هل عاد زمن التيه اليهودي؟

رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على حرب غزة، ما زال الصهاينة عالقين في يوم “السابع من أكتوبر”، ذلك السبت الذي يبدو أنه لن يتبعه الأحد، فهل عادت مرحلة التيه اليهودي التي يحتفلون بذكراها في أكتوبر باسم عيد “العرش اليهودي” المرتبطة بضياعهم في صحراء سيناء؟
ذاكرة الصهاينة الغاضبة والناقمة على فشلها الذريع في السابع من أكتوبر، لم تتمكن من تجاوزه حتى الآن، فاستخدمت القتل والتدمير والتجويع والتنكيل مخدرًا في محاولة للنسيان، فقتلُ أكثر من 24 ألفا وجرحُ 60 ألفا آخرين والتسببُ في دمار هائل في غزة لم يكن كافيًا وكأن لا شيء يمكن أن يمحو هذه الهزيمة ولا أن يعيد سمعة الجيش الذي شاهد العالم انكساره بأيدي عشرات الأفراد من المقاومة بأبسط الأسلحة.
هزيمة وفشل أكبر من أن تتجاوزه تلك الذاكرة المريضة المهووسة بالقتل، والتي ظلت 76 عاما تلتهم أرض فلسطين دون أن يلجمها أحد، فكانت المفاجأة المدوية التي لم تكن بحسابات بني صهيون في أن يقفوا أمام العدالة الدولية مدانين في قضية إبادة جماعية، هذا الأخطبوط المفترس في غيه لم يجرؤ أحد قبل ذلك على مراجعته أو حتى إدانته، يقف الآن ذليلا متهمًا يدافع عن نفسه مرتديًا ثوب الضحية، منكرًا شهيته النهمة للقتل والدماء.
إسقاط مدروس للهولكوست
وليس من باب الصدفة أن يستخدم فريق الدفاع عن دولة الاحتلال في محكمة لاهاي لفظ محرقة السابع من أكتوبر، كما سبق أن أطلق الصهاينة على جرائم النازيين في حقهم محرقة اليهود أو الهولكوست، إنه إسقاط متعمد ومدروس، يقصد به تضخيم الحدث وتكبير الصورة إلى الدرجة التي لا يعود أمام الناظر سوى غض البصر عنها لبشاعة ما يرى.
وكما استعانت الدعاية الصهيونية بالمحرقة النازية وضخمتها ونفختها حتى فرضتها واقعًا ألزمت الجميع بتصديقه، وسن لها الغرب القوانين التي تجرم إنكارها أو التشكيك فيها، سعت الصهيونية وحلفاؤها لتكرار ذات الأسطوانة لما حدث في السابع من أكتوبر، أسطوانة مكررة تضخم فيها عدد الضحايا الذين مورست فيهم أبشع صنوف التعذيب بعد أن كانوا آمنين مسالمين، مزاعم مضحكة وغبية وقصص غارقة في الوهم والخيال، امتزج فيها القتل والحرق والاغتصاب بقطع الرؤوس وهو ما لم يستند إلى أي أدلة أو حتى صور وفيديوهات تدلل بها أمام محكمة العدل الدولية.
وبوقاحة وأمام العالم يعرض أحد المدافعين عن إسرائيل في محكمة لاهاي صورة تضم مئات من الإسرائيليين مدعيًا أنهم أسرى لدى حماس، مما تسبب في صدمة للكثيرين؛ إذ إن عدد الأسرى الذي سبق أن أعلنت عنه دولة الاحتلال أخيرًا لا يزيد على 138 أسيرًا، وقد كتشف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن فريق الدفاع قام بتكرار صور الأسرى في أكثر من مرة في محاولة يائسة وغبية لإقناع المحكمة بأن عددهم كبير.
وكما يقول المثل “على نفسها جنت براقش” فقد فتحت دولة الاحتلال على نفسها من خلال أكاذيبها المتكررة منذ بدء الحرب على غزة، فتحت شهية العديد من النشطاء في الإعلام والتاريخ في الغرب للغوص مجددًا في الهولكوست، وتلك ليست المرة الأولى التي يتم التشكيك فيها بهذه الرواية، ولكنها الآن تأخذ بعدًا أكثر كثافة وجدية من قبل، وربما تكشف الكثير من الأسرار التي دفنت منذ عقود ولم يتجرأ أحد على نبشها.
حتى إن مزاعم أن فلسطين أرض يهودية منذ آلاف السنين، تلك السردية التي صدقها الغرب، لم يعد لها مكان وسط الأكاذيب المتكررة للصهاينة، فحينما تطالب الدبلوماسية العربية بحل الدولتين نجد أن سقف المتظاهرين في الغرب يعلو ويعلو فوق هذا الوهم الذي باعته أمريكا للعرب كجرعة مهدئة، إذ يطالبون بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فلا اعتراف بأي شبر لليهود في فلسطين.
جيش التوكتوك ورط قادته
أكذوبة محرقة السابع من أكتوبر التي يرددها الصهاينة، لم تعد تجدي نفعا أمام ما يرونه من مجازر وتنكيل وتدمير في غزة والضفة الغربية، تلك الحقائق لا تروى فقط بلسان الضحية وإنما عبر جيش التوكتوك الصهيوني الذي يتفاخر بعنجهية بما يقوم به من مجازر وينقلها إلى جمهوره ويهديها الجندي إلى عشيقته أو ابنته، تلك المقاطع التي كان القصد منها التباهي، تحولت إلى حبل مشنقة يلتف حول رأس نتنياهو وقادة جيشه.
هؤلاء الجنود نقلوا الحقيقة، إذ قالت ألسنتهم وأفعالهم ما كانوا يخفون وأظهروا للعالم وجههم الحقيقي بغبائهم وجهلهم، وهنا يُطرح سؤال ملحّ، هل أيضا قادة دولة الاحتلال بهذا الغباء الذي جعلهم يتفوهون بعبارات تؤكد نية الإبادة الجماعية لأهل غزة؟ وكيف يحكم هؤلاء دولة تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟
ووفقًا لهذه المعطيات يبدو أن زمن التيه اليهودي قد بدأت ملامحه العودة فعلًا، فها هي المظاهرات تطوف تل أبيب ومدنا فلسطينية محتلة، والانشقاق في الحكومة يتسع يومًا بعد يوم وإسرائيل تقاضى أمام محكمة العدل الدولية، وسفنها تمنع من المرور عبر باب المندب، وجبهتها الشمالية مشتعلة، هذا التيه اليهودي تسبب فيه نتنياهو لدولته المزعومة، غير آبه بردود الشعوب في العالم، متكئًا على وسادة أمريكا، تلك التي أصبحت مهترئة داخليًّا وخارجيًّا أكثر من أي وقت مضى.