فلسطين.. أغنية وبندقية وشهيد

حسين منذر

ثلاثية الوطن المحرر لا تخطو أمة بدونها، تلك الثلاثية التي نسمع بها في قطعة أرض وحيدة في الوطن العربي، في فلسطين لا يمضي يوم إلا وهناك شهيد يروي دماء أرضها بالدم سبيل الحرية وعنوان الشعوب الحية وهي تناضل من أجل تحريرها على مدار التاريخ، تحاول الآلة الصهيونية المدججة بأحدث الأسلحة أن تدهس روح المقاومة في كل لحظة فيسقط شهيد على الأرض، شهداء يتساقطون ولكنهم يعطون الأمل لشعب يأبى أن يستسلم مهما بلغت قوة الأسلحة.

لا تتراجع الغطرسة الصهيونية عن القيام بعمليات اجتياح ضخمة نتابعها كل أيام عدة من أجل القبض على مناضل أو اثنين تتصور أنهما مفتاح المقاومة الفلسطينية، وعناوين حملة البندقية التي لا تهدأ من أجل الحرية، ويحمل شباب فلسطين البندقية في مواجهة الاجتياح وفي طريق التحرر، حتى صارت مساحة صغيرة في فلسطين اسمها جنين عنوانا للمقاومة والشهداء والبطولة.

خلال تلك الأحداث تبدو أغاني الحرية والصمود والانتصار متلازمة مع المقاوم ببندقيته، والشهيد الذي يغطي جسده علم الوطن المحرر، وأغاني الشعب الفلسطيني أنشودة بعمر الزمن لا تتوقف الأم في فلسطين عن ترديدها في أذن طفل فلسطين البطل، هذا الطفل الذي لا يعرف طريقا إلا المقاومة، وتستطيع أن تميز تلك الأناشيد والأغاني من موسيقاها وأنت في أي مكان بالعالم، ففي ليالي المقاومين وأثناء راحتهم الليلية يسمع صوت الثورة المستمرة صوت المغني الفلسطيني.

يرحل المغني وتبقى الأغنية

لا تختفي أغنية الثورة بغياب منشدها، في الأسبوع الفائت فقدت الأغنية الفلسطينية واحد من أهم منشديها، الذي لازم ثورة التحرير المستمرة على مدار سنوات طويلة، غاب حسين المنذر عن ساحة المشاركة بوفاته في دمشق بسوريا الأحد الماضي، وقدم المنذر عبر تاريخه أكثر من 300 أغنية ونشيد للمقاومة في فلسطين، ومات بعيدا عن وطن عاش يحلم أن يعود إليه، ويعود الوطن لأبنائه، أبناء منذر وأبناء الوطن.

حسين منذر مؤسس وقائد فرقة العاشقين، وقد أسس الفرقة في عام 1978 في لبنان التي عاش فيها طويلا كمواطن يحمل الجنسية اللبنانية، وغنت الفرقة لفلسطين والمقاومة منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، ولظروف الحرب الأهلية في لبنان توقفت الفرقة عن العروض المسرحية بعد أول عرض مسرحي لها (المؤسسة الوطنية للجنون) تأليف سميح القاسم، ولكن الفرقة عادت مرة أخرى لتقديم أعمالها في دمشق وعدد من الدول العربية في عام 2009، وعبرت الفرقة خلال مسيرتها عن مشوار نضال الشعب الفلسطيني خلال تلك السنوات التي قاربت نصف قرن.

جنين آخر أغنياته

على نور الهدي كبروا وشابوا

وزي النار في الأوطان شبوا

بيضحي الأب.. بيجي بعده شابه

يرد الذل عن أرض العرب

تعود حسين منذر (أبو علي) الفلسطيني الأصل لبناني الجنسية أن يبدأ أغانيه بموال يصدح فيه بصوته الجبلي القوي الذي ورثه عن أبيه، هذا الصوت الذي يعبر عن الفلسطيني الثائر ومشاعره من حب وغضب وأسى وحنين، الموال السابق ختام أغنية رصاص العز أخر أغنيات حسين منذر وقد غناها لأبطال جنين بعد الأحداث التي مرت بها في الاجتياح الصهيوني، وقد مات حسين منذر في ليلة كانت قوات الاحتلال تجتاح جنين واستشهد شابان في تلك الليلة وقد وصفهم أبو علي في الأغنية:

يا أبو النخوة والهيبة.. هي يا ملثم

جهز عدة وذخيرة.. قوم اتقدم

عهد رجال الكتيبة.. الدم بدم

نحمي ترابك جنين والمخيم.. احنا وقفنا بوجه الموت

يوم الوطن نادانا.. جنين بتقلب بيروت

بساح الوغى شجعانا

كأن المغني في أغنيته التي غناها منذ أشهر يصف عطا ياسر موسى، وضرغام محمد الأخرس اللذين استشهدا ليلة الأربعاء الماضي وفي صباحه برصاص الاحتلال الصهيوني يعملان برسم الفنان الفلسطيني شاعرا ومغني، فهم شبوا على نور الهدى وكبروا، كما نار الوطن كبروا وشبوا.

قد يكون الشابان أكملا مسيرة أبائهم في رد الذل عن بلاد العرب جميعا، فجنين ورفاقها من أراضي فلسطين المحررة هي رمز الكرامة العربية بشبابها الذين يستشهدون كل ليلة وكل صباح، وهذا الامتزاج بين الأغنية والبندقية والشهداء هو الذي يصنع ملحمة الأرض المحررة الوحيدة في الوطن العربية.

بينما تدفع فلسطين بقراها وأحيائها، بشبابها ورجالها الدم ضريبة الحرية والوطن الذي سيعود يوما ما لا زالت الأنظمة العربية تهرول نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى أن حركة المقاومة الإسلامية حماس أصدرت هذا بعد أحداث جنين ووفاة حسين منذر بيومين نداء لكل الأنظمة العربية أن توقف قطار التطبيع السريع الذي يجري في أوطان العرب برعاية أمريكية، ومهما قيل من كلمات عن القضية فإنها مجرد كلمات لا تسمن ولا تغني، فلا يحرر الأوطان سوى طلقات أغنية بكلمات (يرد الذل عن أرض العرب) وبندقية تدافع عن الأرض، وشهداء يرون بدمائهم الأراضي التي ستصبح وطنا حرا قريبا.

جود بدمك يالنشمي.. هي يا أبو الجود

مزيّن صدره بالجعبة.. وطلق البارود

شيل البارود اتجهز.. ارمي الجنود

كتيبتنا مظفرة.. وعرين أسود

احنا ندق طبول الحرب.. يوم العركة بتلقانا

جيش العادي انهدوا هد.. ونزلزل له أركانه

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان