توماس أرنولد يشرح: كيف كسب الإسلام عقول الناس وقلوبهم؟

توماس أرنولد

 

تمكن فرسان الإسلام من تحرير البشرية من طغيان الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية بسيوفهم، وتجلت شجاعتهم وبطولتهم في الكثير من المعارك التي أوضحت أن الإسلام ملأ قلوبهم قوة وعزيمة وإصرارًا على تحقيق انتصارات شكلت حيرة لكل المفكرين الغربيين الذين لم يمتلكوا شجاعة الاعتراف بأن قوة إيمان المسلمين كانت أكثر تأثيرًا من قوة الرومان الغاشمة.

لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الانتصارات العسكرية، حيث تمكن الإسلام من كسب عقول الناس وقلوبهم، واستطاع العلماء أن ينشروا المعرفة التي أضاءت حياة الإنسان، وجعلت لها معنى وقيمة وأهمية.

حاول الكثير من المستشرقين تفسير ذلك بأن المسلمين استخدموا العنف في إرغام الناس على الدخول في دينهم، وكان ذلك محض تدليس وافتراء وكذب.

لكنْ هناك مستشرق امتلك شجاعة العقل والضمير ليقدّم تفسيرًا يتحدى افتراءات الغرب ودعايتهم، هو السير توماس أرنولد (1864-1930)، ففي كتابه “الدعوة إلى الإسلام” حاول أن يدرس كيف انتشر الإسلام في مناطق شاسعة، وبين شعوب تختلف في ثقافاتها وأعراقها ولغاتها وتقاليدها.

والكتاب دراسة علمية اعتمد فيها على الكثير من المصادر، وتميز بدقة التوثيق، وأنا أختلف معه في الكثير مما جاء فيه، لكن ذلك الاختلاف لا ينفي الاعتراف بأهمية الكتاب العلمية والتاريخية، وشجاعة مؤلفه في تقديم تفسير جديد لأحداث التاريخ.

عوامل نجاح الدعوة الإسلامية

المحور الرئيس للكتاب هو الدعوة إلى الإسلام، وكيف تمكن المسلمون من الانتصار في معركة “كسب العقول والأرواح”، وليس فقط في المعارك العسكرية، فقد خرج الفارس المسلم يحمل سيفه بيد، ويحمل القرآن باليد الأخرى.

فهذا الفارس يستطيع أن يشرح للناس مبادئ الإسلام، وأسهمت بساطة العقيدة الإسلامية في تحقيق هذا الهدف، فهي تقوم على أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وكل ما يُطلب من الذي يدخل في الإسلام هو قبول هاتين الشهادتين.

يقول أرنولد: إن هذه العقيدة البسيطة لا تثير مصاعب عقلية، وهي خالية من المخارج والحيل النظرية اللاهوتية، وكان من الممكن أن يشرحها أي مسلم، حتى أقل الناس خبرة بالعبارات الدينية النظرية.

إقناع العقل بخطاب منطقي

يضيف أرنولد: إن العقيدة الاسلامية تتلخص في الاعتقاد بوحدانية الله ورسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهما أمران يستقران في نفس المسلم علي أساس ثابت من العقل والمنطق، فالشطر الأول من هذه العقيدة يعبّر عن مبدأ يكاد يقبله جميع الناس على أنه فرض لا بد منه.. فهل يشير أرنولد بذلك إلى مفهوم “الفطرة”، وأن الإنسان يؤمن بالله بفطرته إذا تحرر من الضغوط النفسية والمادية والقيود التي يفرضها عليه الطغاة.

يضيف أرنولد: إن بساطة تعاليم الإسلام ووضوحها من أظهر القوى الفعالة في الدين، وفي الدعوة إلى الإسلام.

إن هذه البساطة واقتناع الدعاة إلى الإسلام بعقيدة التوحيد من أهم أسس النجاح في الدعوة الإسلامية، فهؤلاء الدعاة يقومون بنشره اقتناعًا، وهم يشرحون مبادئ الإسلام بأساليب تخلو من التعقيدات الفلسفية، بحيث يفهمها الشخص العادي، لذلك اتخذت طريقها إلى ضمائر الناس.

الدعوة طريق الفتح

لذلك يقدّم أرنولد تفسيرًا جديدًا ومهمًّا يمكن أن يسهم في زيادة فهمنا للانتصارات التي حققها المسلمون، فالدعوة أمدت المسلمين بوسائل الفتح الذي لا يُقهر، وأعطتهم الثبات في العزيمة والقوة في الإرادة، وملأت قلوبهم بالصبر الذي لا يعرف سبيلًا إلى الشكوى.

لذلك كانت حماسة المسلمين لنشر الدين وتعليم الناس الإسلام من أهم أسباب الانتصارات التي حققوها على الفرس والروم، فقد رحّبت الشعوب بالفاتحين الفرسان العلماء الدعاة الذين ينشرون المعرفة.

أخوّة الإيمان والطريق إلى القلوب

ركز أرنولد على مبدأ مهم جذب قلوب الناس وعقولهم إلى الإسلام، فعدَّه “المثل الأعلى”، وهو أخوّة المؤمنين كافة في الإسلام، وفي ضوء ذلك نظر إلى العبادات الإسلامية بمنظور جديد خاصة الحج الذي يجتمع فيه المؤمنون كل عام على اختلاف شعوبهم ولغاتهم من جميع أنحاء العالم، للصلاة في المكان المقدس الذي يولون وجوههم شطره في صلاتهم، وهذا يطبع في عقولهم معنى حياتهم المشتركة، وأخوّتهم التي ارتبطت برباط الدين.

يضيف أرنولد: في ذلك المكان ترى زنجي ساحل إفريقيا يلتقي بالصيني من أقصي الشرق، ويتعرف التركي علي أخيه المسلم من أهل الجزائر.

وفي هذا الوقت نفسه، تتطلع قلوب المؤمنين في جميع أنحاء العالم الإسلامي في عطف وحنين إلى إخوانهم الأسعد حظًّا الذين تجمعوا في المدينة المقدسة، فيحتفلون في أوطانهم بعيد الأضحى.

كما أن زيارتهم للمدينة المقدسة تجربة تحثهم على الجهاد في سبيل الله.

المساواة بين المسلمين

وإلى جانب الحج نجد الزكاة، وهي من فروض الإسلام التي تذكّر المسلم دائمًا بقوله تعالي: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات: 10).

ويصف أرنولد ذلك بأنها نظرية دينية تتحقق بصورة رائعة في المجتمع الإسلامي، فالمسلم الجديد مهما يكن جنسه ولونه يُقبل في زمرة المؤمنين، ويتبوأ مكانه على قدم المساواة مع أقرانه المسلمين.

كما أن الصلاة تجعل عقيدة المسلم متشابكة مع حياته اليومية، فتجعله إمامًا ومُعلمًا لعقيدته، ويستطيع أن يجذب الناس بتقديم الحقيقة في صورة حاسمة وواضحة ودقيقة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان