“العبودية الحديثة” أول صدمات “بريكس” وحلفائه

الرئيس الصيني (يمين) والرئيس الروسي (يسار) وفي الوسط رئيس الوزراء الهندي على هامش قمة سابقة.

 

وسط حفاوة عربية بموافقة مجموعة دول “بريكس” على ضم عدد من الدول، لعضوية كيان غير محدد الهوية، تسعى الصين لجعله نظاما عالميا جديدا أكثر عدالة، وجهت بيجين ضربة قوية لحلفائها، من الدول العربية والإسلامية وكذلك الهند.

في طريق عودته من جوهانسبرغ حيث انتهت قمة “بريكس” الـ15، توجه رئيس الصين شي جينبنغ مباشرة، إلى إقليم “شينجيانغ” ذي الأغلبية من المسلمين الأويغور والقازاق. كان عجبا أن يتخذ “شي” مسارا معاكسا للطيران، باتجاه عاصمته، من جنوب الكرة الأرضية، فيطير إلى أقصى الشمال، ليهبط بغرب الصين، بدلا من شرقها، في زيارة غير معلنة، لشينجيانغ، ويجتمع بقيادات حزبه الحاكم، ليعلن عن خطط أشد عنفا تجاه المسلمين.

قال “شي” في خطاب ألقاه بمدينة “أورومتشي” عاصمة الإقليم، إنه “سيواصل إضفاء الطابع الصيني على الإسلام، بما يتعين علينا أن نجمع بين مكافحة الإرهاب والنضال ضد الانفصالية، والجهود القانونية والمنظمة للحفاظ على الاستقرار”. أضاف “شي” أن الصين “ستواصل تعليم الأويغور اللغة الصينية الفصحى (الماندارين) وإعادة تخصيصهم للعمل في مجموعات خارج المنطقة”.

 

“تصيين الإسلام”

 

جاءت كلمة “شي” كاشفة للسياسات العنيفة التي ينتهجها النظام الشيوعي، مع مسلمي “تركستان الشرقية” الخاضعة رسميا لإدارة ذاتية الحكم، منذ أصبحت جزءً من جمهورية الصين الشعبية، وتفاقمت منذ 2017. فعملية “تصيين الإسلام”، وفقا للنهج الذي يروجه “شي” عبر الإعلام الرسمي، يسلبهم حكمهم الذاتي، ويجبرهم على التحدث بالماندارين دون غيرها قسرا، وارتداء ملابس “الهان” الذين يشكلون 90% من تعداد السكان، والتصرف على شاكلتهم اليومية، بما فيها معاقرة الخمر والزواج غير المقيد بالدين، ومنع اللحية وارتداء النساء للملابس المحتشمة، والجلباب وغطاء الرأس للرجال، وصيام رمضان، وتعلم القرآن، ودخول المساجد بدون ترخيص مع إزالة المنارات والقباب، لتصبح على طراز البرغودا بالمعابد البوذية.

“تصيين الإسلام” هو تعبير رسمي يستهدف أن تصبح ممارسة الشعائر الإسلامية، مصبوغة بأوامر الحزب الشيوعي، وأن يلتزم المسلمون بأحكام يضعها وفق مبادئه تجتث التراث الإنساني للأقلية المسلمة، دون غيرهم من الأقليات، وتمحو أي أثر للدين أو اللغة التركية ذات الحرف العربي، بحياتهم اليومية.

تعتبر اللغات غير الصينية، والشعائر الدينية والتراث الشعبي بما فيه من موسيقى وملابس شرقية، من وجهة نظر الرئيس “شكلا من أشكال التمايز عن الأغلبية الهان”، التي تدين غالبيتها بالبوذية أو الطاوية، بينما الدولة تتبني تراثا كونفوشيا، ورسميا الإلحاد الماركسي-اللينيني.

 

محاولة اغتيال الرئيس

 

لم تمثل كلمة “شي” خروجا عن تعهد الحزب الشيوعي بمنح الأقليات العرقية والدينية حق الحفاظ على تراثها الثقافي والاجتماعي، عندما دخل بجيشه من تحالف الفلاحين والمتطوعين -منهم مسلمون- إلى العاصمة بيجين في أكتوبر 1949 فحسب، بل مثلت تحديا للمجتمع الدولي بأسره.

فقد خضعت سياسيات “شي” في شينجيانغ، على مدار سنوات للتدقيق الدولي، بلغت ذروتها بصدور تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، عام 2021، يدين ارتكاب الصين جرائم ضد الإنسانية، أسمته الخارجية الأمريكية ” إبادة جماعية” للأقلية المسلمة بالمنطقة. توثق المعارضة الصينية بالخارج، سفر “شي” المفاجئ لأورومتشي، بفيديو مسرب على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر محاولة دخول أحد الأفراد عنوة، على الرئيس فقبض عليه حارسه الشخصي. امتنع “شي” عن الظهور بالجلسة الافتتاحية لقمة “BRICS 15” وكلف وزير التجارة بإلقاء كلمة الصين بدلا منه، رغم أهمية وجوده بقمة “بريكس” التي لم يغب عنها مطلقا.

تبين المعارضة أن “شي” بَدلَ مسار رحلته، لشعوره بمخاوف تعرضه للاغتيال بجنوب إفريقيا، فأراد توجيه رسالة إلى خصومه بالداخل، بقدرته على ممارسة مهامه وتجاهله الانتقادات التي يثيرها المنافسون بالحزب، حول تدهور اقتصاده العملاق، بما يشعل الغضب بين شباب العاطلين وكبار السن غير القادرين على مواجهة تردي أحوال المعيشة.

 

معسكرات العمل القسري

 

يحب “شي” الخطابة والأحاديث المطولة مع المفتونين بتعصبه الأعمى، أعضاء الحزب والأغلبية من القوميين الهان، ولكن وجوده بمنطقة يعتبرها النظام خطرا على حياته، لا تأتي مصادفة، فقد شهدت أورومتشي محاولة اغتياله عام 2017، ولم يزرها إلا سرا ولمرة واحدة، منذ أشهر عدة.

لقد جاء “شي” إلى شينجيانغ قبل انعقاد قمة العشرين بنيودلهي، حيث يرفض تأكيد حضوره القمة المنعقدة، الأسبوع المقبل. فالهند أصبحت، منافسة له على قيادة “بريكس”. دب الخلاف بين قادة التحالف الهش، بعد رفض الهند توسيع عضوية “بريكس” كما يريد، وأيقن أنها لن تمكنه من تشكيل تحالف سياسي، يعيد هندسة نظامه العالمي المنتظر، وفقا لرؤيته المتطابقة مع روسيا.

تظهر الهند تحديا للقوة الصينية الصاعدة، لذا سمحت أن تناقش مجموعة العشرين باجتماعها القادم تقريرا عن “العبودية الحديثة” التي تجري عبر سلاسل توريد دولية تروج لمصانع ملابس صينية، تجبر الأويغور على العمل قسريا.

رصدت مؤسسات بحثية وتقارير صحفية ميدانية، عام 2020، تشغيل نحو مليون إيغوري بمعسكرات عمل قسري، تحت التعذيب والسجن. من المقرر أن تصبح القضية، التي ترتكبها سلاسل توريد القطن وشركات الأزياء العالمية، محل نقاش ناشطين ومنظمات دولية، المجتمعة بنيو دلهي.

 

“شي” بمواجهة الهند

 

رصد مؤشر “شفافية الموضة” لعام 2023، نشرته “رويترز” الأسبوع الماضي، أن 23% من العلامات التجارية الكبرى، تشارك في انتشار انتهاكات العبودية الحديثة، وأن واردات الملابس التي تبلغ قيمتها 468 مليار دولار، تمر عبر مجموعة دول العشرين، منها الصين والهند والبرازيل وروسيا وتركيا والولايات المتحدة وكندا وكوريا الجنوبية. تمثل القضية معضلة صعبة لاقتصاد الصين وشركات الملابس والأزياء العالمية، لأن شينجيانغ تنتج 20% من القطن بالعالم، و80% من القطن الصيني، وتسبب تنفيذ الولايات المتحدة لقانون العمل القسري الإيغوري الصادر 2022، بمنع 49% من واردات الملابس والأحذية والمنسوجات الصينية من دخول الأسواق الدولية.

يبدو “شي” غاضبا من الهند التي ساعدت خصومه على ملاحقة سياساته العنصرية، في وقت تتهرب الشركات العالمية، من المساءلة وتخفيض استثماراتها لدى بيجين، خوفا من عقوبات دولية إضافية، تخشى الصين أن تذهب آثارها بعيدا بما يجهض “بريكس” ونمو اقتصادها ومشروعها السياسي لصناعة نظام عالمي جديد.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان