من الحجاب إلى العباءة.. فرنسا والعداء للإسلام!

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلتقي بأطفال المدارس خلال زيارته لمدرسة
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلتقي بأطفال المدارس خلال زيارته لمدرسة

 

من الحجاب إلى العباءة، معارك فرنسا لن تنتهي ضد الإسلام والمسلمين بدعوى الحفاظ على قيم الجمهورية والعلمانية الفرنسية.

فرغم التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها أوروبا، يبدو واضحًا موقف فرنسا المتصلب من الإسلام والمسلمين، الذي يزداد حدة مع مرور الوقت، ويتواكب مع أزمات ومشكلات داخلية، وخسائر، وفقدان للنفوذ الفرنسي على المستوى الخارجي.

فرنسا بلد يبلغ تعداد سكانها ما يزيد على 65 مليون نسمة، ويعد الإسلام هو الديانة الثانية في البلاد، ويمثل المسلمون نحو 10% تقريبًا من مجموع السكان، بحسب بعض التقديرات، وتعد الجالية المسلمة في فرنسا هي الأكبر في أوروبا.

ورغم النسبة المعتبرة التي يمثلها المسلمون في فرنسا، فإنهم يعانون من التعصب واستشراء موجة كراهية تجاههم، ويمكن القول إن العلمانية الفرنسية الشديدة التطرف فيما يخص الإسلام والمسلمين، وتمارس ديكتاتورية فجة، عبر حصار كل ما يمت للإسلام بالقوانين والإجراءات بدعوى الحفاظ على تماسك الدولة الفرنسية.

على مدار الفترة الماضية، شهدت رئاسيات وحكومات فرنسية مختلفة هوسًا وتعصبًا تجاه الإسلام، لا تفسير له سوى أنه ينطلق من ماضٍ استعماري يستدعي الإسلام للهجوم على القيم الإسلامية، حتى أصبح الأمر ركيزة أساسية مقبولة، تتستر بدعوى الدفاع عن العلمانية، وقيم الجمهورية.

وقد تطور الأمر وزادت حدته مع الصعود المتنامي لليمين في فرنسا، حتى أصبح الهجوم على الإسلام، واستدعاء كل ما له صلة بالقيم الإسلامية -ولو من بعيد- والنيل منه وسيلة مضمونة ومفضلة لدى كثير من الأحزاب الفرنسية لكسب أصوات الناخبين، وهنا مكمن المشكلة، وما قد يفسر جانبًا مهمًا من تصاعد هذه الحرب العبثية ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا.

الإسلام السياسي وحظر الحجاب في المدارس الفرنسية

في عام 1989، وتحديدًا في أكتوبر/تشرين الأول، وتزامنًا مع الذكرى المئوية للثورة الفرنسية، كانت البداية لدخول الإسلام المجال العام في فرنسا، لتتحول معارك الدولة العلمانية نحو الإسلام والمسلمين، وذلك عندما تفجرت قضية الحجاب في المدارس الفرنسية، على وقع رفض ثلاث فتيات مسلمات في إحدى المدارس شمال باريس، خلع الحجاب، وبحسب ما نُشر وقتها، فقد علقت مديرة المدرسة على موقف الفتيات المسلمات بقولها إن الحجاب ينتهك حيادية الأماكن العامة التي تُعدُ المدرسة واحدة منها!

وقد واكب ذلك حملة إعلامية جعلت من الحجاب رمزًا شكليًا للإسلام السياسي، حيث تناولت الواقعة مجلة “لو نوفيل أوبسرفاتور” الأسبوعية المؤثرة، وصدرت على غلافها صورة لفتاة صغيرة ترتدي حجابًا أسود، وكتبت أسفل منها عنوان “التعصب والتهديد الديني”.

ومن المفارقات، أنه في عام 2021، تعرضت مرشحة مسلمة للتوبيخ من حزب ماكرون، “الجمهورية إلى الأمام” –قبل أن يتغير اسمه إلى النهضة- بسبب صورتها بالحجاب في ملصقات حملتها الانتخابية، ومن ثم مُنعت من الترشح في الانتخابات المحلية.

معركة العباءة!

من جديد صعّدت الدولة الفرنسية حربها العبثية ضد المسلمين، عبر قرار حظر ارتداء العباءة في المدارسِ الفرنسية، الذي أعلنه “غابرييل أتال”، وزير التربية الفرنسي بدعوى أن العباءة زي يمثل رمزًا دينيًا، وهو ما يمثل خطرًا على قيم العلمانية الفرنسية!

ومن اللافت للنظر أن حظر العباءة صار المعركة الآنية للدولة الفرنسية، بداية من ماكرون وانتهاء إلى إدارات الدولة المختلفة وأعضاء الحكومة الفرنسية، ومن ورائهم وسائل الإعلام المؤيدة!

فقد صدرت مذكرة من أجهزة الدولة الفرنسية، أشارت إلى أن الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في فرنسا تزداد بشكل كبير، رابطة ذلك بمقتل المدرس الفرنسي، المسيء للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عام 2020، حيث أوضحت المذكرة أن هناك زيادة في انتهاكات العلمانية بنسبة 120%، خلال العامين الدراسيين في الفترة من 2021 وحتى 2023.

وعلى جانب آخر استنفر أعضاء الحكومة الفرنسية أنفسهم في معركة العباءة العبثية، قائلين إن قرار حظر العباءة يستجيب لضرورة الاتحاد في مواجهة هجوم سياسي، بل إن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية “أوليفييه فيران” استنكر ارتداء العباءة، ووصف الأمر بأنه شكل من أشكال “الدعوة”؟!

وإذا كانت فرنسا قد شهدت تصعيدًا في صياغة السياسات المعادية للمسلمين في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، فإن لا جدال أن التطبيق الصارم لتلك السياسات والإضافة عليها كان السمة المميزة لعهد إيمانويل ماكرون.

ويمكن القول، إن الإجراءات المعادية للإسلام والمسلمين في عهد ماكرون ارتفعت حدتها، وزادت بعد مقتل صامويل باتي المسيء بالرسوم الكاريكاتيرية للنبي -محمد صلى الله عليه وسلم- في 16 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020.

وقد اتخذت حكومة ماكرون من مقتل “صامويل باتي” تكأة لشن حملة قمع غير مسبوقة على منظمات المجتمع المدني الإسلامية، فأغلقت عددًا كبيرًا من المساجد، والمؤسسات التربوية الإسلامية والجمعيات الخيرية.

لا يمكن النظر إلى قرار حظر العباءة في المدارس الفرنسية وغيره دون استدعاء مواقف الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” وتصريحاته حول الإسلام والمسلمين، التي عبّر عنها بوضوح تصريحه الشهير، “أن قيم الجمهورية الفرنسية والعلمانية في خطر جراء تهديد الإسلام”، وأن “الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم”.

ومن جديد، ودفاعًا عن قرار حظر ارتداء العباءة، يستدعي الرئيس ماكرون حادثة “صامويل باتي” خلال حواره مع أحد صناع المحتوى الفرنسيين، معبّرًا عن تخوفه من حدوث عمليات قتل جديدة، وكأنه يريد أن يقول إن كل من يردتين العباءة هن قاتلات محتملات من وجهة نظره!

ختامًا

المعارك العبثية للدولة الفرنسية ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا ليس في المنظور القريب أن تقف عند سقف محدد، وقرار حظر العباءة في المدارس الفرنسية لن يكون الأخير في سلسلة الإجراءات والقرارات المناهضة لكل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة، وبغض النظر عن المعلن من الدوافع والأسباب، فإن الحقيقة أن العداء للإسلام في فرنسا وراءه تاريخ، إضافة إلى مآرب أخرى، إحدى خلفياتها أزمات الدولة الفرنسية في الداخل والخارج.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان