عقلية الإبادة والتطرف.. لماذا تمثل إسرائيل خطرا على السلم؟

سؤال يفرض نفسه مع استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، هو: هل يدرك العرب، وخاصة صناع القرار، طبيعة عقلية الإبادة الصهيونية المهيمنة على المجتمع الإسرائيلي، وما يحمله المستوطنون من ثقافة متطرفة متأصلة في العقلية الجمعية للكيان المحتل منذ نشأته اتجاه العرب والمسلمين خاصة، ومدى ما يمثله ذلك من خطر على السلم والأمن في المنطقة؟ أشك في ذلك، وعلى الأخص بالنسبة لمن طبعوا مع إسرائيل، وأولئك الذين يتجهزون للهرولة نحو التطبيع، فمثل الجميع كمن تعامى عن رؤية الشمس واضحة في كبد السماء!
ثقافة التطرف وعقلية الإبادة الصهيونية
لقد كشفت الحرب الوحشية الإسرائيلية الأمريكية الغربية ضد غزة الغطاء كاملا عن ثقافة التطرف الإسرائيلية، وعقلية الإبادة الجماعية الصهيونية المتجذرة في المجتمع الإسرائيلي، سواء على مستوى المستوطنين أو النخب الحاكمة.
المراقب لمجتمع المستوطنين يُدرك بوضوح أنه أمام مجتمع كامل تحولت عقليته إلى أعلى درجات التطرف والعنصرية عن طريق التربية والتعليم منذ الصغر، وتؤصل له وترسخه المناهج الدراسية في كافة المراحل التعليمية، وكل مستوطن إسرائيلي يتربى على أنه ناج من هولوكوست سابق أو ضحية لهولوكوست قادم، ومن ثم يتقبل المجتمع فكرة قتل العرب والفلسطينيين، لمجرد أنهم كذلك.
ما سبق ليس تجنيا على المجتمع الإسرائيلي، ولا من قبيل المبالغة، بل حقيقة مجردة، تعكسها ممارسات الاحتلال عبر عقود، امتدادا للحرب الهمجية الحالية على غزة، وقد سبق أن تناولته دراسات ميدانية عن الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لم تحظ باهتمام من العرب والمسلمين؛ حتى يتسنى لهم فهم مخاطر وجود بؤرة متطرفة في شكل دولة في فلسطين المحتلة، تمثل ذراعا للغرب؛ لأجل السيطرة على المنطقة العربية، وجعلها في حالة اضطراب دائم.
يرجون أن إسرائيل واحة الديمقراطية في المنطقة، لكن الحقيقة أن إسرائيل مشروع صهيوني صاغته ووجهته رموز ومفردات دينية، ويستمد روحه من خرافات تاريخية، ويستند في قيمه ومبرراته إلى شعارات دينية متطرفة تنزع بشدة إلى عنصرية استعلائية عنيفة.
المجتمع الإسرائيلي مجتمع ذو طبيعة متعسكرة، تحكمه منظومة دكتاتورية، حولت فلسطين المحتلة إلى أرض مليئة بالمستوطنات والسجون والجدران والحواجز الأمنية، ويسيطر عليها جيش بأيديولوجية صهيونية، يعتنق عقيدة دينية مبنية على الاستعلاء والعنف الشديد وإراقة الدماء، ويعتقد حمايتها من الرب، وتمثل تلك العقيدة مرجعية لسلوك هذا الجيش وممارساته على الأرض.
تنشئة عنصرية استعلائية
قد لا يتخيل البعض أن أطفالا صغارا في عمر الزهور يتحدثون بكل اقتناع عن الرغبة في قتل أي طفل عربي، وموت العرب جميعا، واستعباد ما يتبقى منهم، ولكن هذه الحقيقة التي ينضح بها الواقع ويرددها الأطفال في المدارس الإسرائيلية، وتلقى استحسانا وفرحا من كبار يستمعون إليهم بكل فخر واعتزاز!
ففي أحد المقاطع المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي من داخل إحدى المدارس في إسرائيل، التي على شاكلتها مئات هناك، يُسأل الأطفال: من يظن أن المعبد سيُبنى خلال سنوات قليلة؟ يرفع الجميع أيديهم للإجابة بنعم. وبسؤالهم عن ماذا سيحدث للمسجد الأقصى؟ يردون جميعا بأنه سوف ينهار وينهدم وينفجر!
لكن اللافت للنظر بشدة في هذا المقطع، هو: الإجابة على سؤال مفاده: بماذا يشعرون عندما يقابلون طفلا عربيا؟ إذ كان الرد صاعقا، ويضع علامات استفهام لا حصر لها حول مسخ الفطرة السليمة لدى هؤلاء الأطفال، ويدق أجراس إنذار لدى كل ذي عقل في المنطقة العربية، بل وفي العالم أجمع حول ما تحمله المناهج التعليمية الإسرائيلية من عنصرية ودموية ضد العرب والمسلمين، فقد كان الرد: “عندما أرى طفلا عربيا أشعر برغبة في قتله، بعد سنوات سيموت العرب جميعا، ومن يبقى منهم سيكونون عبيدا لنا”، هذا ما قاله أطفال بإحدى المدارس الإسرائيلية، ويردده غيرهم في إسرائيل، ولك أن تتخيل أن هؤلاء جميعا هم نواة الجيش الإسرائيلي، ومنهم تتشكل وتجدد نخبة دولة الاحتلال الإسرائيلي وقياداتها في المستقبل!
ليس جديدا ما جاء في هذا المقطع، وفي غيره من مقاطع عديدة تنضح بالعنصرية والاستعلائية، وما وثقته الأبحاث والدراسات، فالمناهج الإسرائيلية تزوّر التاريخ وتشوّه العرب والمسلمين؛ فالعرب قتلة متوحشون، والعربي قذر مخادع متلوّن، وسفّاح مغتصب. وهذا ما تتشكل عليه أذهان الأطفال في إسرائيل حول العرب والعالم الإسلامي، كما أن الكتابات الصهيونية التي يُطلب من الأطفال والشباب الاطلاع عليها تزخر بما يغذي فكر العنصرية والعدوانية، فعلى سبيل المثال، يقول موسى هس، أحد مؤسسي الصهيونية: “إن نفوس البشر آتية من روح نجسة، أما نفوس اليهود فمصدرها روح الله المقدسة”، ويقول أيضًا: “إن الشعب اليهودي جدير بحياة الخلود، أما الشعوب الأخرى فهي (بحسب قوله) أشبه بالحمير”!
مصلحة أمريكية غربية!
ومن العجيب أنه في الوقت الذي تشنّ فيه الولايات المتحدة والغرب هجوما على مناهج التعليم العربية والإسلامية، ومورست ضغوط على الدول لتغيير المناهج ونزعها من هويتها الإسلامية، بدعوى كذوبة أنها تحض على العداء للآخر، في محاولة لتطويعها لأجل عيون الاحتلال الإسرائيلي، نجد غض الطرف عن أهوال التعليم الإسرائيلي وما يحمله من ثقافة العنصرية والتطرف والإبادة والجماعية!
ولعل حرب الإبادة الصهيوأمريكية الغربية على غزة تفسر لنا لماذا تغض أمريكا والغرب الطرف عن مناهج التعليم في إسرائيل التي تؤصل الثقافة العنصرية والتطرف والإبادة الجماعية، ولا يقبلون نقدا لها، في حين يهاجمون بضراوة مناهج التعليم والثقافة العربية الإسلامية ويكيلون لها اتهامات كاذبة؟
لقد كشفت الحرب الهمجية على غزة مجددا طبيعة إسرائيل ودورها الوظيفي الخطير وارتباطها العضوي بالاستعمار الغربي، فمن مصلحة أمريكا والغرب والصهيونية العالمية أن يكون المجتمع الإسرائيلي مشبعا بثقافة العنصرية والإبادة الجماعية؛ لأن ذلك يوفر موارد بشرية تمثل وقودا ورأس حربة في المعركة الدائمة لإخضاع المنطقة العربية لمشروعهم الاستعماري للهيمنة على المنطقة.
خاتمة
إن المجازر الإسرائيلية في حق الفلسطينيين والعرب ليست وليدة لحظة تاريخية شاذة، أو وليدة ارتجال نخبة سياسية، بل وليدة ثقافة متطرفة وعقلية إبادة جماعية، تغذيها نظرة عنصرية فوقية تنطلق من نصوص توراتية، جعلت إسرائيل ترى نفسها فوق قوانين العالم، وتمارس ما يحلو لها من جرائم قتل وإبادة، في ظل تواطؤ أمريكي غربي، وصمت عربي إسلامي غريب وعجيب، وغض طرف عالمي لا يدرك مدى خطورة مجتمع يحمل مثل هذه الثقافة على الأمن والسلم الدوليين، ويبقى السؤال هو: ألا يدرك العرب خاصة حجم هذا الخطر؟ لعلهم يدركون!