فلسطين في القلب من 25 يناير

حصار ثوار يناير للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ورفع العلم الفلسطيني في لحظة إنزال العلم الإسرائيلي من أعلى البناية (منصات التواصل)

في 11 فبراير/شباط 2011، يوم سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقبل خروجي من ميدان التحرير، كان الهتاف الأخير الذي سمعت شباب الميدان يردده هو: الشعب يريد تحرير فلسطين.

كانت الأحلام تتصاعد وتصل إلى عنان السماء في اللحظة نفسها التي أجبرت فيها الجماهير حسني مبارك على التنحي، وباتت كل القضايا الرئيسية والنبيلة والمحورية حاضرة في هتافات المصريين، هؤلاء الذين أدركوا أنهم يعيشون لحظة مهمة واستثنائية كما لم يحدث من قبل في تاريخنا الحديث كله، وأن كل القضايا الجادة لا بد أن يكون لها نصيب حقيقي من كل تغيير منتظر.

فلسطين حاضرة في قلب يناير

ضمن أهدافها الكبرى وشعاراتها النبيلة، لم تغب قضية فلسطين عن ثورة 25 يناير في مصر أبدًا، سواء خلال أحداث الثورة نفسها والهتاف المتواصل لفلسطين وشعبها وحريتها في ميادين التحرير بالقاهرة والمحافظات، أو في أعقاب رحيل مبارك وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم لنحو عام ونصف العام، وحتى عملية طوفان الأقصى وانحياز الغالبية العظمى من الرموز والأجيال التي شاركت في الثورة للمقاومة الفلسطينية، ودورهم المشهود حتى الآن في الانتصار لأهل غزة، وفي التصدي بالكلمة والموقف للعدوان وشركائه والمتواطئين على الحق الفلسطيني.

في عام 2011، كان مفاجئًا قدر الوعي الذي تحلت به أجيال شابة شاركت في الثورة ولم تكن تعلم الكثير عن فلسطين وقضيتها، فقد غابت القضية النبيلة قبل 25 يناير لسنوات طويلة بما يوحي وكأنها اختفت أو لم تعد قضية العرب الأولى، وتخلت مصر بدرجة كبيرة عن دورها القومي اللهم إلا مجرد بيانات وتصريحات ومواقف سياسية خجولة وغير مؤثرة، كل هذه التفاصيل التي سيطرت على المشهد وقتها جعلت من الصعب التخيل أن هناك أجيالًا شابة ما زالت تتذكر فلسطين وتهتف لشعبها وحريتها، ويتراكم نضالها مع نضال أجيال مصرية حلمت بفلسطين حرة من الاحتلال الصهيوني، ونظمت الفعاليات والحملات الرافضة للتطبيع مع الكيان المحتل لسنوات طويلة، وهذا ما ساعد في إبقاء الاتفاق الرسمي مع إسرائيل مجرد حبر على ورق.

بعد أن هدأت حالة السيولة السياسية الكبيرة التي تلت ثورة 25 يناير بدت الاجتهادات السياسية مهمة، فقد حاولت الإجابة عن أسئلة كثيرة في القلب منها: لماذا انحازت أجيال شابة لا تعرف الكثير عن فلسطين إلى القضية النبيلة؟ وكيف كان الشعب الفلسطيني حاضرًا دائمًا في قلب كل التحركات والنضالات؟

إحدى أهم الإجابات منطقية كان الاجتهاد الذي يفسر انحياز الأجيال الشابة التي شاركت في الثورة إلى فلسطين بأن اهتمام هذه الأجيال بالسياسة أصلًا كان سببه الأول وربما الوحيد هو القضية الفلسطينية، فالأجيال التي تجاوزت العشرين بقليل في 2011 هي نفسها التي شاركت في مظاهرات دعم الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000، وكان هؤلاء وقتها طلابًا في المدارس الإعدادية والثانوية، وتفتّح وعيهم السياسي على صورة الشهيد محمد الدرة الشهيرة التي لفتت انتباههم إلى فلسطين وقضيتها، ثم بعدها بنحو عشر سنوات كان “جيل الدرة” هو نفسه الذي ينثر عطره في ميدان التحرير، مطالبًا بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية لمصر، وبالحرية لفلسطين قضيته الأولى التي تفتّح وعيه ليهتف باسمها وباسم شهدائها مطالبًا بالحرية والكرامة والخلاص من الاحتلال.

اقتحام السفارة ونزع علم إسرائيل

في نهاية 2011، كان انحياز الأجيال الشابة إلى فلسطين يتبلور بشكل واضح، ويكشف أن فلسطين هي إحدى القضايا الكبرى في نضال أبناء الثورة المصرية، ففي شهر أغسطس/آب من العام نفسه، قرر أحد الشبان المصريين تسلق مبنى السفارة الإسرائيلية ونزع العلم الإسرائيلي من فوقها، وقد تسلق الشاب نحو 17 دورًا في واجهة المبنى لكي يستطيع نزع العلم الإسرائيلي، في حين وقف مئات من الشبان المصريين بالأسفل يبعثون له بالتحية والدعوات، وكأنها معركة حربية قرر الشباب الانتصار فيها بأي ثمن، حتى لو تسلق كل هذه الأدوار في عملية “انتحارية” كان من الممكن أن تكلفه حياته، هذا المشهد النبيل كان كافيًا لإثبات أن فلسطين ما زالت قضية مصر، وأن الأجيال الجديدة تسير على الدرب نفسه الذي ناضلت فيه أجيال سبقتهم.

بعدها بشهر واحد، وفي سبتمبر/أيلول 2011، كنت شاهدًا ومتابعًا لاقتحام آلاف الشبان المصريين للسفارة الإسرائيلية على نيل الجيزة، وقد شاهدت بعيني قيادات أمنية كبيرة في حينها تطلب من الشباب إخلاء المكان وفك الحصار عن السفارة، في حين ظل توافد الشباب مستمرًا، وتواصل الحصار لأيام عدة وسط اشتباكات واسعة مع أجهزة الأمن نتج عنها عشرات الإصابات في صفوف المحاصرين للمبنى.

أجيال يناير في قلب طوفان الأقصى

في عام 2024، وبعد بضعة أيام تحل الذكرى الـ13 لثورة يناير، وتتواكب الذكرى الغالية مع أحداث معركة طوفان الأقصى، وبعد أشهر قليلة من عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول الشجاعة، وتبدو قضية فلسطين حاضرة بقوة في صفوف كل الذين شاركوا في ثورة يناير، وتنتقل الأجيال الشابة التي شاركت وتفاعلت مع الثورة في عام 2011 -بحكم الزمن- إلى صفوف ما تسمى “أجيال الوسط”، وهي التي ما زالت تحمل قضية فلسطين في قلوبها، تنصر قضيتها، وتنحاز إلى مقاومتها، وتنشر وتكتب وتنتقد ضعف الأنظمة الرسمية، وتشارك في الاحتجاجات كلما أمكن تنظيمها، وتفيض صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي بكل معاني الدعم والمساندة لفلسطين، وبكل حالات الرفض للعدوان الصهيوني، وبجميع صور الإدانة للضعف والهوان العربي، وهي نفسها التي ما زالت تحرض المواطنين على مقاطعة سلع الدول الداعمة للعدوان، وتعيد التذكير مرات عديدة على ضرورة استمرار سلاح المقاطعة، لتحافظ على قيمة بقاء فلسطين دائمًا في القلب من 25 يناير وأبنائها.

في وسط زخم المعارك التي تدور في غزة، ما زلت أرى الوجوه النبيلة نفسها التي شاركت وتفاعلت ودعت إلى ثورة يناير، تقف اليوم في خندق المقاومة الفلسطينية، وتنتصر للحق الفلسطيني، وترفع أعلام فلسطين في كل مكان.

في ذكراها الثالثة عشرة التي تتزامن مع العدوان على غزة، تحافظ ثورة يناير الخالدة عبر من شاركوا فيها ومن انحازوا إليها على نقاء أهدافها ونبل شعاراتها الكبرى، بالانحياز إلى فلسطين وقضيتها، لتظل أهداف الثورة العظيمة في “العيش والحرية والكرامة” تتقاطع مع القضايا العربية العادلة، وترفض الاحتلال وداعميه، وتدعم بشكل مطلق حق كل الشعوب العربية في الكرامة والتحرر والحياة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان