أحمد الطنطاوي.. خائن وعميل!

هكذا، بكل بساطة كان عنوان (هاشتاج) أطلقته اللجان الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني المعروف اتجاهاته وتوجهاته وأهدافه وارتباطاته.
قذائف من الاتهامات الثقيلة، ليس فقط لتشويه الطنطاوي، إنما لاغتياله معنويًّا وأدبيًّا، ونزع أهم ما يرتبط بالإنسان، وهي قيمة الوطنية ومعناها.
لست في وارد نقد أشقياء هذه اللجان ذات الأدوار المحدَّدة المعروفة، التي تنطلق في صعيد واحد تردد وتتداول ما يصلها من تدوينات ومنشورات وصور ورسوم، فهم أيضًا قطيع لا يختلف عمن يهاجمونهم ويعُدّونهم قطعانًا من أهل السمع والطاعة، إنما النقد لمن يقف وراء هؤلاء ويفكر ويخطط ويكتب لهم ويحركهم، فما يفعلونه -وكذلك كل لجان إلكترونية ذات أغراض معينة- وصفة تدمير لكل القيم الوطنية والإنسانية الشريفة، وتكريس للتضليل والاعتداء على الحقيقة وضرب المصداقية، وترهيب فكري لكل شخص يختلف مع الأوضاع التي يريدون فرضها على الجميع، وكأننا يجب أن نكون كلنا نسخة واحدة صامتة فلا نسمع ولا نرى، أو نكون قطيعًا واحدًا يتلقى تعليمات وتوجيهات ويخضع لها، وكأننا لسنا بشرًا سِمَته الأساسية التنوع والتعدد والتمايز والاختلاف.
وخلال هذه العشرية، هناك إفراط في توجيه تهم الخيانة والعمالة، وهو هراء ووقاحة، وضرب لوحدة مجتمع لم يعد كما كان متآلفًا تسوده قيم وأخلاقيات وآداب محترمة في الاختلاف الشخصي والعام، وإذا رجعنا إلى الوراء قليلًا فسنجد أن آفة الأوصاف والإقصاء والاتهامات أعقبت يناير، وهذا كان خطأ كبيرًا، فهذا ثوري وذاك فلول، ثم هذا إخواني وإسلامي وذاك مدني وتنويري، حتى انتقلنا إلى المرحلة الأخطر عندما امتلأ الفضاء بتهم العمالة والخيانة مقابل الوطنية والشرف، ولهذا لم يعد المجتمع كما كان، ولا عاد الناس كما كنا نألفهم، وهذه أزمة وطنية ما لم يتم معالجتها بحكمة ومسؤولية وتجرد، فإن البلاد ستظل تعاني التشكيك والكراهية وغياب الثقة والأنانية القاتلة.
ندافع عن القيم وليس الأشخاص
لست أدافع عن الطنطاوي، الشخص العادي أو السياسي العازم على الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية، فهو يمتلك من القدرة والموهبة والفصاحة والبلاغة والكتابة ما يدافع به عن نفسه، وهو له فريق عمل داعم له ويكابد في مواجهة ليست متكافئة مع آخرين يمتلكون كل مصادر وأدوات القوة والسيطرة، كما أن له أنصارًا ومؤيدين من أحزاب وتيارات سياسية وفكرية وشخصيات عامة لها حضور وتأثير.
فقط دفاعي عن القيم التي يجب أن تسود في التعامل اليومي وفي الاختلاف والمواقف وتعدد وجهات النظر وتضاد الاتجاهات والمسارات، خاصة وأن الشعب المصري بمختلف فئاته وشرائحه وطبقاته من قمة هرم العقل والفكر والثقافة والسياسة إلى قاعدة هذا الهرم من عموم الناس، هذا الشعب ليس كتلة واحدة ثابتة مصمتة بلا ملامح ومشارب وأطياف في السياسة والفكر والانحياز إلى الخيارات المختلفة المتعددة المتنوعة، هذا الشعب لم يكن قطيعًا واحدًا، ولم يستطع أي نظام أن يجعله على صورة موحدة يريدها له ويفرض عليه أفكاره ورؤيته ورغباته هو، لم نكن يومًا مثل كوريا الشمالية، ولن نكون، وهذا أشد أمثلة محاولة مسخ شعب وتحويله إلى ماكينة واحدة بعد تجميد عقله وقتل الإنسانية فيه.
هل هو عامل تهديد؟
إذا كان الطنطاوي يتعرض لحملة من التشويه والسخرية عبر مختلف أدوات وفنون الكتابة والرسم على مواقع التواصل وفي الصحف والشاشات، رغم أنه لم يتمكن من الترشح رسميًّا بعد، ولم ينزل إلى الساحة بما يتوافر لديه من وسائل وأدوات وقدرات، فإن هذا يعني في قراءة أولى أنه قد يُمثل عامل تهديد، وأن هناك قلقًا منه وربما مخاوف من اختلال موازين تبدو منضبطة على وضع معيَّن لصالح أطراف معيَّنة.
لماذا مثلًا، الهجوم عليه وحده دون غيره ممن أعلنوا رغبتهم في الترشح وهم ماضون في الاستعداد للمعركة، وما هى بمعركة ما لم يتوافر لها كل ضمانات الانتخابات العادلة.
وصم الطنطاوي بالخيانة والعمالة جاء على خلفية تصريحات منسوبة إلى مدير حملته، يُفهم منها أنه لا مشكلة في المصالحة الوطنية مع الإخوان، وكان الطنطاوي قد سبق وقال إن كل من يحمل الرقم القومي هو مواطن مصري له حقوقه السياسية وفقًا للدستور والقانون، وهذا لا يمنع التعامل معه.
طبيعي في أي دولة يتوافر فيها قدر معقول من العمل السياسي، وتجري فيها انتخابات بحدها الأدنى من الديمقراطية، أن يكون هناك تمايز بين المتنافسين في الأفكار والبرامج والخطط والتوجهات، ويصل هذا التمايز إلى حد التناقض التام في البرامج باستثناء قضايا الأمن القومي المتفق عليها.
ما لم تكن هناك رؤى مختلفة بين المتنافسين لتحويل العملية السياسية والانتخابية من شكلية، وربما هزلية، ومنحها بعض الجدية والمصداقية والثقة فلا داعي لها ولا قيمة منها.
يحظى الحكام في الديمقراطيات بالتقدير العالمي، ويمتلكون النفوذ وتتوافر لهم المصداقية، لأنهم منتخبون بنزاهة وعدالة، ووفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها.
وما لم يكن الرئيس القادم لمصر منتخبًا بهذه الكيفية، فإنه سيظل في خانة مختلفة عن نظرائه المنتخبين بشفافية كاملة، وهذا ينعكس في القدرة على التأثير والنفوذ وتحقيق المكاسب داخليًّا وخارجيًّا، اذهب إلى العالم وخلفك شعب اختارك بحرّية كاملة، هنا ستكون قادرًا على إدارة علاقاتك مع العالم بكل ثقة وقوة وثبات.
الطنطاوي والإخوان
لست مع أن يلعب طنطاوي بورقة الإخوان، فلا ميزة من وراءهم حاليًّا، إنما مسيرته قد تتعرض للتدمير مبكرًا إذا تم الربط بينه وبين الإخوان، فهى جماعة إشكالية لا تجيد غير تدمير نفسها وإجهاض فرص التغيير الجاد كما حدث في يناير.
من يلقي اتهامات الخيانة والعمالة جزافًا فهو يرتكب جريمة شنعاء، ولا طريق لإطلاق هذه التهم الغليظة إلا عبر قضاء عادل نزيه مستقل، ما دون ذلك يجب محاسبة من يتهم مصريًّا في الداخل أو الخارج دون دليل دامغ وحُكم باتّ.