أجراس الإنذار.. مصر والكوارث المتوقعة

اجتاحت العاصفة المتوسطية "دانيال" مناطق عدة شرقي ليبيا أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج بالإضافة إلى سوسة ودرنة (رويترز)

 

من تركيا وسوريا، ثم من المغرب وليبيا مجددًا، انطلقت أجراس الإنذار بقوة حول قدرة دول المنطقة على مواجهة الكوارث الطبيعية من زلازل وسيول وتغيرات مناخية من المحتمل أن تضرب المنطقة، وخاصة تلك الدول المعرَّضة أكثر من غيرها للتأثر بتبعات الكوارث الطبيعية، ومنها مصر البلد الأكبر في المنطقة من حيث تعداد السكان.

في المقال السابق كنت قد طرحت سؤالًا عن مدى جاهزية الدول العربية لمواجهة الكوارث، وخاصة في مصر إذا تعرضت لزلزال قوي، لا قدَّر الله، غير أن الأمر لا يقف عند حدود الزلازل، بل هناك تحذيرات من كوارث طبيعية أخرى، وهذه التحذيرات ليست من قبيل الرجم بالغيب، ولكنها تنطلق من دراسات وحسابات علمية، ورصد دقيق للمتغيرات التي تحدث على ظهر كوكب الأرض.

وبحسب العديد من الدراسات، يبدو العالم على موعد مع زيادة في معدل الكوارث الطبيعية ووتيرتها وشدتها ومدتها نتيجة التغيرات المناخية، مثل العواصف والفيضانات والسيول وموجات الحر والجفاف.

كوارث عديدة تهدد مصر

فحسب الدراسات والتقارير، فإن المنطقة ليست واقعة تحت تهديد الزلازل والسيول فحسب، ولكنها وفقًا لتوقعات العلماء باتت تحت سطوة التغيرات المناخية، التي تهدد بإنهاء وجود مناطق كاملة من على ظهر الأرض، منها على سبيل المثال غرق الدلتا والإسكندرية في مصر.

ومن نافلة القول، إن بلدًا كمصر باتت معرَّضة لمخاطر كوارث عديدة، منها: الجفاف، والتأثيرات الخطيرة في حال حدوث زلزال قوي، أو تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية وما يترتب عليها من أعاصير وعواصف قوية وفيضانات، ويضاف إلى ذلك الجفاف وندرة المياه.

في المغرب، دق جرس الإنذار بقوة مرة أخرى بخصوص الزلازل، وضرورة الاستعداد المبكر -في مصر تحديدًا- للمواجهة والحد من المخاطر.

وفي ظل عوامل داخلية في مصر تتعلق بهشاشة البنية التحتية، ونسب مرتفعة للغاية للعقارات القابلة للانهيار، تبدو المؤشرات إلى ما يمكن أن يصير إليه الوضع لو تعرضت مصر لكارثة طبيعية، لا قدَّر الله.

في ليبيا المجاورة لمصر، باتت مدينة “درنة” عنوانًا بارزًا لكارثةٍ إنسانية، إثر الإعصار والفيضانات التي لم تُبق حجرًا على حجر، ودُمرت المدينة ومناطقها بالكامل، كأنما ضربتها قنبلة ذرية، فقد أحدث الإعصار والفيضان في دقائق معدودة دمارًا مذهلًا يقف الإنسان أمامه عاجزًا، وما حدث في درنة قابل للتكرار في أي مدينة أخرى مطلة على البحر المتوسط، وليست المدن المصرية من ذلك ببعيد!

ورغم ما تقوم به الدولة المصرية من مشروعات، وما أُعلن عن إنفاق ما يزيد على 400 مليار جنيه على تطوير البنى التحتية خلال 7 سنوات حتى عام 2022، فإنه يبدو أن هناك بونًا شاسعًا بين القدرة على مواجهة الكوارث وما تحقق على الأرض، حيث ما زالت البلاد تواجه تحديات لا حصر لها،  فنظرة بسيطة إلى ما يحدثه هطول الأمطار في فصل الشتاء في المدن المصرية الكبرى كالقاهرة والإسكندرية وغيرهما، يمكن أن تنبئ بحجم الآثار الكارثية في حال التعرض لما هو أشد، فهذه الأمطار بمعدلاتها الطبيعية تعطل الحياة لأيام، مقارنة بدول أخرى تسقط فيها الأمطار بكثافات وكميات أكبر بكثير، ولا ينتج عنها شيء مثل ما يحدث في مصر.

