ورطة الشّيخ ربيع المدخلي مع سيّد قطب
يمثل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي تنسب تسمية المدخليّة أو المداخلة إليه، نموذج عداء الجاميّة المدخليّة لسيّد قطب الذي يمكننا دون مبالغة أن نصفه بأنه “عدوّ الجاميّة الأوّل”، ولكن هذا العداء الشرس أوقع الشيخ ربيع في ورطات تكشف عن الكثير ممّا يتلبس به هذا التيّار كلّه في التعامل مع الآخرين إرضاءً وتقديسًا لوليّ الأمر.
الورطة في الأمانة العلميّة
ألّف الشيخ ربيع كتابًا أسماه “أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره”؛ وقبل أن ينشره أرسله إلى الشّيخ بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء والمدرّس في المسجد النبويّ وتودّد إليه طامعًا في أن يكتب مقدّمةً وتقريظًا للكتاب الذي يترقّبه الأتباع على أحرّ من الجمر.
بعدَ فترةٍ يسيرةٍ ردّ الشّيخ بكر أبو زيد على طلب الشّيخ ربيع في رسالةٍ طويلةٍ جاء فيها:
“نظرت في أول صفحة من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصولَ الكفر والإلحاد والزندقة، القولَ بوحدة الوجود، القولَ بخلق القرآن، يجوزُ لغير الله أن يشرع، غلوّه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكّك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات؛ إلى آخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.
وأسفتُ على أحوالِ علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبّهوا على هذه الموبقات!!
وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشّمس، وعامّتهم يستفيدون منها، حتى أنتَ في بعض ما كتبت!!
عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذّبه الخبر، ونهايتها بالجملةِ عناوين استفزازيّة تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيّد رحمه الله، وإنّي أكره لي ولكم ولكلّ مسلم مواطن الإثم والجناح، وإنّ من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.
ويتابع قائلًا: “نظرتُ فوجدت هذا الكتاب يفتقد: أصـول البحث العلمي، الحيدة العلمية، منهج النّقد، أمانة النقل والعلم، عـدم هضم الحق؛ أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمتّ إلى الكتاب بهاجس”.
كما يقول في إحدى الفقرات: “لقد اقشعرّ جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم “سيد قطب يجيز لغير الله أن يشرع”، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه “العدالة الاجتماعية” وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أنّ فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحوّلها إلى مؤاخذة مكفّرة، تنسف ما بنى عليه سيّد حياته ووظّف له قلمه من الدّعوة إلى توحيد الله تعالى في الحكم والتشريع ورفض سنّ القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك”.
وقع الرّدّ المفاجئُ لربيع المدخلي على نفسه كالصّاعقة ومع ذلك ألقاه وراء ظهره وطبع الكتاب ونشره، ثمّ سلّط قلمه واستنفر أتباعه في الردّ على الشّيخ بكر أبو زيد والوقيعة به ونعته بأبشع الأوصاف وهو الذي كان يتودّد له ويستجديه قبل أيّامٍ ليزيّن صدر كتابه بمقدّمةٍ منه.
الورطة في الهياج النفسي والتهييج الفاقد للتوازن
لقد كشف تعامل الشّيخ ربيع المدخلي مع سيّد قطب بشكل جليّ عن تحكيم الأحقاد الضيّقة وفقدان التوازن تحت وطأة الهياج غير العقلاني والتهييج الذي يتمّ إلباسه ثوب الذّود عن الشريعة وعقيدة التوحيد.
من الكتب التي ألّفها الشّيخ ربيع “مطاعن سيّد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم”، ويقول فيه مبينًا دوافعه لتأليف الكتاب:
“إصرار المشرفين على تراثه، وعلى رأسهم محمّد قطب، على طبع كتبه والإلحاح على ذلك، بحيث يطبع كلّ كتاب من كتبه المرّات العديدة، فهذا “الظلال” الذي جمع فأوعى من ألوان البدع الشّيء الكثير، وقد طبع سبع عشرة مرة، وهذا كتاب “معالم في الطريق” قد طبع خمس عشرة مرّة، وهذا كتاب “العدالة الاجتماعيّة” قد طبع اثنتي عشرة طبعة، وهناك طبعات أخرى غير شرعيّة لهذا الكتاب.
وهكذا سائر كتبه مع ما حوته من باطل وبدع عظيمة حظيت بما لم تحظَ به مؤلّفات أئمّة الإسلام الكبار كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان والدّارقطني وابن تيمية وابن القيّم والذّهبي وابن عبد الوهاب وغيرهم من أئمة الإسلام، وما ذلك إلّا نتيجة التّدليس على الأمّة، والدّعايات الضّخمة لترويج هذه الكتب وأمثالها وترويج ما فيها من عقائد وأفكار”.
واليسير من النظر في كلام الشيخ ربيع يجد ما يشبه التصريح بأنَّ القضيّة عنده ليست في الرّدّ على ما أسماها مطاعن سيّد قطب في الصّحابة الكرام، بل إن المراد هو نقض كلّ ما كتبه سيّد قطب بل تهديم وتحطيم سيّد قطب نفسه، لدرجة أنّ الشيخ ربيع لم يستطع كتم غضبه وحنقه من انتشار كتب وأفكار الأستاذ الشّهيد.
وقد أسهب الشيخ ربيع في تسطير الكتب عن سيّد قطب في محاولات نقضه؛ فمن مؤلّفاته أيضًا كتاب “نظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وكتاب “نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب”، وكتاب “العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم”، وكتاب “الحدّ الفاصل بين الحقّ والباطل”، وكتاب “ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته ثمّ ردمه”.
وقد كان الهياج وفقدان التوازن النفسي ظاهرًا في عموم ما كتبه في سيّد قطب، حتّى إنّ الشيخ بكر أبو زيد في رسالته له حول “أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره” يقول: “إن الكتاب من أوله إلى آخره يجري على وتيرة واحدة وهي أنه بنفس متوترة وتهييج مستمر، ووثبة تضغط على النّص حتى يتولّد منه الأخطاء الكبار، وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال؛ وهذا نكث لمنهج النقد؛ الحيدة العلمية”.
ويقول: “لقد طغى أسلوب التهييج والفزع على المنهج العلمي النقدي، ولهذا افتقد الرد أدب الحوار، في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا؟”.
إنّ ورطة الشيخ ربيع المدخلي مع سيد قطب تكشف عن ورطة المدخليّة الجاميّة مع خصومها ومخالفيها، وفقدانها المنهج العلمي والتوازن النفسي والارتكاز على الهياج والتهييج، ويأتي كلّ هذا إنفاذًا للعصبيّات الضيّقة وإرضاءً لوليّ الأمر.