علي بونغو وانتخاباته الرئاسية

لم يعتقد الرئيس الغابوني لحظة واحدة أنه يحتاج إلى الوصول إلى شعبه من أجل كسب أصواته كما في دول العالم المتقدمة، ظن بونغو أنه يمتلك الدولة وما، ومن عليها، فهو يدخل الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي بعد دورتين رئاسيتين استطاع فيها أن يحقق نجاحا باهرا بطرق يعرفها جيدا ونظام حكمه، 14 عاما ويحكم السيد علي بونغو الدولة التي ورثها عن أباه وجده، فهي دولتهم الموروثة طويلا منذ منتصف القرن الماضي.
عائلة بونغو
أعتادت عائلة بونغو طرق النجاح، فهناك منظومة كاملة تعمل عليه منذ سنوات، تلك المنظومة التي تبدأ بإعلام يمجد الرئيس طوال الوقت ويشيد بحكمته (بحكمتك تغتال علينا) كما تقول الفنانة المصرية شويكار في مسرحية سيدتي الجميلة لخديوي مصر.
أداء الرئيس بونغو لا يهم أن يرضى عليه الشعب مدام سيدة قراره أو رعايته ترضى عنه فهناك دولة استعمرت أرض بلاده قرن من الزمان تدعمه كما دعمت أباه وجده بعد تحريرها، ففي دول إفريقيا يذهب المحتل ويترك وراءه نوابا عنه، حتى إذا تجرأ شعب وحاول النهوض تتحين تلك الدولة الفرصة لكي تعود مرة أخرى لتسيطر على الدولة التي استعمرت واستنزفت ثرواتها.
تلك العودة التي تتم بوسائل غير شرعية بمساعدة أطماع بعض أفراد الدولة المستعمرة سابقا، ليتم التخلص من الرئيس الذي يسعى إلى خلاص دولته من الاستعمار وتحريره، وسريعا تعود الأوضاع كما كانت، رئيس موالي للدولة المستعمرة وثروات بلاد تنزح لتسافر عبر البحار والمحيطات إلى المستعمر لتسهم في تقدمه ورقيه، بينما يظل الشعب الغابوني، المالي، البوركيني، النيجيري، المصري، الليبي يئن تحت الفقر والجهل والمرض.
أعتاد بونغو كما كل بونغو في رقعة إفريقيا إدارة عملية الانتخابات الرئاسية كما انتخابات النواب والمحليات عن طريق منظومة شرطية أو محلية تعيش تحت شعار (مات بونغو.. عاش بونغو) تلك المنظومة التي لا ترى إلا كرسي الرئاسة لا يهم من يجلس عليه حتى لو كان (أبو عزة السكير الجاهل) كما في مسرحية الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس الملك هو الملك.
ففي بعض الدول ولدى كثير من رجال البلاط والسلطة في جمهوريات الممالك أهم شيء هو أن يظل كرسي الرئيس مشغولا بأحد الاشخاص، لا يهم مواصفاته أو ميزاته، حكيما كان أو مجنونا، جاء بانتخابات أم جاء عبر صدفة، أو انقلاب على سلطة منتخبة.
لم يجد بونغو حرجا في لحظة من اللحظات وفي ظل انتشار موجة الديمقراطية في العالم وتحت ضغط صراعات ومنافسات عالمية أن يرفع شعار الديمقراطية ويعلن تعديلات دستورية، أو يصدر قوانين لإشراف القضاء على الانتخابات ليجاري العالم في إشراف القضاء على العملية الانتخابية، لكنه قضاء اختاره بونغو على يديه، روضه كما تروض الأشياء فأصبح يرى ما يراه بونغو ويحكم كما حكمة الرئيس القائد الذي لا يخطئ أبدا.
لا مانع إذن من لجنة انتخابية ممتدة تشرف على انتخاب السيد علي وتعلن النتيجة التي تراها حكمة السيد الرئيس لا السيد المرشح، فالسيد بونغو حتى وهو مرشح هو الرئيس، يلقبه الإعلام بالسيد الرئيس، تتعامل معه مؤسسات الدولة أنه الحاكم، وزرائه ينفذون أوامر على أنه الرئيس الحالي والمستقبلي.
لا فرق هي مجرد ساعات حتى يعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات الذي عين بقرار من سيادته أن سيادته عاد لممارسة أعماله كرئيس لفترة جديدة ولمدد أخرى جديدة، إذا تعثرت الأمور وكانت مدة فلا مانع من ظهور تيار يناشد الحاكم المالك الرئيس المترئس أن يتعطف على شعبه المسكين ليعدل حرف التاء المربوطة لتصبح حرف الدال، فحرف واحد في الكلمة لا يغير كثيرا لكنه سينقذ الشعب، هكذا يدعون على شعوب أماتها الفقر والجهل والمرض.
انتخابات علي بونغو
لا تعترف منظومة علي بونغو بحق الشعب في الانتخابات فهو شعب غير مؤهل لممارسة الديمقراطية، شعب لم يفطم بعد من الرضاعة، لذا فكل الأجواء الممهدة لعملية انتخابية جديرة بشعوب دول الاستعمار لا تليق بشعوب مستعمرة، ومن هنا فإن حرية الشعوب في التعبير عن أحلامها وطموحها لا مكان لها في عرف منظومة بونغو الحاكمة، تختفي في جمهورية بونغو حرية الرأي والتعبير، حق التجمع، حق الالتقاء بالجماهير.
أما إذا تجرأ أحدهم وأعلن عن حقه في التعبير عن أرائه فالسيد بونغو بني له سجنا خمس نجوم وسماه المستقبل ليستطيع صاحب الرأي ورفاقه التعبير بكامل الحرية عن آرائهم على حوائط الزنازين، أو أي مرشح يحاول أن يلتقي بناخبيه في جمهورية السيد بونغو فلا مانع من ظهور أحد المواطنين الشرفاء الوطنيين ليعترضه أو يحاول الاعتداء عليه، وما أكثر الذين يحبون الوطن الغابوني ويفتدون الرئيس بونغو بأرواحهم من أجل الوطن.
يجب حجب أي مواطن يعتقد في إمكانية الترشح للرئاسة هذا الحجب الذي يبدأ بحملات تشويه المواطن وتنتهي بسجنه سنوات لأنه طالب بحرية الرأي والتعبير في حوار تليفزيوني، علي بونغو وسياساته منهج لا تقف حدوده عند دولته الغابونية، بل تمتد وتتوغل وتنتشر.
وفي دولة السيد الغابوني تعمل كل مؤسساته أو مؤسسات الدولة لا فرق كبير على دعم السيد الرئيس فتقوم الإدارات المحلية بإجبار كبار رجال الأعمال والنهب على كتابة لافتات لتطالب السيد بونغو بالاستمرار في مسيرته لاستكمال إنجازاته، كذلك ينادي أعضاء مجالس النواب والشيوخ والأطفال سيادته من أجل الأطفال والرجال والنساء العجائز في جبال وصحاري الغابون ليترشح ولا يتركهم لرئيس مجهول فـ(اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش) هذا شعار الشعوب الميتة.
انتخابات على بونغو لا تعرف معنى نزاهة الانتخابات سوى أنها حكمة السيد الحاكم، فالإشراف عليها يتم عبر مؤسسات قام السيد علي بونغو بتربيتها وتسمينها لكي ترد له الجميل في تلك اللحظة، ولا مانع من تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات من الطعن على قراراتها أمام أي قضاء في البلاد.
أما إذا تجرأ احد وطالب بإشراف دولي على الانتخابات فهو عديم الاستقلال الوطني ويطعن في شرف الأمة، كأن ثروات البلاد التي تحمل يوميا إلى دول الإشراف الدولي ليست طعنا في هذه السيادة، وكأن ولاء السيد بونغو لراعيه الخارجي ليست طعنا.
أما والحال هكذا والدول التي تصل إليها ثروات الدولة الغابونية ال بونغويه راضية عن السيد الرئيس فهي داعمة له وإذا حدث انقلاب عليه أو خرجت الجماهير تدعم الانقلاب عليه أو نندد بتزوير الانتخابات فالدولة الأم تطالب بدحض الانقلاب وعودة الرئيس الشرعي الذي تم انتخابه بالانتخاب الحر، هذا الذي تم بمعايير واحد فقط في الدولة هو السيد بونغو.