قنابل موقوتة في مصر!

دائمًا ما يصرح الخبراء بالمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية بأن مصر على درجة من الاستعداد للزلازل التي تواجهها، ويحاول الجميع طمأنة المصريين، لأن مصر بعيدة عن الأحزمة الزلزالية، وليست عرضة للزلازل التي تسبب دمارًا. ورغم أن هذه التصريحات من مختصين، فإنها لا تجدي نفعًا في ظل وجود قنابل موقوتة، تتمثل في مئات الآلاف من العقارات المخالفة للمواصفات والمهددة بالانهيار، حسب الاحصائيات.

فالحقيقة التي يجب التنبه إليها أن مصر في مرمى كارثة إذا تعرضت لزلزال متوسط القوة في مركز ثقل سكاني، مثلما حدث في 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، عندما تعرضت القاهرة لهزة أرضية بقوة 5.8 درجات على مقياس ريختر.

لقد كنت شخصيًّا معايشًا وشاهدًا على ما حدث إثر زلزال عام 1992، حيث اهتزت العاصمة وباقي المحافظات، وهرع سكان القاهرة إلى الشوارع، وكانت البلاد في حالة ارتباك غير مسبوقة، وخلَّف الزلزال مئات القتلى وآلاف المصابين، إضافة إلى الدمار غير المسبوق، الذي لم تعهده البلاد منذ زلزال عام 1847، الذي كان بقوة 6.9 درجات.

ومنذ زلزال القاهرة عام 1992، زادت مع الأسف أعداد المباني المخالفة وظاهرة البناء غير المخطط في جميع أنحاء مصر، مع غض طرف من أجهزة الدولة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد، وأصبحت المباني غير المخططة والمخالفة ثقافة ونمطًا غالبًا، يُمثل نحو 50% من الكتلة العمرانية، وتفاقمت معها المشكلات والتحديات!

الإسكندرية والدلتا وخطر التغيرات المناخية

منذ 2015 تتعرض مصر لتغيرات مناخية بدت واضحة في ما تعرضت له محافظة الإسكندرية من سيول وأمطار نتج عنها الكثير من المشكلات.

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، وخلال قمة المناخ العالمية التي عُقدت بمدينة غلاسكو الأسكتلندية، حذر رئيس الوزراء البريطاني من اختفاء 3 مدن على مستوى العالم، كان من بينها الإسكندرية، وذلك إذا لم تُتخذ إجراءات تحول دون ارتفاع الحرارة على سطح الأرض.

وفي دراسة علمية نشرها الدكتور طارق حجي في يناير/كانون الثاني عام 2021، على موقع “نيتشر ساينتفيك ريبورتس”، أكدت الدراسة أن شمال الدلتا سيتعرض للغرق مستقبلًا، وأن المناطق الساحلية للدلتا أكثر تعرضًا للهشاشة بنسبة تصل إلى 70%، مقارنة بأي منطقة ساحلية أخرى شرق حوض البحر المتوسط، وأن الأمر سيكون أشد وطأة بسبب تآكل الشواطئ المستمر، وقد أرجع “حجي” ذلك إلى التخطيط العمراني غير السليم، حسب ما جاء في الدراسة.

ختامًا

يبدو واضحًا أن 2023 هو عام الكوارث الطبيعية بامتياز، التي طالت أنحاءً عديدة في العالم، كما كثرت الأحداث المناخية التي سببت أضرارًا لا قِبل للدول منفردة على مواجهتها.

وبما أن مصر ليست بعيدة عن التعرض للكوارث الطبيعية، وفي ظل ما تؤكده الدراسات العلمية وواقع الحال، فإن الاستعداد لتلافي مفاجآت الكوارث الطبيعية لا بد أن يصبح أولى أولويات الدولة المصرية، ومعها دول المنطقة، فما حدث في ليبيا والمغرب، ومن قبل في تركيا وسوريا، يقرع أجراس الإنذار ألف مرة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان