ليلة اقتحام السفارة الإسرائيلية

الخوف والقلق الذي ينتاب بعضهم كلما جاءت سيرة يناير أو ثورة يناير، أو أحداث يناير كما يسميها بعضهم ليس نابعًا من فراغ، فالقيمة الحقيقية في ثورة 25 يناير المصرية لم تكن في تغيير النظام، فقد اتفق الجميع على ذلك فمبارك كان قد انتهى ربما قبلها بسنوات وبدأ البحث عن بديل.
أزمة ثورة يناير لم تكن حتى مجيء نظام يقوم ببعض الإصلاحات الاجتماعية أو السياسية، فكل ذلك متاح مع استمرار نظام يتأقلم إقليميًا ودوليًا مع محيطه، ولا يخرج عن النظام العالمي إلا في ما يتحدد له سواء حكم ليبرالي أو يساري أو إسلامي.
المشكلة الحقيقية التي واجهت القوى المحيطة في مصر لم تكن حتى المرحلة الانتقالية التي يوجد فيها رئيس يبدو منتخب ديمقراطيًا كالرئيس الراحل محمد مرسي الذي حكم لمدة عام بالتمام ثم حدث ما حدث في يوليو 2013، أو حتى محمد البرادعي أو حمدين صباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح، فكل هؤلاء كانوا مجرد فترة انتقالية لمن يجيء من بعدهم، ولم يكن الوضع سيتغير خلال عام الفترة الانتقالية برئيس أي ما كان اسمه أو توجهه.
سلامة الكتلة الصلبة
أخطر ما يقلق بعض الجهات والأفراد والدول من ما حدث في يناير 2011 في مصر العربية كانت سلامة ما يطلق عليه الكتلة الصلبة المصرية، تلك الكتلة التي تعد صلب الشعب المصري، وسلامتها تعني القيم والتوجهات التي أبرزها الشعب المصري خلال عام ونصف العام من عمر الثورة المصرية حتى إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأولى.
عام ونصف العام والشعب المصري بكتلته الصلبة يعلن عن توجهاته في كل لحظة مؤمنًا بأهداف يناير ومبادئها، ودفاعه عن تلك التوجهات عبر فعالياته خلال تلك المدة التي تمثلت في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
لقد بذلت قوى عديدة إقليمية ودولية جهدًا كبيرًا لتغيير قناعات تلك الكتلة وقيمها، استخدموا في ذلك الأدوات كلها سواء في تغيير مفاهيم أخلاقية اجتماعية، قيم ثقافية وفكرية خاصة فيما هو متعلق بالتعايش مع الأعداء وما أطلق عليه السلام الإقليمي مع الجيران، وتوجهات سياسية أيضًا، تلك الأساليب التي استخدمت على مدار التاريخ لغزو الدول واحتلالها لتلك التي تمثل قوى حقيقية في المنطقة العربية أو الإسلامية.
ربما كانت مظاهر هذا التمسك هو ما يبرر هذا العنف الشديد تجاه ثورة يناير وثوراها، وكان أخطر ما ظهر هو العداء للكيان الصهيوني في ميادين مصر كلها ورفرفة العلم الفلسطيني في أنحاء مصر، هذا الوجود الذي عكس بوضوح ما تكنه الكتلة الصلبة تجاه الكيان المغتصب، ولا ينفصل التاريخ قبل يناير أو بعدها وما سعد إدريس حلاوة أول شهيد ضد التطبيع في مصر، ولا الجنود الأبطال سليمان خاطر، وأيمن حسن، ومحمد صلاح سوى تعبير عن هذه التوجهات التي لن تتغير في وجداننا كمصريين، وسلامة كتلتنا الصلبة.
9 أيلول 2011
كانت ليلة التاسع من سبتمبر/أيلول في عام الثورة المصرية إحدى لياليها المبهجة، فقد تحركت كتلة من مئات الآلاف الموجودين في ميدان التحرير في ما سمي بجمعة تصحيح المسار بعد ثمانية أشهر من يناير إلى مقر سفارة الكيان الصهيوني على ضفاف النيل في منطقة الجيزة، وهناك تم التمركز أمام السور الذي يحيط بالعمارة التي توجد فيها سفارة الكيان بعد توقيع معاهدة السلام، وتم افتتاحها في فبراير/شباط 1980.
للتاسع من سبتمبر في ذاكرة المصريين مواقف وأحداث كثيرة، فهذا اليوم هو يوم وقفة الزعيم المصري أحمد عرابي أمام الـ”خديو” توفيق لتقديم مطالب الجيش المصري فيما عرف بالثورة العرابية، التي انتهت بهزيمة العرابيين وفشل الثورة واحتلال الإنجليز مصر وخيانة عرابي ونفيه.
كان التاسع من أيلول هو اليوم الذي اختارته ثورة يوليو ليكون عيدًا للفلاح وصدرت فيه قوانين الإصلاح الزراعي 1952، وكان اليوم نفسه في عام ثورة يناير هو يوم اقتحام سفارة الكيان الصهيوني وطرد السفير الصهيوني وعودته إلى كيانه المغتصب لمدة ثلاث سنوات، فلم تطأ قدمه مصر إلا في 2014.
استمر حصار السفارة الصهيونية منذ ساعات الليل الأولى في ذلك اليوم، وامتلأت الشوارع المحيطة فيها بشباب مصر من أبناء يناير، ظللت متحركًا بين الشباب طوال تلك الساعات التي كان يتم أثناءها تحطيم السور الذي يحمي العمارة والسفارة، وشباب يناير يستخدمون كل أداة لتحطيم الجدار، وكان الحديث الدائر حينما وصلنا إلى هناك الاعتصام ومحاصرة السفارة حتى تطهير منطقة الجيزة ومصر، وإلغاء الاتفاقية المشؤومة التي وقّعها أنور السادات في مارس 1979.
أحمد الشحات “سوبر مان”
استطاع الشباب المصري هدم الجدار الموجود على كورنيش النيل، وتمكن الشاب المصري ابن محافظة الشرقية بدلتا النيل أن يصعد على أسوار السفارة وخلع علم دولة الكيان الصهيوني، ووضع العلم المصري مكانه في حدث وصف بالمهول، ووصفت الصحف الأجنبية والمصرية الشحات بـ”السوبر مان” المصري.
كانت تلك اللحظة أيضًا من أهم اللحظات التي أقلقت الكثيرين أفرادًا وهيئات ودولًا، ففي قيام مارد الكتلة الصلبة المصرية الكثير الذي يخشاه كل من يعادي الأمة، لذا فإن ما ظهر بعد يناير من عداء لها ولأبنائها هو خلاصة ما شعرت به كل الكيانات المعادية لنهضة الشعب المصري وظهور توجهاته داخليًا وإقليميًا ودوليًا.
أحمد الشحات ورفاقه الذين كانوا في محيط السفارة وهؤلاء الآلاف الذين وجدوا في ميادين التحرير المصرية لم يكونوا من نخبة السياسة ولا تلك الكوادر التي تظهر على قنوات التليفزيون، ولا ما أطلق عليهم نشطاء سياسيون، بل إنهم هم خلاصة الشعب المصرية هؤلاء الذين تراهم في كل لحظة منكفئين على الحياة، يصارعون الأيام ومصاعبهم، لكنهم عندما يفيقون فإن الأمة كلها تستفيق معهم، ويبدأ نهار جديد لها.