ثلاث هزائم دولية للمحتل

المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية تال بيكر والبريطاني مالكولم شو يجلسان داخل محكمة العدل الدولية (رويترز)

في قفص الاتهام ووسط سخرية العالم مما يتفوه به ممثلوه، وقف الكيان المحتل في لاهاي وأمام محكمة العدل الدولية ينشر وينثر الكثير من الأكاذيب، وينفي العديد من الجرائم التي مارسها منذ عملية السابع من أكتوبر الشجاعة.

وضعته جنوب إفريقيا في القفص، فراح يصرخ ويصيح ويهلل وهو غير مصدق وغير مستوعب، كأي متهم ألقت الشرطة القبض عليه متلبسًا بارتكاب الجريمة.

بدرجة عدم التصديق نفسها التي انتابتنا جميعًا بعد قوة وجرأة ضربة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يُصدق أحد في العالم أن يقف الكيان المحتل أمام محكمة العدل الدولية متهمًا بالإبادة الجماعية، محاولًا الدفاع عن نفسه خائفًا مذعورًا.

وبمقدار ما كانت هزيمة المحتل في لاهاي كبيرة -أيًّا كان قرار المحكمة النهائي- كانت هزائمه في المحافل الدولية طوال الفترة الماضية قاسية وغير قابلة للتصديق.

فلو تفوه أحدهم يوم السادس من أكتوبر 2023 عن إمكانية أن تتحول دول العالم والرأي العام فيها ضد الكيان المحتل بهذه الدرجة لاتهمناه جميعًا بالجنون!

ثلاث هزائم دولية -على الأقل- نالتها “إسرائيل” خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بخلاف الضربة الكبرى التي تلقتها في لاهاي، فضلًا عن مظاهرات الشعوب الحرة الرافضة للعدوان الهمجي والمطالبة بتوقفه فورًا، والتي امتلأت بها الميادين الكبرى وعواصم العالم بما فيها تلك الدول التي تدعم حكوماتها حرب الإبادة منذ اللحظة الأولى.

إدانة من الأمم المتحدة للعدوان

الهزيمة الأولى كانت في نهاية أكتوبر الماضي، فبينما كان العدوان الصهيوني يتصاعد ويخالف كل القيم والأخلاق التي تعرفها الحروب، وبينما يتمادى الكيان المحتل في قتل المدنيين والنساء والأطفال، ويستمر عدوانه على المساجد والكنائس والمستشفيات والمنازل، ويكمل إجرامه بمنع دخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع المحاصر، كانت الضربة الأولى تأتي من الأمم المتحدة، فقد بدأ ضمير العالم يتحرك، وشعر الجميع بأن الكيان المحتل تجاوز كل الحدود الطبيعية، وهنا كان القرار الأول الذي جاء بأغلبية 120 دولة في الأمم المتحدة، وصدر القرار بضرورة الوصول إلى هدنة إنسانية لإدخال المساعدات لقطاع غزة لتتحول الهدنة المؤقتة بعد ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار، وفشلت كل محاولات إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير على القرار أو تعديل صياغته.

ورغم أن قرارات الأمم المتحدة ليست ملزمة، بعكس قرارات مجلس الأمن، فإنها تعبير صادق عن الضمير العالمي، ومؤشر كاشف لأن دولة الاحتلال تفقد أنصارها في العالم، ومؤشر مهم إلى أن الرواية الإسرائيلية عن أسباب الحرب وضرورة استمرارها باتت غير مقنعة لأحد، ولا تلقى دعمًا دوليًّا بأي شكل.

فيتو أمريكي يزيد من ورطة المحتل

في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان الكيان المحتل على موعد مع معركة جديدة وهزيمة ثانية ولكن في مجلس الأمن هذه المرة، فقد أنقذته الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) الظالم ضد قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لدواع إنسانية في قطاع غزة، ورغم أن الفيتو منع المجلس من الموافقة النهائية على القرار فإن اللافت كان موافقة 13 دولة من الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن عليه، في حين امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت.

في حسابات السياسة فإن موافقة 13 دولة، فضلًا عن اضطرار الولايات المتحدة إلى إيقاف القرار عن طريق حق النقض، هو مؤشر واضح على الهزائم التي يتلقاها المحتل في المنظمات الدولية، وتعبير جاد عن أن الحرب العدوانية فقدت كل مبرراتها الأخلاقية والقانونية، فضلًا عن الدعم الدولي، وباتت لا تعتمد سوى على “فيتو” يكشف ورطة الكيان المحتل وراعيه الأمريكي، ويزيد من خسائر كل منهما بشكل يومي، ويزيد من المسافة بينه وبين دول العالم بشكل أكبر.

قرار جديد من مجلس الأمن

وبينما كان العدوان يتصاعد وينفلت من كل المعاني الأخلاقية والإنسانية كان الضمير العالمي يتحرك أكثر، ويتجه إلى ضرورة إنهاء هذه الحرب العدوانية وإجرامها غير المسبوق، وهنا كانت الهزيمة الثالثة للعدوان بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي في نهاية ديسمبر بأغلبية 13 صوتًا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، باتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورًا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة، فضلًا عن تهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية.

ورغم أن القرار في حد ذاته ليس كافيًا ولا ملائمًا لما يجري في غزة، ولا يتناسب قطعًا مع حرب الإبادة التي يشنها المحتل فإنه جاء تعبيرًا جديدًا عن تململ دول العالم مما يفعله الكيان المحتل، ورغبة دولية واضحة في انتهاء الحرب العدوانية في أسرع وقت، وشعور لا يخفى على أحد بأن منع الدواء والغذاء والمساعدات الإنسانية يشكل جريمة حرب يمارسها الاحتلال على المدنيين في قطاع غزة، كل هذه الضغوط “الناعمة” وضعت الكيان المحتل في مرمى المتهم، وكشفت وجهه القبيح أمام العالم، وقدمته للرأي العام العالمي في صورة المجرم الذي يحاصر شعبًا من المدنيين العزل ويقتلهم ببطء بمنع الغذاء والدواء والوقود، وللمرة الثانية تفشل الولايات المتحدة في تعطيل القرار أو تغيير صياغته ليتهم حركة حماس بالإرهاب، وهو تطور مهم وكاشف لمدى الضغوط التي تتعرض لها أمريكا وعدم قدرتها على إقناع دول العالم بدعم الحرب العدوانية طوال الوقت ودون مراجعة لما ترتكبه إسرائيل من جرائم.

المؤكد حتى هذه اللحظة أن الكيان المحتل خسر كل معاركه في المنظمات الدولية، وفقد كل الدعم الدولي باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال مستمرة في رعايتها للعدوان، والمؤكد أيضًا أن دماء الآلاف من شهداء غزة والضفة الغربية أعادت الحياة إلى قضية فلسطين، وصنعت رأيًا عامًّا دوليًّا ضاغطًا وقويًّا سيكون له دور مهم في مقبل الأيام وفي سبيل استكمال نضال الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه، والمؤكد أن الهزائم التي تلقاها الاحتلال في المنظمات الدولية ستزيد واحدة ستصدر من لاهاي بحكم محكمة العدل الدولية التي اتفق الغالبية العظمى من فقهاء القانون الدولي على أن حكمها النهائي سيكون لصالح جنوب إفريقيا، وسيطالب المحتل بوقف حربه الإجرامية، وسيزيد من الضغوط على الاحتلال وراعيه الأمريكي الذي سيجد نفسه في ورطة جديدة بدفاعه غير العادل وغير الإنساني عن الاحتلال وإجرامه.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان