دليلك لإدارة الغضب والاستفادة منه

يفاجئنا ويسرق قدرتنا على التحكم في ردود أفعالنا؛ فنسيء بالرد أو بالتصرف، ويؤذينا بالخسائر النفسية والجسدية وأحيانًا بالعلاقات.

الغضب “يخصم” الكثير والكثير ممن يستسلم له، ولذا نقدّم الدليل الواقعي والعملي لإدارته ولانتزاع المكاسب منه.

لم نقل منعه أو التحكم به وقلنا إدارته؛ فهذا واقعي، فالإدارة هي التوجيه بعد المراقبة والتخطيط.

نبدأ بضرورة مراقبة أنفسنا وما يجعلنا فريسة سهلة للغضب، وهل يتكرر من أشخاص وحدهم؟ أم يكثر مع الجميع؟ فإن كان مع أشخاص فلنعرف الأسباب، هل يسيئون التصرف معنا فقط أم مع الجميع؟ هل نتعامل معهم بحساسية زائدة؟ هل نحتفظ بمخزون من الغضب منهم “وننتظر” الفرصة لتصفية الحسابات فنتحول بسبب الغضب من أصحاب حقوق إلى معتدين؟

إذا اكتشفنا أننا نغضب من الكثيرين فيجب مراجعة أنفسنا، فالحياة لن تسير دومًا كما نحب، والانفجار بالغضب في وجوه الآخرين واتخاذه عادة “قد” يجعلهم ينفذون رغباتنا مؤقتًا، وسندفع الفواتير الباهظة نفسيًّا وصحيًّا، وستتراجع علاقاتنا، وتدريجيًّا سيعتادون على غضبنا وربما يسخرون منه أيضًا.

تذكّر دائمًا

“لن نستطيع منع العصافير من الطير فوق رؤوسنا، ونستطيع منعها من بناء أعشاشها فوق رؤوسنا” قول ذكي، والغضب لن نستطيع منعه من اقتحامنا، وبإمكاننا “حرمانه” من طرحنا أرضًا بعد استسلامنا.

يكمن ألف باء النجاح في إدارة الغضب في التحكم باللسان، فما أسهل وأسرع قذف الأخرين بكلمات مؤلمة عند الغضب، وما أكثر خسائرها، والتحكم في الكلام يمكن التدرب عليه، وتأجيله قوة وليس ضعفًا، كما يظن الكثيرون ويهزمون أنفسهم، ولا يتعارض مع رفض الإساءات بحزم بالطبع.

نوصي بتجنب لوم النفس بعد الغضب، فاللوم المستمر يُضعف الثقة بالنفس، وقل: الجميع يغضبون ولن أبرره لنفسي، وسأجتهد بلا استنفار للمزيد من إدارة غضبي ليكون لي وليس ضدي.

ففي الأولى سأضع “خطوطي” الحمراء لنفسي وللآخرين، وسأكتسب المزيد من الثقة بالنفس، وهي “مفتاح” النجاح في الحياة. وفي الثانية سأكون “مستباحًا” للآخرين، يستدرجونني للغضب ولارتكاب الأخطاء كيفما يشاؤون.

لا تبرر الإساءة بغضب من فعلها، “فستحرضه” على الأسوأ، ولا تغضب بسرعة ولا تنسَ من أغضبك بسرعة، ولا تحتفظ بالغضب فتضر نفسك وسارع بطرده من عقلك وقلبك وبالتالي من جسدك، واحتفظ فقط بموقفك ممن أغضبك، وقم بإزالة آثاره السلبية، واهدأ وتعلَّم من التجربة.

احتفاظك بالغضب من أمور بسيطة يؤدي إلى الانفجار، وستبدو مخطئًا، ولا تتوقع أن يسارع الناس إلى طاعتك أو التراجع عما تكره بعد الغضب، فكثيرون سيختارون العناد أو التظاهر بالخضوع “مؤقتًا”، والغضب ليس وسيلة لحل مشكلاتك بل يضاعفها.

تعلَّم متى تُظهر الغضب بلا اندفاع ومتى تخفيه، حتى لا تسمح لأحد باستدراجك لما يريدون، فتُظهره للردع المحسوب، والصراخ عند الغضب يُضعف من هيبتك والعكس صحيح.

عندما يغضبك أحد، لا تنظر إلى وجهه حتى لا تنتقل العدوى إليك، ولا تبتسم فتضاعف غضبه

وتنبَّه فالبعض يتعمد مضايقتك عندما يشعر بغضبك من تصرّفه.

عندما ينتهي ما أغضبك “اسمح” له بالذبول، ولا تنشطه بالحكي عنه “فتعيده” إلى الحياة، وربما سمعت تعليقات تشعله وتضاعفه، والبعض يفعلها “للمجاملة” فاحذر ممن تفضفض لهم ويزيدون غضبك، ولا تجادلهم ولا تقاطعهم، فقط توقف عن الحكي معهم عما يغضبك.

حب وهدية

كافئ نفسك معنويًّا وماديًّا بعد نجاحك في إدارة غضبك، الأولى بترديد كلام لطيف لنفسك، مثل “أنا جيد وأتحسن”، والتربيت بحب واحترام على نفسك واحتضانها بود “تستحقه” كما تفعل مع صديقك المقرب عندما ينجح في تحدٍّ ما، والثانية بشراء أي هدية لنفسك، ولا يهم ثمنها فالأهم هو المكافأة، “وستتذكر” نجاحك كلما رأيتها.

إذا انتصر عليك الغضب، وهذا يحدث أحيانًا للجميع، قل: هذه مجرد جولة والنصر لمن يضحك أخيرًا، وأنا “المنتصر” دومًا، وأغلِق أبواب الحديث السلبي مع النفس، وتعلَّم في الوقت نفسه “أسباب” خضوعك للغضب، هل فوجئت بما أغضبك ولم تتوقعه؟ أم كنت مجهدًا ولم تستطع التماسك؟ أم كان الاستفزاز مكثفًا وقاسيًا؟

تعرّف على نفسك بعد الغضب، فهل السبب التسرع أو التردد في رد الفعل أو سوء الظن بالناس أو مجاملتهم على حساب النفس؟ فكل ذلك يزيد المواقف التي تغضبك.

لو تعمَّد أحد إغضابك؛ لا تحقق له هدفه، أما إذا كان لا يتعمد فنبهه بلطف حتى لا يتمادى وتسيء إليه فيقول لماذا لم تنبهني؟!

عندما تصبح سريع الغضب لا تتعامل مع ذلك كأمر لا مفر منه، واسترح جسديًّا وأغلِق هاتفك المحمول، وابتعد عن الناس وابكِ إذا شعرت بالرغبة في ذلك -والكلام للجنسين- واكتب لنفسك ماذا تشعر وما الذي يجعل حياتك صعبة مؤخرًا.

تعامل مع ما يؤلمك “باحترام” وكأنك تستمع لصديقك المقرب، وستفاجأ بأنك تأخرت في التخلص من مشاعر ضايقتك مؤخرًا، وربما بالغت في بعضها، فجميعنا نبالغ في التألم والغضب عندما لا نحصل على قدر جيد من الراحة أو عندما نلقي بأنفسنا تحت براثن الإحباط وتعجُّل تحقيق الأهداف أو لامتصاصنا الزائد لسخافات البعض وللكلام السلبي في الواقع وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

الغضب من النفس “مفيد” إذا اقترن بالسعي لتقليص العيوب وتقليل الخسائر، “ومرفوض” عند زرعه قلة الحيلة واليأس والعدوانية تجاه الناس.

فلنستفد من الغضب بكشف مواطن الضعف التي لدينا جميعًا، والسعي لمنعها ما استطعنا بالطبع من إفساد حياتنا وكشف حقيقة العلاقات ومراجعة النفس بعد الاستسلام للغضب، للتأكد هل ما حدث كان يستحق الغضب؟ أم نحتفظ بمشاعر سيئة ممن أغضبنا وأحيانًا من غيره أو من مواقف لم نواجهها وتراكم الغضب داخلنا، وجعلنا كالبالون الذي ينفجر عند ضغط طفل صغير عليه.

ولْنحدد أولوياتنا ومن وما يهمنا، ونتدرب على تجاهل الصغائر وعدم منح من يرتكبها أي مساحة في حياتنا “فيستنزف” بعض طاقاتنا، ولندخرها لأنفسنا.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان