حين تخرب السياسة الاقتصاد

الرئيسان: الصيني والروسي

 

 

(1) فاتورة الحرب عبء على الاقتصاد

كان قرار الرئيس الروسي بوتين ببدء الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط من العام الماضي قرارًا سياسيًا في المقام الأول أراد به أن يوقف زحف الغرب تجاه حدود بلاده، لكن هذا القرار كانت له تداعيات اقتصادية على العالم كله، أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع الغذائية الأساسية والطاقة.

منذ أيام تظاهر الآلاف التشيكيون ضد حكومتهم لاهتمامها بأوكرانيا أكثر منهم، ومرشح أن تنتقل مثل هذه المظاهرات للعديد من الدول الأوروبية، خاصة مع بداية فصل الشتاء، فدول الاتحاد الأوروبي بدأت تعاني من اقتسام لقمة العيش مع أوكرانيا لدفع نفقات التسليح والمساعدات المقدمة لها بسخاء. قرار استمرار الحرب والمعاناة قرار سياسي تتقاسمه روسيا والغرب، ويعاني منه العالم كله اقتصاديًا ولمدة طويلة مقبلة.

(2) معاناة إفريقيا

الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية كلها قرارات سياسية تؤدي إلى إفقار إفريقيا واستمرار تأخرها عن اللحاق بركب التنمية والتطور، صحيح أن هناك تدخلات أجنبية تساعد على اتخاذ هذه القرارات، لكن في النهاية القرار يخص صاحبه وهو المسؤول عنه مهما كانت الدوافع والحوافز. السودان يعاني من عقود اقتصاديًا ومعيشيًا بسبب نظم حكم غير رشيدة أدت سياساتها إلى تقسيم السودان، وغضب شعبي بسبب تدهور الظروف الاقتصادية. ما يحدث الآن في السودان من تقاتل بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة قرار سياسي أدى إلى أزمة إنسانية ضخمة نتيجة نزوح ملايين السودانيين من مناطق القتال، وكذلك تخريب البنية التحتية للبلاد وعدم توافر الخدمات الأساسية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيمه ليزيد الطين بلة، والبداية قرار سياسي خاطئ.

(3) أكذوبة واحة الديمقراطية

ظلت إسرائيل تصدر للعالم صورة مضللة عن نفسها، بأنها واحة الديمقراطية وسط صحراء الاستبداد، لكن هذه الصورة تضررت كثيرًا هذا العام، ومنذ أن قدمت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة مشروع قانون التعديلات القضائية الذي يلاقي احتجاجات واسعة ومستمرة منذ بداية العام الحالي، ورغم هذه التظاهرات الضخمة وموقف المعارضة الرافض للقانون، وكذلك الإدارة الأمريكية التي نصحت حليفها الاستراتيجي بالتخلي عنه، تم إقرار القانون في الكنيست الإسرائيلي بعد حصوله على 64 صوتًا مقابل لا شيء إثر انسحاب المعارضة من جلسة التصويت، والقانون الجديد يزيل الإشراف القضائي على الحكومة والبرلمان، مما يؤدي إلى تقويض النظام الديمقراطي في إسرائيل، ويخاف العلمانيون من تحول إسرائيل لدولة دينية يحكمها اليمين المتطرف العنصري، ويؤدى ذلك مستقبلًا إلى نزاع أهلي وربما إلى تقسيم الدولة بين الطرفين. كان لهذا القرار السياسي من الحكومة الحالية أثر مباشر في قطاع التكنولوجيا الفائقة الدقة في إسرائيل الذي أسهم بنسبة 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، وبحسب استطلاع نشرته مؤسسة “ستارت أب نيشن”، المتخصصة بالشركات الناشئة في إسرائيل، فلقد بدأت 68% من الشركات الناشئة في إسرائيل، في اتخاذ إجراءات مالية وقانونية، تشمل سحب الفائض النقدي، ونقل مكان تسجيل الشركات إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى نقل الموظفين، وتسريح بعضهم، وتقول هذه الشركات إنها اتخذت إجراءاتها الأخيرة على خلفية خطة التعديلات القضائية للحكومة، خوفًا من حدوث “تدهور أكبر” في البلاد، وذلك بعد إعلان الحكومة عن خطة التعديلات القضائية، ويسعي نتنياهو جاهدًا الآن لجذب استثمارات أجنبية لبلاده في هذا المجال، لكن هل يستطيع أن يقنع رأس المال الجبان بطبيعته أن بلاده مستقرة وأن ديمقراطيتها بخير؟

(4) الاستبداد خراب اقتصادي

رغم أن الصين غيّرت الكثير من النظريات الغربية حول الربط بين الديمقراطية والاستقرار، ومن ثم النمو الاقتصادي والرفاهية، واستطاعت أن تصل إلى أرقام نمو اقتصادي مرتفعة وتقضى على الفقر، وتحقق طفرات في مستوي المعيشة لشعبها بطريقتها، ودون تطبيق الديمقراطية على الطريقة الغربية، لكن تظل الحالة الصينية حالة فريدة من نوعها وتجربة تستقي معايير نجاحها من التراث الثقافي والحضاري الصيني، ولا يمكن تعميمها على غيرها من البلدان أو اتخاذها قدوة في مجال الحكم وحقوق الإنسان.

ما زالت الديمقراطية أسلوب حكم، الوسيلة الأكثر فاعلية لتأمين استقرار أي بلد سياسيًا، وكبح استبداد الحكام وتسلطهم وانفرادهم بالحكم، واتخاذ قرارات وسياسات قد يكون فيها خراب اقتصاد البلد وإغراقه بالقروض والديون، لمجرد تحقيق رغبات الحاكم المستبد وأحلامه التي لا يراها غيره. الديمقراطية تقوم على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام مؤسسات الدولة، وهو ما يسمح بمراقبة الحاكم ومنعه من تنفيذ سياسات قد يكون فيها خراب بلاده، وأمثال هؤلاء الحكام المخربين موجودون في العديد من الدول، سواء كانت دولًا ديمقراطية تحترم حقوق المواطن وحرياته أو عكس ذلك، ولكن في الدول الديمقراطية يتم إعفاء الحاكم من منصبه عند أول انتخابات رئاسية كما حدث مع ترامب، أما في الدول غير الديمقراطية، فيظل الحاكم في مقعده، رغم أنف الشعب، شاهدًا على خراب بلاده من مقصورته الرئاسية رافضًا النصح فيما يخص إدارته الاقتصادية الفاشلة محملًا شعبه فشله دون خوف من تغيير يطوله.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان