لماذا يحتاج الرجل المعاصر إلى دراسة تاريخ الإسلام؟!

قاد المؤرخ الفرنسي موريس كروزيه مجموعة من أساتذة جامعة السوربون لكتابة موسوعة “تاريخ الحضارات العام” في 7 أجزاء، وكان من أهمهم المستشرق إدوار بروي الذي كتب الجزء الذي يتناول القرون الوسطى.

وبالرغم من اختلافي مع هذه المجموعة، بسبب تحيزها للتجربة الأوروبية، فإنني سأعرض عليكم أهم ما توصل إليه إدوار بروي من نتائج، حيث يقدم عددا من النصائح منها: أن تاريخ الإسلام يجب أن يحتل مكانة مرموقة في ثقافة رجل العصر؛ فالمدنية لا يقتصر مدلولها على شعب أو بلد، ولا ينتقص من شأن العالم الإسلامي اليوم ما يعاني من غمرة ستنقشع بأسرع مما يظن؛ فيجب أن لا يُنظَر إلى التاريخ الإسلامي من خلال قصة “ألف ليلة وليلة”.

ويضيف إدوار بروي: إنه يتحتم علينا ونحن نستعرض تاريخ العرب والإسلام التصريح بكل تواضع، بأنه بالنظر إلى ظروف الوضع الراهن؛ فإننا لا نستطيع أن نجلو تاريخ الإسلام.

لكن لماذا يقدم بروي نصيحته المخلصة للغرب بدراسة التاريخ الإسلامي؟ هل يعبر ذلك عن إدراكه لإمكانية قيام المسلمين بتحقيق مفاجأة جديدة في المستقبل لا يتوقعها الغرب؟ أحسب أن ذلك هو أهم الأسباب التي دفعته إلى حث الغرب على دراسة التاريخ الإسلامي من مصادر أصيلة؛ فالقراءة المتعمقة لما كتبه يمكن أن توضح الحقيقة؛ حيث يرى أن الإسلام ظهر كالشهاب الساطع؛ فحير العقول بفتوحاته السريعة، وباتساع رقعة الإمبراطورية الجديدة التي أنشأها.

ويضيف بروي: نحن أمام شعب كان مجهول الاسم مغمور الذكر، فإذا به يتحد في بوتقة الإسلام، هذا الدين الجديد الذي انطلق من الجزيرة العربية؛ لتكتسح جيوشه في بضع سنوات الدولة الفارسية، فتهد أركانها، وترفرف بنوده فوق البلاد التابعة للإمبراطورية الرومانية في آسيا وإفريقيا.

تحطيم تيجان الطغاة!

يستمر بروي في وصف تقدم الإسلام وصعوده المفاجئ، فيقول: لم تلبث جيوش المسلمين أن استولت بعد قليل على معظم إسبانيا وصقلية، وأن اقتطعت لأمد من الزمن، بعض المقاطعات الواقعة في غرب أوروبا وجنوبها، ودقت جيوشه بعنف شديد أبواب الهند والصين والحبشة والسودان الغربي.

وقد تهاوت الدول أمام الدفع العربي الإسلامي، وتدحرجت التيجان عن رؤوس الملوك كحبات مسبحة انفرط عقدها، وذابت الأديان التي سيطرت على الشعوب كما يذوب الشمع أمام النار، وانجلى غبار الفتح وصلصلة السلاح عن إمبراطورية جديدة، وعن حضارة ساطعة، اعتمد عليها الغرب في تطوره الصاعد.. فماذا يريد بروي، وهل يحذر بذلك الغرب من أن يتحول الإسلام فجأة إلى قوة عالمية تكرر التجربة التاريخية؟!

وعلى أية حال فبروي جدير بالاستماع إليه، فهو عالم ومؤرخ كبير، ومن المؤكد أن مجموعة علماء جامعة السوربون قامت بمراجعة الجزء الذي كتبه، لذلك فهو يعبر عن رؤية تحتاج إلى دراسة متعمقة.

الإسلام وتحقيق الازدهار الاقتصادي!

يشير إدوار بروي إلى حقائق جديدة يمكن أن تساهم في بناء المستقبل، فالإسلام استطاع أن يحقق الازدهار الاقتصادي طوال قرون عديدة.. لكن كيف كان ذلك؟ يجيب إدوار بروي بأن من أهم مظاهر التقدم في الحضارة الإسلامية أنها نظمت جيدا أعراف التجارة وآدابها، وأساليبها التقنية، وهي أعراف وآداب لم تلبث أن انتشرت في أطراف عالم البحر الأبيض المتوسط.

وقامت الدولة الإسلامية بالاهتمام بجودة المنتجات، وتحرير الموازين والمكاييل والسهر عليها من الزيف والتلاعب، وأدى ذلك إلى أن تصبح التجارة من أهم مصادر الغنى والثراء للأفراد والشعوب.

وتطوير الصناعة أيضا!

يرى بروي أن الحضارة الإسلامية تمكنت من تطوير الصناعة التي تم استخدامها في توفير الكثير من المنتجات التي تحقق الرفاهية للإنسان مثل صناعات النسيج والملابس.

ويشير بروي إلى اهتمام الحضارة الإسلامية بصناعة الورق التي تطورت بسرعة في الكثير من المدن الإسلامية، حيث ارتبطت هذه الصناعة بازدهار الحركة الفكرية، فما من أمير إلا قامت حوله حاشية انخرط فيها أهل الفكر، وما من حاضرة إلا قامت فيها للأدب والفن أسواق رائجة، وراح عظماء القوم يتبارون في تشجيع حملة الأدب ورجاله، ومناصرة أهل الفن والنبوغ، فاتسعت الحركة الفكرية، وعمت مشارق العالم الإسلامي ومغاربه.

صناعة النسخ والمكتبات!

يضيف بروي: بلغ غنى التأليف في العالم الإسلامي إنشاء دور الكتب والمكتبات في حواضر العالم الإسلامي الكبرى التي ضمت عشرات الآلاف من الكتب، وجرى تنظيمها على نظم فنية خاصة روعي فيها تصنيف العلوم، وقام على خدمتها جيش من النساخ والوراقين والخطاطين والمنسقين، وتم فتح هذه المكتبات أمام عدد كبير من القراء والكتاب والمفكرين، وأسهمت الأندلس في هذه الحركة إسهاما كبيرا.

تطوير علم الطب وإنشاء المستشفيات

أدى ازدهار الحركة الفكرية في الحضارة الإسلامية إلى تطوير علم الطب، حيث قام الحكام والأمراء بإنشاء المستشفيات التي يصفها بروي بأنها جديرة بكل احترام وتقدير، فقد حقق الأطباء فيها الكثير من الاكتشافات العلمية التي شكلت قاعدة لتطور مهنة الطب والنظام الصحي في العالم الإسلامي.

هذا بعض ما كتبه بروي ليقنع قومه الغربيين بالتواضع، ودراسة التاريخ الإسلامي، فالحضارة الإسلامية يمكن أن تساهم في بناء المستقبل، وتفتح آفاقا جديدة أمام الإنسانية التي أصبح وجودها يتعرض للخطر.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان