البحث عن “رئيس”

(1) هل فقد النظام الجمهوري بريقه في إفريقيا؟
الانقلابات العسكرية في قارة إفريقيا تتسارع وتيرتها، انقلاب النيجر أعقبه انقلاب الغابون، ولا أحد يعرف ما يخفيه الغد للقارة السمراء، التي أصبحت ساحة مفتوحة للتنافس والصراع بين الدول الكبرى.
كل الدول التي وقعت فيها الانقلابات العسكرية نظام الحكم فيها كان جمهوريا والمفترض أن الرؤساء يتم انتخابهم انتخابا مباشرا من الشعب، لكن غالبا ما تكون هذه الانتخابات غير نزيهة ولا تتحقق فيها المعايير المطلوبة.
الرؤساء الذين يتم الانقلاب عليهم لا يحكمون وفق الخصائص الأساسية للحكم الرشيد، التي حددها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بـ”الشفافية، المسؤولية، المساءلة، المشاركة، والاستجابة لاحتياجات الناس”، ولو قام كل رئيس بوظيفته ومسؤوليته نحو تحقيق الحكم الرشيد أثناء فترة حكمه فالنتيجة ستكون مختلفة، فحماية حكمه لن تكون مقصورة على أنصاره ومعاونيه، ولكن ستكون مسؤولية شعبية، وكل مواطن في بلده سيكون عند الحاجة جنديا مخلصا له إذ كان هو مخلصا لمواطنيه.
خمسينيات وستينيات القرن الماضي شهدت العديد من الانقلابات العسكرية على نظم الحكم الملكية في الوطن العربي وإفريقيا، ومن ثم تحولت هذه البلاد إلى النظام الجمهوري، وتصورت شعوب هذه الدول أنها ستحصل على حقوقها كاملة غير منقوصة، ما دام نظام الحكم أصبح يمكّن أي مواطن لديه طموح ومقدرة وكفاءة من أن يكون رئيسا للجمهورية عكس النظام الملكي الوراثي، ولكن تبددت هذه الآمال أمام طمع الرؤساء الجمهوريين في البقاء في الحكم والاستمرار فيه حتى يأتي أمر الله، أو يزاحوا بقوة السلاح عن مقاعدهم. الانقلابات العسكرية تصعد شخصيات للحكم لم تستعد له ولم تتمرس بدهاليز السياسة على كيفية الحفاظ على شعرة معاوية، ولم تتأهل للصمود في المواقف الحرجة ولم تتمرس بالثبات الانفعالي؛ ونتيجة لذلك تأتي سياسات وقرارات هذه الشخصيات متسرعة وانفعالية وغوغائية، وتتصف بالحماقة لا الحكمة، مثل هذه الشخصيات قد تتسبب في كوارث لبلادها وعادة ما تدفع الشعوب ثمن وصول شخص غير مؤهل إلى سدة الحكم.
(2) الاستعداد للحكم
في النظام الجمهوري الديمقراطي، يتنافس عدد من المرشحين على المقعد الرئاسي، عادة ما يكون بينهم الرئيس الحالي الذي يسعى لولاية ثانية، وإذا كان أداء هذا الرئيس جيدا خلال فترة حكمه فعادة ما يحصل على ثقة الشعب لفترة ولاية ثانية، وفي حالة فشله في فترة حكمه يخسر أمام منافس جاء من التيار المعارض له.
الرئيس الجديد لا يكون لديه خبرة في الرئاسة، حتى لو كان له تاريخ طويل في التدرج في العمل السياسي والحزبي، فرق كبير بين مقعد المنظرين ومقعد المنفذين، فالمقياس هنا للأفعال لا الأقوال، وربما في هذه النقطة يتميز النظام الملكي الوراثي على النظام الجمهوري، حيث يتم تأهيل ولي العهد على كافة المستويات ومنحه مساحة من المشاركة في تسيير الحكم ومهام تنفيذية يمكن من خلالها التكهن بردوده حين يصبح ملكا. وذلك عكس رئيس الجمهورية المنتخب انتخابا حرا نزيها، فهو لا يختبر إلا أثناء فترة حكمه، وأوضح مثال على ذلك الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، إذ كانت هناك تكهنات كثيرة حول تصرفاته إذا أصبح رئيسا، لكنها لم تصل إلى ما أقدم عليه من رفض لخسارته الانتخابات أمام “بايدن” وما تبعها من فوضى.
للنظام الديمقراطي ميزة كبرى عظيمة مقارنة بغيره من أنظمة الحكم، وهي إمكانية تصويب أخطاء اختيار الحاكم، وتغيير الرئيس في أول انتخابات حرة مباشرة، فلا تكون هناك حاجة إلى استخدام القوة أو انقلاب عسكري لتغييره، الانتقال السلمي للسلطة يحمي الرئيس كما يحمي البلاد من الدخول في دوائر العنف والتخريب والتدخلات الأجنبية.
(3) إفريقيا في حاجة إلى هذا الرئيس
دول إفريقيا في أمس الحاجة إلى تطبيق معايير الحكم الرشيد، حيث يكون الرئيس موظفا عاما يُساءَل ويتابَع ويراقَب من ممثلي الشعب، وليس العكس، فهو ليس وصيا على الشعب بل خادما لبلاده قائما على مصالح شعبه.
دول إفريقيا في حاجة إلى رئيس يقتنع بأن مصلحة بلاده في أن يتخلى عن الحكم بعد انتهاء ولايته المحددة في الدستور، ولا يتلاعب ليبقى إلى نهاية حياته في الحكم أو يحاول توريث الحكم لأحد أبنائه، البقاء في الحكم فترات طويلة يؤدي إلى الاستبداد والفساد وظهور فئة المنتفعين من المنافقين الذين يلتفون حول الرئيس لتحقيق مآربهم ومصالحهم.
دول إفريقيا في حاجة إلى رئيس يحترم الدستور والقانون ويقيم العدل والمساواة بين أفراد شعبه، فجميعهم سواء على اختلاف عقائدهم وأعراقهم وتوجهاتهم. نزاهة الحكم وطهارة يد القائمين عليه بيئة يصعب فيها نمو جماعات العنف والتطرف؛ فأمثال هذه الجماعات لا تنمو إلا في بيئات الفساد والظلم والاستبداد.
والسؤال الذي يطرح نفسه في النهاية: لماذا يصعب على شعوب إفريقيا انتخاب مثل هذا الرئيس؟ ولهذا حديث آخر.