وقد وعد رئيس الوزراء المصري بعلاج الاقتصاد خلال 6 سنوات.. فهل هذا ممكن؟!

مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري (رويترز)

في افتتاحه لثلاثة أبراج إدارية، من بين 20 برجا يتم اشاؤها بالعاصمة الإدارية، الأحد الماضي، قال مصطفي مدبولي رئيس الوزراء المصري إنه فيما يخص حل المشكلة الاقتصادية لا يتحدث عن 50 سنة أو 20 سنة، ولكن عن ست سنوات فقط لتجاوز الأزمة الاقتصادية، واستعادة مسار النمو الذي كانت عليه البلاد منذ سنوات قليلة قبل الأزمة العالمية.

وانقسم الخبراء تجاه حديث رئيس الوزراء، حيث يتذكر البعض حديثه عن مشكلة نقص الدولار قبل شهرين باعتبارها أزمة عابرة، وحديثه قبل أسبوعين عن بدء تراجع الأزمة خلال عام 2025، بينما يتساءل آخرون عن ضمانات تنفيذ مسار الإصلاح الاقتصادي الذي يتحدث عنه، بينما يعرف الجميع أنه ليس صاحب القرار الاقتصادي بالبلاد، كما أنه لا يضمن أن يستمر بمنصبه عدة شهور، وتغلب العادة المصرية التاريخية بمحو المسؤول الجديد كل مسارات المسؤول السابق له والبدء من جديد.

كذلك تجربة المصريين مع رئيس الوزراء مدبولي حين وعد عام 2019 بمرحلة ثانية من الإصلاح الاقتصادي، تركز على الإصلاح الهيكلي باعتبار أن المرحلة الأولى التي بدأت عام 2016 كانت تركز على الإصلاح المالي والنقدي، وظل الأمر بلا تنفيذ بسبب جائحة كورونا، حتى تم إطلاق المرحلة الثانية للإصلاح الاقتصادي في أبريل/نيسان 2021 للتركيز على قطاعات: الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات.

لتجيء الحرب الروسية الأوكرانية لتبرر بطء التنفيذ، ويظل القطاع الخاص يعاني من تراجع دوره مع توغل دور الجهات التابعة للجيش بالنشاط الاقتصادي. وفي منتصف عام 2022 تم الوعد بوثيقة تقلص دور الدولة بالنشاط الاقتصادي ظهرت بنهاية العام، لكنها لم تشهد تفعيلا على الجانب العملي بل استمر تغول الجهات السيادية، وإنشاء شركات عامة جديدة.

 علاج المشاكل بحذف البيانات

ولم تتم وعود زيادة نصيب القطاع الخاص بالاستثمارات، والتي ظلت تقل عن ربع الاستثمارات الكلية، وحتى ينسي الجمهور هذا النصيب النسبي، فقد حذفت الحكومة بيانات استثمارات القطاع الخاص من البيانات الدورية للبنك المركزي، واكتفت ببيانات استثمارات القطاع العام بحيث تصعب المقارنة بما قام به القطاع الخاص.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 تم عقد مؤتمر اقتصادي لبحث المشاكل الاقتصادية، لكنه تبين أن سبب انعقاده هو تنفيذ التوصية الثالثة له وهي العمل على سرعة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما تم بعد شهر ونصف فقط من المؤتمر، ليتبين أن انعقاد المؤتمر كان لهذا الغرض فقط.

أي لتبرير الاتفاق مع الصندوق باعتباره مطلبا شعبيا وليس توجها حكوميا، والنتيجة أنه لم يتحقق شيء من باقي توصيات المؤتمر الاقتصادي رغم الحديث وقتها عن لجنة لمتابعة تنفيذها، ونفس المصير كان لبنود الاتفاق مع الصندوق التي تعطلت هي الأخرى طوال العام الماضي وحتى الآن.

وفي يوليو/تموز من العام الماضي تحدث مدبولي عن برنامج لزيادة الإيرادات الدولارية خلال ثلاث سنوات، بزيادة كل من الصادرات والسياحة بنسبة 20% سنويا وكل من تحويلات المصريين العاملين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر وقناة السويس وخدمات التعهيد بنسبة 10% سنويا، لكن الأمور سارت في مسار عكسي مع كل من إيرادات الصادرات وتحويلات العمالة والاستثمار الأجنبي المباشر، حيث انخفضت حصيلة الصادرات السلعية بنسبة 19% خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي بالمقارنة بنفس الشهور من العام الأسبق.

 وعود لم تتحقق لزيادة الإيرادات

كما أشارت بيانات الربع الثالث من العام الماضي لميزان المدفوعات، لتراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 30% وانخفاض صافي  الاستثمار الأجنبي المباشر بنفس النسبة، ولا يتم إعلان بيانات إيرادات خدمات التعهيد رسميا، وما زلنا نترقب إيرادات السياحة خلال الربع الأخير من العام الماضي، مما زاد من الفجوة بين سعر الصرف الرسمي الثابت والسعر بالسوق الموازية لأرقام غير مسبوقة تاريخيا، رغم زيادة إيرادات قناة السويس لكنها تمثل أقل من نسبة 8% من مجمل الإيرادات، وهذا بالطبع قبل تأثير توترات البحر الأحمر على إيراداتها بالشهر الحالي.

ليعلن مركز معلومات مجلس الوزراء في السابع من الشهر الحالي عن وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري 2024 – 2030، والتي تهدف لحشد موارد من النقد الأجنبي بقيمة 300 مليار دولار خلال ست سنوات، أي ثلاثة اضعاف الأرقام الحالية، من خلال رفع قيمة الصادرات بنسبة 20% سنويا والسياحة بنفس النسبة سنويا، وعائدات القناة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر وخدمات التعهيد بنسبة 10% سنويا.

ليجيء حديث رئيس الوزراء الأخير عن إتمام عملية الإصلاح خلال ست سنوات، لكنه لم يحالفه التوفيق في اختيار المكان والزمان، حيث أعلن ذلك وهو يفتتح ثلاثة أبراج إدارية بالعاصمة الإدارية، في وقت يعاني فيه السوق من ركود مستمر لأكثر من عامين، واتجاه الكثير من المستثمرين المصريين للنزوح للاستثمار بالسعودية، واعتذار العديد من الشركات عن إتمام تعاقداتها بسبب زيادة التكاليف المرتبة على زيادة سعر الصرف، وزيادة سعر فائدة الإقراض المصرفي عن 26%، وزيادة معدلات التضخم الرسمية عن الثلاثين بالمائة.

   استعادة الثقة شرط لعودة المصريين

وبالتالي فان المجتمع الاقتصادي ليس بحاجة إلى الأبراج الثلاثة، كما أنه ليس بحاجة إلى المرحلة الثانية من تطوير العاصمة الأدارية التي تسببت مرحلتها الأولى في تعميق نقص الدولار، والتي لم يكن المجتمع بحاجة اليها أيضا، وإنما كانت هناك حاجة إلى تنفيذ المرحلة الثانية للإصلاح الاقتصادي التي تم الإعلان عنها إبريل/نيسان 2021 والخاصة بتنشيط قطاعات الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات، لتوفير المزيد من المعروض السلعي لتحقيق الاستقرار بالأسعار والتي تعد المشكلة الرئيسية لدي المصريين حاليا.

من كل ما سبق يتضح أنه في ظل تكرار الوعود بإجراءات اصلاحية، لم تنفذ طوال السنوات الاخيرة أصبحت الثقة ضعيفة فيما يردده المسؤولين، وهو ما يحتاج الي المزيد من الاجراءات العملية حتى يمكن استعادتها، وحتى يعود من هاجروا إلى الاستثمار بالسعودية، والذي يربط المستثمر الاجنبي حضوره لمصر بعودتهم.

فليكن التركيز حاليا على إجراءات تعزيز الثقة بحل مشكلة ازدواج سعر الصرف، والتضخم المرتفع وفائدة الإقراض العالية والموازنة التي تقل إيراداتها عن مدفوعات فائدة الديون بها، والأقساط الضخمة للدين الخارجي بالعام الحالي والأعوام المقبلة، وبرنامج الطروحات الحكومية البطيء، والتصنيف الائتماني المتدني لمصر ولبنوكها، وصعوبات الإقراض الخارجي والعجز الدولاري الضخم بالجهاز المصرفي والاستمرار في طبع النقود.

وعندما تتحقق بعض تلك المطالب للمستثمرين يمكن النظر وقتها في المدة الزمنية التي ستستغرقها عملية الإصلاح، خاصة بعد تعثر برنامج الاتفاق مع الصندوق بعد شهر واحد من إبرامه، وترقب برنامج جديد مع الصندوق خلال الأسابيع المقبلة، سيكون هو المتحكم في المسار الاقتصادي خلال السنوات المقبلة، وليست أية برامج حكومية يتم تداولها محليا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان