أحداث مُقلقة

يبدو أن المصائب لا تأتى فرادى، ففي الوقت الذي يعاني فيه المغرب من كثرة عدد ضحايا الزلزال، وتعاني ليبيا من الآثار المدمرة لعاصفة دانيال، جاء إعلان إثيوبيا عن اكتمال الملء الرابع لسد النهضة، الذي يسحب ما يخزنه أمامه من حصة مصر التي كانت ترد من خلال النيل الأزرق، بما لذلك من تداعيات سلبية على الزراعة المصرية وعلى مشكلة نقص الغذاء.
ليلحق بذلك الإعلان بقمة مجموعة العشرين عن الممر الاقتصادي، الذي سينقل التجارة من الهند إلى الإمارات والسعودية عبر الأردن وإسرائيل ثم إلى دول أوروبا الغربية عبر البحر المتوسط، بما يثيره ذلك من مخاوف للتأثير في عدد السفن العابرة لقناة السويس، التي تمثل موارد دولارية مضمونة ببلد يعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية.
وكأن المصريين ليست لديهم مشاكل مسبقة متعددة، من غلاء حاد وبطالة مرتفعة وركود بالأسواق، وانقطاع متكرر للكهرباء يرافقه انقطاع في مياه الشرب وشبكة الإنترنت، واقتصاد مشلول بسبب تكدس البضائع المستوردة بالموانئ، وعدم استطاعة المنتجين الإفراج عما بها من مواد خام ومستلزمات إنتاج؛ مما قلل الإنتاج والتصدير. ووجود سوق سوداء بالعملات الأجنبية منذ عام ونصف.
ولا يبدو بالأفق موعد قريب لانفراج الأزمة، بعد اشتراط صندوق النقد الدولي تحقيق مرونة سعر الصرف، الذي تثبته مصر منذ مارس/ آذار الماضي، كي يقوم بمراجعة تنفيذ مصر لبنود اتفاقها معه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذى كان مقررا في مارس/ آذار الماضي ثم في منتصف الشهر الحالي، حتى يمنحها القسط الثاني من قرضه الأخير لها.
الانشغال بالحياة اليومية عن المشاكل القومية
وهكذا نجح النظام الحاكم في دفع المصريين للانشغال بمشاكلهم الخاصة عن المشاكل القومية، فرب الأسرة يهمه أولا تدبير الطعام الأساسي لأسرته في ضوء ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة، والأرز والسكر والزيت والبيض والدواجن والأسماك واللحوم، ودفع فواتير المرافق من مياه وكهرباء وغاز طبيعي وتليفونات، ولهذا نجد أن البعض يعتبر حذف سلعة الأرز من البطاقة التموينية أهم لديه من القضايا المجتمعية.
بل إن آخرين من المدخنين يعتبرون نقص السجائر أهم من أية قضية أخرى، بعد أن تملكهم اليأس من عملية الإصلاح السياسي، واستمرار الجو البوليسي المهيمن على البلاد، وانشغال المعارضة بالسعي للإفراج عن أحد رموزها بعد سجنه، لتصبح قضية دفعها بمرشح للانتخابات الرئاسية بالمرتبة الثانية.
وشركات الأدوية يهمها الإفراج عن الخامات المحتجزة بالموانئ، وشركات أجهزة المحمول مشغولة بصعوبة استيراد أجهزة جديدة منذ شهور، ومثل ذلك في شركات الكمبيوتر والشركات الغذائية وشركات الأجهزة المنزلية، وشركات السيارات تعاني صعوبة استيراد قطع الغيار وكذلك السيارات الجديدة.
ولا يستطيع أيّ من هؤلاء الجهر بالشكوى لوسائل الإعلام خشية التعرض لمضايقات من الأجهزة الحكومية تعطل مصالحهم، كما أن تلك الوسائل الإعلامية ليست لديها الجرأة على نشر تلك الشكاوى، في ضوء استمرار حجب مئات المواقع الإلكترونية الإخبارية منذ سنوات.
وها هو الدكتور أحمد جلال وزير المالية في عهد وزارة حازم الببلاوي، قد تم منع نشر مقاله بإحدى الصحف الخاصة منذ يوليو/ تموز 2020، ورغم ترأسه لجلسات المحور الاقتصادي بالحوار القومي الدائر منذ بضعة أشهر، فما زال مقاله ممنوعا حتى الآن.
قرارات موجعة تالية للانتخابات الرئاسية
ووسط تلك القضايا المجتمعية الحيوية مثل اكتمال ملء سد النهضة، واحتمالات شروع إثيوبيا في بناء سد آخر أصغر حجما، والمخاوف من تأثير الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا عبر ميناء حيفا بعيدا عن قناة السويس، وسعي الولايات المتحدة لإدماج إسرائيل بالمنطقة، ونجاحها في مشاركة وفد إسرائيلي في اجتماع بالرياض لمنظمة اليونسكو، لم تخرج الدولة المصرية لتطمئن المواطنين كالعادة على تأثير تلك الأحداث فيهم، حيث إنها مشغولة بالإعداد للانتخابات الرئاسية، وها هي عشرات الأحزاب التي ليس لها أي رصيد شعبي تعلن تأييدها للحاكم للبقاء لفترة أخرى، متجاهلة الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها نظامه وتراجع مستوى معيشة غالبية المواطنين في عهده.
بل إن الأجهزة الحكومية تقوم بإجبار الكثير من أصحاب المحلات التجارية على إعداد لافتات تأييد، على نفقتهم الخاصة وتعليقها على تلك المحلات والشوارع والميادين، ليبدو المشهد وكأنه إجماع شعبي على الرجل، دون أن يجرؤ أحدهم على الجهر بأنه قد تم إجباره على تلك اللافتات، وحتى لو همس بذلك لأحد الإعلاميين سرًّا فلن يجرؤ ذلك الإعلامي على التصريح بوجود تلك الممارسات.
ومن هنا يتم إعلاميا تجاهل أي أمر يمكن أن يذكر الناس بمعاناتهم اليومية، ليتم التركيز من الآن وحتى إتمام الانتخابات على الإنجازات، وها هو رئيس الوزراء مشغول بمراجعة ترتيبات افتتاح المتحف المصري الكبير قبل الانتخابات، ووزير النقل مشغول بافتتاح توصيل مترو الأنفاق إلى منطقة امبابة بالجيزة قبل الانتخابات، ووزير التعليم مهتم بمنع النقاب بالمدارس لشغل الأسر المصرية بقضايا فرعية، بحيث لا تكون الصدارة لمشاكل المصروفات الدراسية والزي المدرسي وارتفاع أسعار الكتب الخارجية والدروس الخصوصية.
ويدرك غالبية المصريين أن ما يتم إعلانه عن ترشح بعض الأشخاص لمنصب الرئاسة، يتم في مناخ يخلو من أية ضمانات لتكافؤ الفرص بين المرشحين، وأن المطلوب أشخاص كومبارس، كما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2005، لكن التخوف من أن يتكرر ما فعله مبارك بانتخابات عام 2005 عندما نكل بمنافسيه بعد الانتخابات، وألصق بهم بعض التهم مثلما حدث لأيمن نور وفقدان نعمان جمعة لمنصب رئيس حزب الوفد.
ويدرك المصريون أن كثيرا من القرارات التي تمس حياتهم المعيشية مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وأبرزها قرار خفض قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، إضافة إلى قرارات أخرى مثل رفع سعر الكهرباء ورفع أسعار المحروقات، وقرارات أخرى تخص الدعم وفرض الرسوم والضرائب، وهو ما يعني أن هناك موجة غلاء أخرى قادمة بعد الانتخابات الرئاسية.