معاشات الفقراء المصريين ترتفع إلى ما بين 61 و85 جنيها شهريا

بينما ينتظر المصريون الاطمئنان على أحوال مياه النيل بعد إتمام إثيوبيا الملء الرابع لسدّ النهضة، وعلى أوضاع قناة السويس بعد الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا، بعيدا عن قناة السويس، أو الرد على سؤال رجال الأعمال وما لديهم من عمالة عن توقيت انتهاء تأخر الإفراج عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج بالموانئ الذي يعطّل أعمالهم.
والإجابة عن التساؤل الرئيسي حول توقيت علاج مشكلة نقص الدولار والقضاء على السوق السوداء، ومصير برنامج اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي بعد مرور ستة أشهر على موعد منح القسط الثاني، دون صدور أي إيضاح من أي مسؤول مصري، كما أن هناك أسئلة هامة لدى كثير من المصريين حول توقيت انخفاض سعر البصل والخضراوات؟ ومتى يتم بيع السجائر بالأسعار الرسمية؟
بينما المصريون ينتظرون كلّ ذلك، اقتصرت الوعود على الإعلان عن زيادات لأجور العاملين بالحكومة والهيئات الاقتصادية وأصحاب المعاشات، وكالعادة توسعت وسائل الإعلام في استعراض الردود الإيجابية على قرار زيادة الأجور من قبل قيادات الأحزاب الورقية، والإشادة بقرار الحاكم رغم التجارب السلبية التي عاشها المصريون مع مثل تلك القرارات منذ فترة الرئيس مبارك وما تلاها، التي عادة ما تعقبها زيادة في معدلات ارتفاع الأسعار بشكل يفوق ما تم من زيادات للأجور والمعاشات.
وهو ما حدث مع قرار مبارك في مايو/ أيار 2008 بزيادة الأجور بنسبة 30%، وما تكرر مع قرار زيادة الأجور في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وفي مارس/ آذار من العام الحالي، حيث زادت معدلات التضخم الرسمي عما كانت عليه قبل زيادات الأجور، وهو ما توقع الخبراء تكراره مع الزيادة الجديدة للأجور والمعاشات خلال الشهور المقبلة، حتى قبل الخفض المرتقب لسعر صرف الجنيه أمام الدولار بعد الانتخابات الرئاسية، الذي سيزيد الأسعار اشتعالا. وبنظرة موضوعية نشير إلى عوامل محدودية تأثير قرار رفع الأجور الجديد.
محدودية قيمة زيادة الأجور والمعاشات
بلغت قيمة الزيادة لأجور العاملين بالحكومة ثلاثمئة جنيه شهريًّا، بينما تخطى سعر كيلو اللحم تلك القيمة منذ شهور، كما أنها تكاد تكفي لشراء طبقين من البيض الذي يحتوي طبقه على ثلاثين بيضة، أي أن الزيادة تكفي لشراء بيضتين للأسرة يوميا، في حين يمكن موظفي الدرجة السادسة -أصحاب أقل الأجور- شراء ثلاث بيضات يوميا، بالزيادة التي تقررت لهم البالغة خمسمئة جنيه شهريا.
لكن الزيادات الجديدة البالغة ثلاثمئة جنيه لأصحاب المعاشات المصروفة من هيئة التأمينات الاجتماعية، لم تكن بنفس القيمة التي سيحصل عليها أصحاب معاشات التضامن الاجتماعي وتكافل وكرامة المصروفة من قبل مديريات التضامن الاجتماعي بالمحافظات، الذين ستزيد قيمة معاشاتهم بنسبة 15%، نظرًا إلى تدني قيمة تلك المعاشات.
وهكذا فإن زيادات الشرائح الأربع لمعاشات الضمان الاجتماعي ستكون 61 جنيها للأسرة المكونة من فرد واحد كالأرملة أو المطلقة، ليصل الإجمالي بعد الزيادة إلى 465 جنيها شهريا، وتبلغ الزيادة للأسرة المكونة من فردين 67.5 جنيها ليصل الإجمالي إلى 517.5 جنيها، وقيمة الزيادة للأسرة المكونة من ثلاثة أفراد 77.5 جنيها ليصل الإجمالي إلى 593 جنيها، وقيمة الزيادة للأسرة المكونة من أربعة أفراد فأكثر 84.5 جنيها، ليصل إجمالي المعاش إلى 647.5 جنيها شهريا.
أما أصحاب معاش تكافل فسيحصلون على 79.5 جنيها، ليصل الإجمالي بعد الزيادة إلى 610 جنيهات، في حين تبلغ زيادة أصحاب معاشات كرامة الخاص بكبار السنّ غير القادرين على العمل والمعاقين 84.5 جنيها ليصل الإجمالي إلى 647.5 جنيها.
وهكذا تظل جميع فئات معاشات الفقراء سواء الضمان الاجتماعي أو تكافل وكرامة، أقل من حد الفقر الخاص ببداية عام 2020 البالغ 857 جنيها للفرد. وقد صرح نائب وزير التخطيط مؤخرا بأن معدل خط الفقر للفرد في مسح الفقر لعام 2021/ 2022، سيتخطى 1400 جنيه للفرد وليس للأسرة كما هو الحال بمعاشات الأسر الفقيرة، أي أن تلك المعاشات بعد الزيادة لن تُخرج تلك الأسر من دائرة الفقر.
صغر مجال الاستفادة من زيادات الأجور
تقتصر زيادات الأجور التي تم الإعلان عنها على العاملين بالحكومة البالغ عددهم 4.5 ملايين شخص، والعاملين بالهيئات الاقتصادية البالغ عددهم 336 ألف شخص أي بإجمالي 4 ملايين و836 ألف شخص، وهو ما يمثل نسبة أقل من 17% من عدد المشتغلين بالبلاد البالغ 28.8 مليون مشتغل منتصف العام الحالي، وهو ما يعني أن 83% من المشتغلين بالقطاع الخاص لن تشملهم الزيادات الجديدة؛ مما سيدفع الكثير من هؤلاء خاصة المهنيين والحرفيين إلى رفع أسعار خدماتهم لتعويض جانب من زيادة الأسعار.
وربما يقول البعض ولكن الزيادة شملت أيضا أعضاء نقابة الصحفيين، بمن فيهم العاملون منهم بالقطاع الخاص، بواقع ثلاثمئة جنيه شهريا، وهنا نذكر أن العدد الإجمالي للمستفيدين من الصحفيين حسب مسؤول بوزارة المالية، يبلغ اثني عشر ألف صحفي فقط شاملًا الصحف القومية والخاصة والحزبية.
مصدر تمويل الزيادة الجديدة للأجور
المصدر السريع للتمويل لزيادات الأجور في حالة عدم وجود احتياطي كاف بالموازنة، يكون عادة من خلال طبع المزيد من النقود، وها هي أرصدة النقد المُصدر خارج خزائن البنك المركزي، قد زادت فيما بين سبتمبر/ أيلول من العام الماضي وأغسطس/ آب الماضي بنحو 205 مليارات جنيه.
ويلي ذلك المزيد من الاقتراض الحكومي من خلال طرح المزيد من أذون وسندات الخزانة، وهو ما أشار إليه فتح اعتماد إضافي بالموازنة في مايو/ أيار من العام الماضي بقيمة 6 مليارات جنيه، ثم فتح اعتماد إضافي بالموازنة في مارس/ آذار الماضي بقيمة 165 مليار جنيه.
وإضافة إلى ذلك شهدت فترة زيادات الأجور منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي حتى الآن، فرض العديد من الضرائب والرسوم، ومن ذلك فرض رسوم جديدة بقانون حماية المنافسة في أواخر العام الماضي، ثم فرض رسم تنمية على أجهزة التليفون المحمول وإكسسواراتها في مارس/ آذار الماضي، ثم إجراء تعديل على قوانين ضرائب الدخل والدمغة ورسم التنمية وضريبة الملاهي في يونيو/ حزيران الماضي، تضمنت زيادات جديدة بتلك الضرائب، وهكذا فإن تمويل زيادات الأجور يكون من جيوب المواطنين.
الفجوة بين زيادات الأجور وانخفاض الجنيه أمام الدولار
تقل نسب الزيادة بالأجور منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي وحتى الزيادة الأخيرة التي لم تتم بعد، عن الزيادة التي حدثت بأسعار السلع والخدمات وخاصة أنواع الغذاء المختلفة، ولهذا كان مطلب الكثيرين: لا نريد زيادة بالأجور ولكننا نريد فقط تثبيت الأسعار ومزيدا من الرقابة.
كما تشير المقارنة بين الزيادة في الحد الأدنى للأجور بالحكومة عام 2014 مع تولى الجنرال بقيمة 1200 جنيه، وبلوغها بعد الزيادة الأخيرة 4000 جنيه، إلى نموها بنسبة 233%، في حين كانت نسبة زيادة سعر صرف الدولار رسميا أمام الجنيه المصري خلال تلك الفترة 341%، وتزيد النسبة حسب سعر السوق السوداء التي يتعامل التجار على أساسها إلى 457% عند سعر 39 جنيها للدولار.
وهكذا فإن قيمة الحد الأدنى للأجور كانت تبلغ 173 دولارا، ثم أصبحت رغم زيادتها حاليا 129.9 دولارا فقط، وينطبق ذلك على باقي شرائح الأجور الحكومية، وهو ما يؤكد استمرار الفجوة بين معدلات ارتفاع أسعار والخدمات الأعلى، ومعدلات ارتفاع قيمة الأجور الأقل.