صادرات دول البريكس إلى أمريكا أعلى من صادراتها البينية

رغم مرور 14 عاما على أول قمة لرؤساء دول البريكس عام 2009 ما زالت التجارة البينية لديها، تشكل نسبة 13.4% من مجمل تجارتها السلعية الخارجية حتى العام الماضي، ورغم هدف البريكس بالتصدي للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، فقد بلغت قيمة صادراتها إلى الولايات المتحدة العام الماضي 730 مليار دولار، مقابل 516 مليار دولار للصادرات البينية لدى تلك الدول.
وهو ما يعني أن تحقيق أهداف دول البريكس: الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا ما زال يحتاج إلى وقت ليس بقصير. وإذا كانت دول البريكس الخمس تتباهى ببلوغ نصيبها من التجارة السلعية الدولية العام الماضي 18%، فإن 12.5% من تلك النسبة تخص الصين، في حين يصل نصيب الدول الأربع الأخرى إلى 5.5% من التجارة السلعية الدولية.
وهكذا فإن الصين تستحوذ على النصيب الأكبر من اقتصادات دول البريكس، فإذا كان نصيب دول البريكس الخمس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يصل إلى حوالي 26% العام الماضي، فإن نسبة 17.8% منها تخص الصين وحدها، ويتبقى للدول الأربع الأخرى أقل من 8% من الناتج الدولي، وهو ما يتكرر بالتجارة الخدمية الدولية التي استحوذت دول البريكس على 12.6% منها نصفها للصين.
تقليل استخدام الدولار لصالح اليوان
ومن هنا تثور تساؤلات حول موازين القوى داخل تكتل البريكس وأثرها في اتخاذ القرارات، وجرّ الصين باقي دول التكتل لتحقيق مصالحها، حتى إن بعض الاقتصاديين يرون أن مسألة محاولة دول البريكس الابتعاد عن التعامل بالدولار، ستكون في صالح اليوان الصيني ليصبح عملة رئيسية للتعامل داخل التكتل.
وهو ما يشير إلى تعدد الفروق الاقتصادية والسياسية بين دول التكتل؛ فمن حيث الناتج المحلي الإجمالي تحتل الصين المركز الثاني عالميا، في حين تقع جنوب إفريقيا بالمركز الثامن والثلاثين، ومع دخول الدول الست الجديدة مع بداية العام المقابل: السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإيران وإثيوبيا، تزداد الفوارق بين الدول الأحدى عشرة، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي بالإمارات أكثر من 51 ألف دولار سنويا، في حين يصل إلى 1220 دولارا بإثيوبيا.
وهكذا نجد قيمة الصادرات السلعية العام الماضي بالصين 3.59 تريليونات دولار، في حين بلغت أقل من 4 مليارات دولار بإثيوبيا. وإذا كانت الهند تحتل المركز الخامس عالميا من حيث قيمة الناتج الإجمالي المحلي، فإن إثيوبيا تجيء في المركز الحادي والستين.
هذا إلى جانب التوترات الواقعة بين الهند والصين، التي وصلت إلى حد الاقتتال قبل سنوات قليلة، والعلاقات الفاترة بين السعودية وإيران وبين مصر وإثيوبيا، وتباين المواقف من الولايات المتحدة التي ترتبط بتحالف استراتيجي مع الهند، وبعلاقات جيدة مع جنوب إفريقيا والسعودية والإمارات ومصر، ويوجد توتر في علاقتها بكل من روسيا والصين وإيران.
وهو ما نتوقع أن ينعكس على علاقات التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة، حيث نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا أن مسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، يعتزمون الضغط بشكل مشترك على الإمارات لوقف شحن بضائعها ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، أي التي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية، والتي من شأنها أن تساعد روسيا على حربها مع أوكرانيا.
المزيد من الصادرات مبرر اختيار الأعضاء
وهنا يذكر عدد من الاقتصاديين أن معيار الكتلة السكانية الكبير كان عاملا حاسما في قبول عضوية الأعضاء الجدد بالبريكس، لفتح أسواق جديدة لصادرات دول البريكس الأصلية خاصة الصين ذات الفائض التجاري الأكبر بالعام، والهند التي تعاني عجزا بميزانها التجاري منذ سنوات عديدة؛ إذ يسكن 120 مليون نسمة بإثيوبيا و106 ملايين بمصر و86 مليون بإيران و45 مليون بالأرجنتين، و34 مليون بالسعودية ذات الفوائض المالية الكبيرة والدخول العالية للسكان.
وهنا سيقول البعض لكن الإمارات التي يسكنها عشرة ملايين فقط ليست كتلة سكانية كبيرة، وينسى هؤلاء أن الإمارات هي أكبر دولة عربية من حيث قيمة الواردات السلعية، حتى إنها احتلت المركز الثامن عشر دوليا من حيث قيمة الواردات، بل إن قيمة وارداتها البالغة 425 مليار دولار تمثل خمسة أضعاف قيمة واردات مصر الأكثر منها سكانا والبالغة 86 مليار دولار، ويعود سبب كبر قيمة واردات الإمارات إلى شهرتها في إعادة التصدير إلى دول الجوار الجغرافي، وأن بضائعها تمثل مخرجا لإيران خلال الحصار الغربي لها.
هذا إلى جانب أثر تشابه سلع الصادرات في توقع تدني التجارة البينية بين بعض دول التكتل، مثل التجارة بين روسيا والسعودية والإمارات، نظرا لتشابه صادرات النفط الخام والمكرر والغاز الطبيعي بينه؛ مما يجعلها متنافسة بأسواق التصدير سواء الآسيوية أو الأوربية. ففي عام 2021 بلغت قيمة صادرات روسيا إلى السعودية 1.9 مليار دولار، بينما بلغت الواردات منها 335 مليون دولار فقط، ومع الإمارات بلغت الصادرات الروسية إليها 5 مليارات دولار والواردات منها 276 مليون دولار فقط، لكن دول البريكس تستهدف أموال الصناديق السيادية الضخمة بالبلدين.
مشاكل التجارة بالعملات المحلية
قضية أخرى تواجه صعوبات عملية تتعلق بالتعامل بالعملات المحلية لتقليل التعامل بالدولار، وهو ما استفادت منه روسيا والهند العام الماضي، حيث وجدت روسيا في الهند بديلا جيدا لتصدير الطاقة إليها، بعد التضييق على صادراتها من الطاقة إلى السوق الأوربية، كما وجدت الهند في ذلك منفعة بتكرير النفط الروسي ثم إعادة تصديره إلى أوربا وغيرها، وبالفعل زادت قيمة الواردات الهندية من روسيا من 8.7 مليارات دولار عام 2021، إلى 40.6 مليار دولار العام الماضي، لتحقق روسيا فائضا جيدا بتجارتها مع الهند.
لكن وزير الخارجية الروسي اشتكى في مايو/ أيار الماضي من وجود فائض تجاري كبير مع الهند، نجم عنه عدم استطاعة روسيا استخدام مليارات الروبيات الهندية، مما زاد من حجم الأموال المجمدة.
وإذا كان الأمر كذلك مع الروبيات الهندية، فماذا سيكون الموقف مع الجنيهات المصرية المترتبة على الفائض التاريخي الذي تحققه روسيا مع مصر، وكذلك فائضها مع البرازيل، وهذه إحدى المشاكل العملية التي ظهرت مع التعامل بالعملات المحلية.
أما ما يتردد عن السعي لإيجاد عملة موحدة بين دول البريكس، فأمر غير ممكن في المستقبل القريب، نظرا إلى اختلاف مستويات التنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء، حيث يتطلب ذلك تنسيق السياسات النقدية، والسماح بحرية تدفق رؤوس الأموال، وهو أمر لن يكون مقبولا من بعض الأعضاء، ولهذا نفت بعض القيادات بالتكتل هذا المسعى سواء لصعوبته في الوقت الحالي، أو لعدم استعداء الولايات المتحدة، خاصة من جانب جنوب إفريقيا والبرازيل، والهند الحليف الإستراتيجي لها.