“بشار” يبحث عن طوق نجاة في بلاد “التنين” الهائج

سافر بشار الأسد رئيس النظام السوري إلى منتجع هانغتشو السياحي شرقي الصين، في زيارة هي الأولى، منذ عشرين عاما، مصطحبا زوجته وبعض وزرائه. وصف إعلام النظام الرحلة، بأنها زيارة دولة، استدعت إرسال بيجين طائرة تجارية صينية خاصة لنقله مع الوفد السياسي والاقتصادي المرافق له، للمشاركة بافتتاح دورة الألعاب الأسيوية 19، التي بدأت السبت بملاعب التنين.
نشرت وسائل الإعلام الصينية صورة استقبال رئيس الصين “شي جين بينغ” لبشار وهم وقوف بإحدى القاعات، والإعلان عن توقيع اتفاقيات “تدفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية”. من عادة الصين دعوة رؤساء دول ووفود أجنبية لحضور المناسبات الدولية المنظمة لها، كان آخرها الأولمبياد الشتوية، التي عقدت مطلع فبراير/شباط 2022، تحت حصار كوفيد-19. حضر الأولمبياد العشرات من الزعماء العرب والعجم، وشهدت زيارة دولة انفردت باستقبال رسمي، من الرئيس الصيني لحليفه الروسي فلاديمير بوتين أثناء محاصرة قواته لأوكرانيا قبل الحدث بأيام، حيث تعهد الدب الروسي لصديقه “شي” ألا يبدأ الحرب قبل انتهاء الأولمبياد.
سنوات العزلة
يبدو بشار الأسد متلهفا لدعم بلد التنين لنظامه، وكسر العزلة التي فرضها المجتمع الدولي حوله، بينما تسعى الصين إلى تجميع الزعماء المنبوذين وأصوات الغاضبين من الولايات المتحدة والغرب، بعد أن خطفت الهند مقعد قيادة دول الجنوب. برز ذلك جليا بقمة مجموعة العشرين الذي عقد مؤخرا بنيودلهي، التي خصصت مقعدا دائما لإفريقيا، وأصدرت بيانا توافقيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ابتعد بشار عن زيارة أصدقائه قسريا، هربا من الملاحقة بلائحة ارتكابه جرائم الحرب، التي أودت بحياة 500 ألف مواطن، وشردت ملايين السوريين، ولكن الذي نعلمه جيدا أن الصين لم تبتعد يوما عن دعم نظامه، طوال سنوات العزلة السارية رسميا.
رأينا الصين تحاول كسر العقوبات المفروضة على نظام بشار، منذ اليوم الأول للحرب الأهلية، فجندت رجالها وعلاقاتها بالدول النامية والغاضبة والمنبوذة بالأمم المتحدة، لوقف إدانة “بشار” بارتكاب جرائم حرب، رغم استخدامه قنابل غاز الكلور السام، ضد المواطنين المدنيين العزل. عايشنا عن قرب تحركات الدبلوماسيين الصينيين بالقاهرة، لوقف تحركات السعودية وقطر والإمارات، بحرمان نظام الأسد من مقعد سوريا بالجامعة العربية، وإقناع المجلس العسكري، بعدم السماح لممثلي “سوريا الحرة” بأن تحل محل سفير”بشار”، رغم فراره من القاهرة، بعد حصار شعبي لمكتبه، بمنطقة الدقي غرب العاصمة.
تحالف بشار و30 يونيو
نجحت الصين في تمتين العلاقة بين نظامي 30 يونيو و”بشار” وإيجاد شراكات بينهما، بما لديها من قوة اقتصادية هائلة وقدرة على الدعم المالي والعيني السريع، التي يتعطش لها الطرفان. كافأت الخارجية الصينية الدبلوماسيين الناشطين، فصعدت 4 من الأصدقاء القدامى، وان كيه جيان وفنغ بياو وشي وتشين الذين شغلوا منصب رؤساء بعثة دبلوماسية بالقاهرة، إلى مرتبة سفير بكل من دمشق ولبنان على فترات متتالية منذ عام 2014 إلى 2022. أثبت هؤلاء قدراتهم السياسية بالمنطقة، بما يملكونه من اتقان للغة العربية، والقدرة على مساعدة بشار، في الهروب من العقوبات الدولية، وكسر العزلة التي فرضها العرب، حتى عاد إليه مقعد سوريا بالجامعة العربية، وأصبح مرحبا به بعواصم أججت الثورة ضده.
يبحث بشار عن فرص الاستثمار الصيني ومساعدته لإعادة إعمار المدن التي دمرها في الحرب الأهلية، بينما الاقتصاد الصيني يعاني من أزمة ثقة، يركز التنين على ما هو أهم. تريد الصين عودة شركاتها إلى قطاع النفط الذي دخلته عام 2008، وأجبرتها الحرب على التوقف عام 2013، ثم رحيل شركتها الحكومية “سينوبك” 2016، لتوضع تحت حماية القوات الكردية شمال سوريا.
استبقت الصين زيارة بشار بعودة شركاتها إلى سوريا عام 2019، ومزاحمة الشركات الأوروبية للحصول على عقود بتطوير قطاعات البترول والكيماويات والتكنولوجيا، التي هدمتها الحرب. عكس اللقاء السريع بين “شي” وبشار التغيرات الجوهرية التي طرأت داخل الصين وسياساتها الخارجية بسنوات العزلة، التي فرضت بإرادة أمريكية وغربية على سوريا والتحولات التي أقحمت روسيا وإيران وتركيا والكيان الصهيوني والقوات الكردية المتنوعة على أرض الشام.
تنقب الصين عن شركات محلية تؤمن لها السيطرة على النفط، المتعطشة لإمداداته السخية. تعلم أن الأمر لم يعد في يد بشار، وأنها بحاجة إلى تأمين مصالحها بموافقة الجهات الدولية والمحلية المؤثرة، خاصة الأمريكية التي لديها قوات عسكرية على الأرض، وتحرك بالتبعية مجموعات كردية، وتحدد مسارات التدخلات الإيرانية والإسرائيلية والتركية.
قروض الدولار و”الرز”
تعاني الصين من صراعات داخلية على السلطة، اختفى خلالها وزيرا الخارجية والدفاع، وتحولات سياسية سريعة بالمنطقة، وما يدهش “شي” -كما رواها لنا أحد مستشاريه- أن بشار يطلب ما تقدم به قبل رئيس عربي دعاه “شي”، لحضور قمة دول الحزام والطريق عام 2016، فإذا به يسأله إقراضه 40 مليار دولار نقدا، ليحل به أزمته المالية وينفذ مشروعاته الطموحة.
يسخر الصينيون من “العشم الزائد” الذي يبديه قادة عرب لمجرد امتلاكهم فوائض بالدولار مثل “الرز”، لأنها ما زالت بالمرتبة 76 عالميا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتبدي انزعاجا من طلب الولايات المتحدة بتحويلها من قوائم الدول النامية إلى قائمة الأغنياء.
يشتهر الصينيون بأنهم من أكثر الشعوب ميلا للادخار، الذي يحقق فوائض تبلغ 40% من الناتج الإجمالي، بدولة دخلها 20 تريليون دولار، يمكنها بسهولة توفير 2 تريليون دولار للاستثمار سنويا. توجه الصين الفوائض لحماية الصناعات المحلية ضد المنافسة الأجنبية، وهو أمر يجعلها توظف أموالها لخدمة شركات الدولة، التي تأتي بعمالها ومعداتها ومنتجاتها، لإقامة مشروعات للعرب وغيرهم مقابل المال والنفوذ، فإذ لم تجد الهدفين فلما ترجع بقوة إلى نظام عاجز عن حماية رجاله ومصالحهم؟!
يظن بشار أن بلاد التنين ستصبح له طوق نجاة، ولا يعلم أن زخم الإقراض الصيني يتلاشى، بعد أن بلغت بلاد التنين نهاية الطريق، فالصين يهددها الركود بعد إنفاق أموال باهظة على مشروعات بنية أساسية غير مربحة، وعقارات بمدن أشباح، فجرت فقاعة مالية هائلة، واستثمارات مدفوعة بالائتمان، دون استهلاك حقيقي يخلق طلبا على سلع ويزيد الإنتاج، ونظام يكبح القطاع الخاص، بحثا عن الاستقرار الأمني دون الاستمرار بالنمو، ويغلق أبواب الحرية والابتكار.