باختفاء وزير دفاع الصين..”لا أحد في أمان”!
أثار اختفاء وزير الدفاع الصيني (لي شانغ فو) عن الأنظار قبل أسبوعين، ضجة إعلامية واسعة، لم تهدأ بعد. غياب وزير الدفاع عن الأنظار من الأمور العادية، بدولة سلطوية مثل الصين، تدار بمنأى عن الشعب، وتتولى وسائل الإعلام أجهزة أمنية تنشر أخبار المسؤولين وخاصة العسكريين بأوامر عليا، لكن الغموض والأجواء المحيطة بغياب “لي” لن تجعل اختفاء مسؤول رفيع بهذه القيمة سهلًا على بيجين ولا غيرها من عواصم العالم.
غاب الوزير المعيَّن في مارس/آذار الماضي، بعد 5 أسابيع من الإطاحة بزميله وزير الخارجية (تشين جانغ) الذي ظل بعيدًا عن الأنظار لمدة شهر، بدون تفسير رسمي، حتى صدر قرار مجلس نواب الشعب، بإزاحته من منصبه، وإعادة وزير الخارجية الأسبق (وانغ يي) إلى الوزارة التي تولى شؤونها لمدة 10 سنوات.
يسير النظام الصيني في مساره الغامض، فقد رفض المتحدث باسم الخارجية (ماو نينغ) يوم الجمعة الماضي، تبرير غياب الوزير، قائلًا “ليست عندي معلومات”، وذلك بعد نشر وكالات الأنباء بيانًا لوزارة الدفاع الفيتنامية، بإلغاء اجتماع مجدول للوزير بقادتهم العسكريين، يومي 7 و8 سبتمبر/أيلول الجاري، وقد سبق أن أكد مشاركته في اللقاء الشهر الماضي.
اعتقال الوزير
تسربت أنباء حول اعتقال “لي” وإحالته إلى التحقيق، مع مجموعة كبيرة من قيادات الردع الصاروخي النووي، عقب عودته من مأمورية رسمية بكل من روسيا وبيلاروسيا، وإلقائه خطابًا أمام منتدى السلام والأمن الصيني-الإفريقي، في بيجين، حيث شوهد لآخر مرة يوم 29 أغسطس/آب.
مثّلت التسريبات صدمة في جنرال يسوّقه جيش التحرير الشعبي، بأنه رجل دولة، طوّر قوات الردع الصاروخية النووية العابرة للقارات، على مدار العقد الماضي. قدّمه الرئيس “شي” إلى الشعب، على أنه قدوة قومية رفيعة، خدم البلاد منذ كان مسؤولًا عن التطوير التكنولوجي وقدرات أجهزة الردع الصاروخي من سبتمبر 2017 إلى 2022.
تمتلك الصين الصواريخ الفرط صوتية، تسير بسرعة 5 أضعاف سرعة الصوت، بما يفوق قدرات الولايات المتحدة، و”يجعل حاملات طائراتها أمام الصواريخ سلاحًا عفا عليه الزمن، بما تملكه من قوة تكنولوجية وعددية، قادرة على تدمير حاملاتها العملاقة، إذا ما اقتربت من السواحل الصينية”.
بدأ الحزب بالتحقيق في بلاغات عن ممارسات فساد، أثناء تولي “لي” مسؤوليته عن مشتريات قوات الردع، التي كشف “شي” عن إمكاناتها العسكرية، في احتفالات وطنية مهيبة وسط بيجين مطلع عام 2017، وعدَّها “جوهرة الردع الاستراتيجي للصين وحجر الزاوية في منظومة أمنها القومي”.
الصواريخ النووية
يفخر شباب الحزب الشيوعي، على شبكات الإنترنت، بأن قوات الردع النووي، تمتلك 100 ألف مقاتل، و200 صاروخ نووي عابر للقارات و200 صاروخ متوسط المدى و150 قصير المدى و1000 صاروخ كروز. يعتقد الأمريكيون أن الصين أصبح لديها اليد العليا بمجال الصواريخ الباليستية، وإن تشكك بعض قدامي المحاربين الصينيين، في دقتها عن نظيرتها الأمريكية. زادت حدة التشكك عقب فشل إطلاق صواريخ عدة العام الماضي، أثناء التدريبات، وانفجار بعضها عند إقلاعها حاملة أقمارًا صناعية، وفشل هبوط مركبة على القمر منذ شهرين بينما نجحت الهند في الوصول إلى الهدف نفسه بسلام، وأقل تكلفة.
ينظر صينيون إلى غياب وزير الدفاع المفاجئ، على أنه “عودة إلى الأيام الصعبة”، في عهد الزعيم ماو تسي تونغ، حيث “لا أحد في مأمن” من التحقيق والإقصاء المفاجئ، ودليل على أن “شي” يوجه السكين إلى داخل الحزب، لينظف جنرالاته ومسؤوليه، الذين رفعهم إلى مراكز قيادية، ولخشيته من عدم استقرار النظام، أخفى وزيرين رفيعي المستوى، من أقرب الشخصيات إليه.
غموض حرب “النمور”
يعتقد محللون أن “شي” يشعر بالقلق، من انقلاب ضده داخل الحزب وبين القيادات العليا بالجيش، وهو ما دفعه إلى مواصلة حملته ضد الفساد المستمرة منذ 11 عامًا ضد “النمور”، وهم مسؤولو الفساد رفيعو المستوى، و” الذباب” من الأشخاص الذين يقفون خلفهم، الذين يحاولون منعه من الاستمرار في منصبه، وأصدقائه الذين يهددون مكانته.
يشير محللون إلى أن الصراعات العميقة على السلطة، ظهرت جلية، بعد العزل الغامض لوزير الخارجية، وقد وصلت إلى مستوى أعلى مع كشف وسائل الإعلام الصينية أخيرًا عن وفاة وزير الأمن العام الفريق (وانغ شاو جون)، ونائب قوات الصواريخ النووية السابق الفريق (وو غو هوا)، بعد أشهر من مقتل الأول في ظروف غامضة وانتحار الثاني.
تزامن إعلان خبر الوفاة، مع إقالة وزير الخارجية السابق من منصبه، بما دفع المحللين إلى القول إن سبب إقالة الوزير المحتفظ بمنصبه مستشارًا بدرجة أعلى من وزير بالحكومة، دون ظهوره حتى الآن، يرجع إلى وجود علاقة بين خروج الوزير ومقتل المسؤولين العسكريين، وما تبعه من اختفاء حالي لوزير الدفاع.
أسرار الصين النووية
ذكرت صحيفة (ساوث تشاينا مورنينج بوست) المملوكة للملياردير الصيني جاك ما، وثيقة الصلة بالحزب الشيوعي، في 28 يوليو/تموز الماضي، أن العديد من كبار جنرالات القوة الصاروخية، يُحقَّق معهم منذ أشهر، بتهمة الفساد من قِبل هيئة الرقابة العسكرية، التي يرأسها “شي”.
سرَّب أحد القادة العسكريين السابقين معلومات إلى كبريات الصحف الأمريكية، عن ارتباط إزاحة وزير الخارجية، بما يجري من تحقيقات عن فساد وزير الدفاع المختفي و11 قائدًا عسكريًّا من بينهم قائد الصواريخ المقال منذ أسابيع (لي يو تشاو) ونوابه الأربعة السابقين، بينما تستر وزير الخارجية، على تسريب أسرار قوة الصواريخ النووية -نقلها نجل القائد “لي” خلال فترة دراسته في واشنطن إلى المخابرات الأمريكية- أثناء عمله سفيرًا للصين، قبل توليه الوزارة مباشرة.
لم يبلغ الوزير الرئيس بالمعلومات، التي أخبرته بها صديقته (فو شياو تيان) المقربة من قيادات الدولة والمذيعة بقناة (فينيكس) في هونغ كونغ، رغم صلته القوية بـ”شي”، الذي صعّده بسرعة الصاروخ إلى منصبه القيادي.
جاء تسريب ملف أسرار القوات النووية الصينية -حصلنا على نسخة منه- لتكشف غرائب الصراع على السلطة في الصين، التي أصبحت تتجاوز حدود الفساد السياسي والرشاوى المالية والجنسية، لتنتقل إلى مستوى خطير للغاية بين الساسة والعسكر ومجموعات المصالح، من النزاع على السلطة، في نظام يتهافت البعض على تقليده والتحالف الاستراتيجي معه، بوصفه الأمل المنشود لإدارة نظام عالمي جديد.