الحلم العربي آن أوانه

(1) جودة الحياة
ما هي أحلام شبابنا العرب؟ ماهي المشتركات والاختلافات؟ هل هي أحلام فردية؟ أم أحلام تقهر عوالم الأنانية وتدخل في منطقة البراح الإنساني؟
أعتقد أن هناك اختلافات كبيرة بين أحلام الشباب العربي، ويعود ذلك إلى سبب هام وهو اختلاف مستوى الدخل الفردي بين الدول العربية اختلافا كبيرا، وتأتي دول الخليج الغنية بالنفط في المقدمة من حيث الدخل المرتفع يليها العراق وليبيا والأردن، ثم الدول العربية ذات متوسط الدخل الأدنى: المغرب، مصر، لبنان ، جزر القمر، موريتانيا، تونس، الجزائر، جيبوتي، والأراضي الفلسطينية. وأخيرا الدول ذات الدخل المنخفض: سوريا، اليمن، الصومال، والسودان. هذا تصنيف البنك الدولي لحساب مستوى الدخل لعام 2022-2023.
الاختلافات الكبيرة والواضحة في مستويات المعيشة في الوطن العربي بالنسبة للفرد تؤثر في أسلوب الحياة وطموحات الشباب وأحلامه، فطموح الشاب اليمني الذى يعاني منذ عقود تدني مستويات التنمية ثم الحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس وتركته فريسة للعوز وسوء المعيشة، لن يكون هو نفسه طموح المواطن الخليجي الذي يعيش في يسر وبحبوحة تحت مظلة خدمات متاحة بمستوى جيد تقدمها الدولة التي تعيش في استقرار وأمان، وبالتأكيد ستأتي أحلام الشباب الفلسطيني بصفة عامة وأهل غزة بصفة خاصة متباينة أشد التباين مقارنة بباقي شباب العالم العربي رغم أن بعض دوله ما زالت تعاني صراعات داخلية وحروبا أهلية لكنها لا ترقى إلا مصاف الاحتلال السافر كما هو الحال في فلسطين المحتلة.
رغم أننا وطن واحد كبير يمتد من الخليج إلى المحيط، ينطق بالعربية ويدين معظم سكانه بدين الإسلام فإن التباين بين الدول كبير ليس فقط من حيث الثروة ودخل الفرد بل من حيث أسلوب المعيشة والعصرنة ومستوى التعليم والخدمات، وبالتأكيد فإن ذلك له تأثير في أفكار شباب كل دولة والحلم الذي يراوده.
أحلام شباب الدول العربية ذات الدخل المنخفض معظمها يتمحور في الحصول على أساسيات الحياة الكريمة وهي في حقيقتها حقوق أساسية وليست أحلاما. أحلام شباب الدول ذات الدخل المرتفع معظمها محاولات للتشبه بالغرب ونجوم الفن والكرة. أغلب الشباب العربي ما زال سجين أحلام قديمة محدودة تجاوزها العصر، وكثيرون منهم لا يدركون أن تحقيق الحلم ليس ضربة حظ بل يحتاج إلى ثقافة وعلم ومغامرة وإبداع ومثابرة.
(2) أحلام محدودة رغم الوفرة
أسباب الفقر في الوطن العربي كثيرة أهمها فساد الأنظمة الحاكمة والدوائر المحيطة بها وعدم المساواة أمام القانون وولاء مؤسسات الدولة للنظام الحاكم وليس للشعب، وكذلك الصراعات الداخلية والمرض والجهل والتدهور البيئي وعدم القدرة على الوصول إلى التعليم والغذاء والخدمات الأساسية.
وسبب الثراء والرفاهية وحيد في وطننا العربي، وهو الثروة الطبيعية التي وهبها الله لبعض الدول دون جهد منها وفي مقدمتها النفط، فلا توجد دولة عربية ثرية على غرار اليابان مثلا، التي تعد دولة فقيرة الموارد الطبيعية غنية بالتصنيع والتصدير، الدول العربية الغنية والفقيرة مستهلكة للسلع والخدمات، الاختلاف بينهما يأتي من حيث مستوى الاستهلاك، الدول الغنية معدلات الاستهلاك فيها مرتفعة وخاصة سلع الرفاهية الباهظة الثمن.
جيل الأجداد كانت لديهم أحلام كبيرة تتخطى حدود الفرد: أحلام بالاستقلال والحرية ومشروع عربي جامع وموحد تبلور بتأسيس الجامعة العربية وقضية محورية يجتمعون عليها وهي القضية الفلسطينية، كانت أحلاما قومية عابرة للحدود أجهضت بعد هزيمة 1967، وجاء غزو العراق للكويت عام 1990 ليقضي على ما بقي من مشاعر القومية العربية ويجعل نجاح كل دولة عربية في تأمين حدودها واستقرارها شأنا خاصا بعد الشرخ الذي تعرضت له الثقة العربية، وأتتنا أمريكا غازية للعراق لتفتح البوابة الشرقية على مصراعيها أمام النفوذ الإيراني وتمدده على الخريطة العربية وتوالت المحن على المنطقة العربية بعد الربيع العربي وتحول الصراع من صراع عربي إسرائيلي، إلى صراع عربي بين أبناء الوطن الواحد.
وتأثر الشباب العربي بكل هذه التقلبات ولم تعد المعايير والقيم واضحة أمامه واختلط عليه الأمر فلم يعد يعرف العدو من الصديق، وتقلصت أحلامه وتقزمت ولم يعد يفكر إلا في النجاة الفردية خلاصا من كل هذا الشتات والتشظي.
(3) حلم عربي مشترك
أوروبا مرت بكل ما مر به الوطن العربي، من حروب بين الدول وصراعات داخلية، وتعلمت من تجربتها التي كلفتها ملايين الضحايا وخراب وتدمير بلدان ومدن، وأنضجتها المحن فتخلت عن رعونتها بعد ما أيقنت أن التعاون والمصلحة العامة للدول مقدمة على المصالح الفردية الضيقة، ونجح الاتحاد الأوروبي في وضع معايير وقواعد موحدة لدوله تحافظ على الهوية الأوروبية ومصالح الدول الأعضاء وتعمل على تقليل الفوارق بين دوله، من بينها خطط إنقاذ عاجلة لدول الاتحاد التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة، وفتحت الجغرافيا أمام الشباب الأوربي بفتح الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، واليوم نستطيع أن نجزم بأن أغلب شباب الاتحاد الأوروبي له نفس المعايير والقيم في أسلوب الحياة؛ مما جعل بين أحلامه كثير من المشتركات.
قرار السلام يحتاج إلى شجاعة أكبر من قرار الحرب، بعض الدول العربية تجد أن السلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها أفضل من عداوتها، ولكن هناك ما هو أفضل من ذلك بكثير، وهو عودة الثقة بين الدول العربية والعمل على رأب الصدع بينها والتخطيط لقيام اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي تتكامل فيه الموارد العربية وتتكاتف لإحداث نهضة شاملة في مختلف أقطاره.
يستحق هذا الحلم بذل الكثير من الجهد والتحلي بالصبر والإخلاص وحسن النيات، وأن يتبع ذلك تكوين تحالف عسكري عربي مهمته الحفاظ على سلامة وأمن كل الدول العربية. آن أوان تحقيق الحلم والبداية من مساندة غزة والحق الفلسطيني؛ لأن الوقائع أثبتت أنه حين توارت القضية المحورية وهي تحرير فلسطين اختلت البوصلة في كافة الأقطار العربية وضل البعض الطريق.