الكوارث الطبيعية بين التسليم بالقدر والحد من المخاطر

آثار دمار الإعصار دانيال في ليبيا (الفرنسية)

 

تتسارع الكوارث عبر العالم بشكل ملحوظ، وقد شهد الشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية العديد من الكوارث الطبيعية والزلازل، التي كان لها تأثيرها على شتى مناحي الحياة في المناطق التي ضربتها، وكان آخرها زلزال المغرب جنوب غربي مراكش، مساء الجمعة 9 سبتمبر/أيلول 2023، ومن بعده الفيضانات والسيول التي ضربت مناطق عدة في شرق ليبيا جراء العاصفة دانيال، في 11 سبتمبر/ أيلول.

ومن الملاحظ أن السلطات في المنطقة العربية تتعامل غالبا مع الكوارث الطبيعية بعد وقوعها، وتعزي دراسات ذلك لطبيعة الذهنية العربية التي تتعامل بمنطق “القدرية” -القضاء والقدر – دون الاجتهاد في الأخذ بالأسباب اللازمة، والمأمور بها شرعا؛ لتفادي الخسائر الكبيرة التي تسببها الكوارث الطبيعية، وتمتد تأثيراتها لفترة من الزمن على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمجتمعات.

ومع كون وقوع الزلازل ظاهرة متكررة تاريخيا، فإنه غالبا ما يصاحب وقوعها تفسيرات مختلفة، ومنها أنها عقاب على الذنوب، وتتنوع المقاربات ما بين العلمية والفقهية والأخلاقية، وهذا موضوع واسع رحب.

ومع التسليم المطلق أن الزلزال والكوارث قدر الله المكتوب، فإن ذلك لا يتنافى مطلقا مع ضرورة الأخذ بالأسباب التي تحد من آثارها على البلاد والعباد، بل إن ذلك يُعد واجبا شرعيا، ومن باب التوكل على الله، والأخذ بالممكن من الأسباب.

لا أمان من الزلازل والكوارث

ليس هناك بلد آمن من الكوارث الطبيعية، وخاصة الزلازل، ومن الخطأ القول إن بلدا ما غير معرض لهزات أرضية، بحجة أنه ليس في منطقة نشطة زلزاليا.

ووفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن جميع دول العالم معرضة لهزات زلزالية، ولكن هناك دول أكثر عرضة لمخاطر الزلزال من غيرها.

وبحسب الشواهد فإن دولا عديدة في المنطقة عرضة لخسائر جسيمة بسبب الزلازل والكوارث الطبيعية؛ وذلك لقابليتها للتأثر.

ووفقا لتقديرات سابقة للبنك الدولي، فقد تزايدت الكوارث مع آثارها المدمرة في جميع أنحاء العالم أكثر من أي وقت مضى، كما تضاعفت أعداد الكوارث منذ ثمانينيات القرن العشرين، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد تضاعف متوسط ​​عدد الكوارث الطبيعية ثلاث مرات تقريبا خلال نفس الفترة الزمنية.

ومن الجدير بالذكر أن حجم الخسائر التي تسببها الكوارث الطبيعية والزلازل في العالم ليست بالأرقام الهينة، ويمكن تجنب تلك الخسائر بالاستعداد الجيد لمواجهة الكوارث؛ فالوقاية أفضل من العلاج، ولكن المشكلة أن بعض الدول وخاصة في منطقتنا تتعامل مع الكوارث بعد وقوعها، وترتكن إلى مسألة القدر.

ووفق تقديرات نشرتها شركة “سويس ري” لإعادة التأمين، فإن حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في العالم قُدرت بنحو 120 مليار دولار في النصف الأول من عام 2023، وقد كانت كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/ شباط الأكثر فداحة، حيث تسببت في خسائر اقتصادية بلغت 34 مليار دولار تقريبا.

زلزال المغرب وفيضانات ليبيا

في عام 2013، وتحديدا في 4 سبتمبر/ أيلول، هز زلزال بقوة 6.9 بمقياس ريختر مناطق في اليابان بينها طوكيو وفوكوشيما، دون خسائر بشرية أو مادية تُذكر، كما لم يلحق ضررا بالمنشآت النووية!

وبحسب خبراء، فإن قوة زلزال المغرب 6.8 درجات بمقياس ريختر، وهذا ليس كبيرا مقارنة بزلازل ضربت بلدانا أخرى ذات نشاط زلزالي مرتفع؛ مثل اليابان وإندونيسيا والصين وتركيا، وما كان ليُحدث هذه الأضرار الكارثية، كما أن الزلازل الأقل قوة يمكنها أن تحدث أضرارا جسيمة في نفس هذه المنطقة!

ومن ناحية أخرى، تسببت فيضانات ليبيا في مقتل آلاف الأشخاص، خلافا لآلاف المفقودين وفقا لتقديرات أولية، وتلك خسارة كبيرة مقارنة بتعداد السكان في ليبيا، يضاف إلى ذلك الخسائر المادية.

جاهزية الدول العربية لمواجهة الكوارث

في القرن الماضي كانت المنطقة العربية محظوظة نسبيا، ورغم ذلك فقد شهدت وقوع ما يزيد عن 270 كارثة، ونجم عنها نحو 150 ألف وفاة خلال ثلاثة عقود حتى 2013، وذلك بحسب خبراء في مجال مخاطر الكوارث.

منذ زلزال كهرمان مرعش المدمر في تركيا، ومع تواتر الزلازل والكوارث بات السؤال الملح هو: ما مدى جاهزية دول المنطقة لمواجهة الكوارث؟

في عام 2019 نُشرت دراسة خلصت إلى أن المدن العربية غير جاهزة ولا مهيأة لمواجهة الكوارث الطبيعية، رغم التخطيط لذلك، وعزت السبب إلى عوائق تتمثل في محدودية التمويل والقدرات، ناهيك عن الذهنية العربية في التعامل مع الكوارث بعد وقوعها، ومنطق القدرية، مما يحول دون الاستشراف المستقبلي للأزمات.

في بلد كمصر يطرح سؤال القدرة على مواجهة الكوارث نفسه بقوة، وماذا يمكن أن يحدث في مصر إذا تعرضت لزلزال قوي، لا قدر الله؟  فالإحصاءات الرسمية تؤكد أن العقارات الآيلة للسقوط في عموم البلاد تُقدرُ بمئة ألف عقار، بينما يقدرها الخبراء بنحو 12% من مباني مصر، ومن وقت لآخر تنهار مبانٍ عديدة دون حدوث زلازل، كما تؤكد دراسة للهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان أن 90% من الثروة العقارية بمصر مخالفة للبناء، وأن نحو 60% من مباني القاهرة وحدها آيلة للسقوط؟!

ختاما

الزلازل والكوارث الطبيعية قدر مقدور، ولا شك أن كل ما في هذا الكون مكتوب، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). (سورة الحديد: 22).
ومن المفهوم أنه من المستحيل منع وقوع الكوارث الطبيعية تماما، لكن الحد من مخاطرها يمنع دمارا قد تمتد آثاره لسنوات، أو يقلص المدى الزمني للآثار المترتبة، وهذا من الأخذ بالأسباب التي هي من التسليم بالقدر أيضا، وخلاف ذلك هو العجز والهروب من المسؤولية.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان