسباب الهروب إلى التعليم الأزهري
وهذا التحول نحو التعليم الأزهري يمكن تفسيره بعوامل متعددة تؤثر في قرارات الأهل والطلاب في اختيار هذا النظام التعليمي، ومن بين هذه العوامل الرئيسة التي تلعب دورًا في استمرار هذا التحول الاستقرارُ والمصداقية، حيث يعدّ التعليم الأزهري نظامًا مستقرًّا، ومعترفًا به، وموثوقًا به من قِبل العديد من الأهالي، ويرى البعض أن الأزهر يقدم تعليمًا ذا جودة عالية، ويركز على تعليم القيم الدينية، والتربية الشاملة.
ومنها التركيز على التعليم الديني؛ حيث يهتم الأهل بتعليم أبنائهم القيم والمبادئ الإسلامية، والتعرف على الثقافة، والتاريخ الإسلامي، ويرون أن التعليم الأزهري يقدم بيئة تعليمية أكثر تركيزًا على الجانب الديني.
ومن الأسباب أيضًا النقص في التعليم الديني في التربية والتعليم، حيث يشعر البعض بأن التعليم العام لا يُولي الاهتمام الكافي بالتعليم الديني، وأنه يفتقد إلى المناهج الدينية الشاملة.
وكذلك الاعتراض على بعض التغييرات في التعليم العام، فقد تكون بعض التغييرات والإصلاحات في التعليم العام مثيرة للجدل، وتثير استياء بعض الأهل والطلاب، وهذا يمكن أن يدفعهم إلى البحث عن بدائل أخرى مثل التعليم الأزهري.
ومن الأسباب الأخرى التوجه إلى التعليم الشامل؛ حيث يعُدّ البعض التعليم الأزهري نظامًا شاملًا يجمع بين التعليم الديني والعلمي؛ مما يجذبهم للاختيارات الأكثر شمولية، وكذلك تطور مناهج التعليم الأزهري، فقد شهدت مناهج التعليم الأزهري تحسينات وتطويرات؛ مما أدى إلى زيادة جاذبية هذا النظام التعليمي بالنسبة للأهالي.
أما العامل المهم فهو التأثير الاجتماعي والثقافي؛ حيث يمكن أن تلعب المجتمعات والثقافات المحلية دورًا في تشجيع الأهل على اختيار التعليم الأزهري عن التعليم العام.
كل هذه الأسباب جعلت الهروب والهجرة إلى التعليم الأزهري الحل الأمثل.
ويمكننا القول: إن استمرار التحول نحو التعليم الأزهري يعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية والدينية في المجتمع المصري، وقد تبدو هذه الاتجاهات متجذّرة وثابتة لبعض الوقت؛ ولكن قد يتغير الوضع في المستقبل بناء على التطورات الاجتماعية والسياسية والتعليمية. وحتى يحدث هذا التغيير فإن التحول إلى التعليم الأزهري سوف يستمر، وربما تزيد الأعداد على ما هي عليه الآن.
