المشروع الإسرائيلي والانكسار الذي لا جبر بعده!

أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)
أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)

سيذكر التاريخ أن غزة هي العتبة التي انكسر عندها المشروع الإسرائيلي في المنطقة كسرا لا جبر بعده، وأن المقاومة في غزة سطرت وما زالت تسطر صفحات في فصل نهاية طموحات المشروع الصهيوني في المنطقة، بل على المستوى الدولي، وهذا يفسر سبب “السعار الأمريكي الغربي” إن جاز التعبير، والاستماتة في دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا وإعلاميا.

على مدار التاريخ كانت هناك أحداث ووقائع ومعارك فاصلة تغير ما بعدها، وليس من قبيل المبالغة أن طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وما ترتب بعد ذلك من نتائج مثّل نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة، بل في المشهد الدولي كله.

على مدار عقود، ومنذ زرعها في المنطقة، صنعت الدعاية من إسرائيل أسطورة، وجعلت منها كيانا غير قابل للانكسار على غير الحقيقة، وجاء طوفان الأقصى ليكشف المستور من حقيقة الكيان الهش، الذي يرتبط بحبل سري بأمريكا والغرب، ولولاهما لما كان قابلا للوجود حتى اللحظة.

اليوم ونحن على مشارف نهاية الشهر الرابع من الحرب على غزة لم تحقق إسرائيل أيًّا من أهدافها التي أعلنتها، فلا هي استطاعت تدمير حماس ولا تمكنت من تحرير الأسرى، وكل يوم يمر من تلك الحرب الإبادية على غزة يعمق المأزق الإسرائيلي، وتتهاوى معه المفاهيم التي بُني عليها وجود إسرائيل.

تهاوي المفاهيم

تبدو الأحداث ككرة من الثلج تكبر كلما تدحرجت، ومع كل يوم يمر والحرب مستمرة على غزة يتأكد تهاوي المفاهيم التي بنى عليها المشروع الإسرائيلي الصهيوني وجوده في المنطقة، حيث ضُربت فكرة الدولة القومية لليهود الآمنة والمستقرة.

بعد طوفان الأقصى، وخلال الحرب الحالية على غزة، أصبح واضحا تغير معادلات المواجهة؛ فإسرائيل لم تعد قادرة سياسيا وعسكريا على فرض شروطها وترتيباتها العسكرية والحدودية على دول الجوار، كما كانت تفعل من قبل بمساعدة ودعم من الولايات المتحدة والغرب.

خلال العقود الماضية، اعتمدت إسرائيل في تعاملها مع المنطقة على معادلة الردع من خلال العمليات العسكرية التي قامت بها ضد غزة ولبنان.

وعلى جانب آخر، اعتمدت سياسة الاحتواء، التي تقوم على عدم ترك المجال للتصعيد العسكري ضد اعتداءاتها.

اليوم تؤكد الحرب الحالية على غزة تغير حسابات المواجهة ومعادلاتها، حيث أصبحت دمارا بدمار، وإجلاء بإجلاء، وعودة مقابل عودة، بعد أن أصبحت المستوطنات على الحدود في مرمى نيران المقاومة في غزة ولبنان، مما قضى على إمكانية استقرار المستوطنين في المناطق الحدودية، سواء في الجنوب أو الشمال.

وبحسب تعبير يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي، فإن المشكلة لا تتعلق بأن الإسرائيليين أصبحوا غير مستعدين للعيش ليس في غلاف غزة وفي مناطق الحدود بالشمال فحسب، بل إنهم إذا لم تحقق الحرب أهدافها، لن يكونوا مستعدين للعيش في إسرائيل؛ لأننا لا نعرف كيف نحميهم.

يؤكد الواقع الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي تهاوي مفهوم شعور اليهود بالأمان من خلال وجودهم في دولة واحدة تخضع لسيطرتهم؛ وذلك لأن عقيدة العنف والإبادة والتطرف والعنصرية التي اعتمدتها إسرائيل منذ نشأتها اتجاه الفلسطينيين، وحروبها ضد الدول العربية، جعلت منها دولة غير مستقرة ولا آمنة، وهذا ما تترجمه عمليات هجرة المستوطنين من إسرائيل، الذين بلغ عددهم بحسب التقارير نحو 900 ألف في نهاية عام 2022، ومنذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 زادت وتيرة الهجرة خارج إسرائيل بمعدلات ملحوظة.

محاولات تعويم إسرائيل

ومع فشل إسرائيل الواضح، وإخفاقها العسكري والسياسي في تحقيق أهدافها المعلنة من حربها الإبادية ضد غزة، التي عبر عنها قادة الكيان في تصريحاتهم الداعية إلى سحق ومحق حماس وإزالتها من الوجود، إضافة إلى تحرير الأسرى؛ أصبح واضحا أن إسرائيل لا يمكنها فرض معادلاتها الحدودية لحماية أمنها كما كانت تفعل من قبل؛ ولذلك سارعت أمريكا وبريطانيا وبدعم من ألمانيا ودول غربية أخرى لمحاولة تعويم إسرائيل عبر طرح وتسويق خطة استباقية لما بعد الحرب على غزة دون حركة حماس، بوجود سلطة فلسطينية تقوم بالحفاظ على أمن إسرائيل.

وفي إطار تبادل الأدوار بين واشنطن ولندن، وفي ظل موقفهما الثابت من الحرب في غزة، وتزامنا مع تصعيد إسرائيلي عسكري ضد المدنيين في القطاع، قام وزير الخارجية البريطاني، رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون بزيارته الثالثة للمنطقة في محاولة لتسويق خطة تقوم على وقف مؤقت لإطلاق النار بهدف تبادل الأسرى، والترويج لفكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعودة السلطة الفلسطينية، وخروج قادة حماس بضغط عربي لتحقيق ذلك.

جاء ديفيد كاميرون إلى المنطقة يريد هدنة إنسانية طويلة مقابل تبادل الأسرى، تفضي إلى وقف دائم، وخلال مدة شهرين يغادر قادة حماس غزة إلى الخارج.

ومن جانبها، كانت حركة حماس قد أعلنت عن شرطين أساسين لا يمكن تجاوزهما في أي محادثات: الأول هو وقف الحرب وبعد ذلك يبدأ التفاوض، والثاني هو انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي خارج قطاع غزة.

ومن الواضح أن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذين الشرطين أو بأحدهما، لأن ذلك يعني بحسب وصف نتنياهو توقيعا على شروط هزيمة إسرائيل، والاعتراف بخسارتها للحرب، وهذا يعني أن الحرب بوتيرتها القتالية الحالية ربما تستمر إلى وقت غير معلوم.

خاتمة

لقد أفشل الصمود الأسطوري لأهل غزة والمقاومة الأهداف المعلنة من حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل، وبحسب ما يجمع عليه المحللون العسكريون فإن الحسم الذي ترجوه إسرائيل وحلفاؤها بعيد المنال وغير ممكن تحقيقه، وهذا يعني عدم قدرة إسرائيل على استعادة هيبتها، وترميم قدرتها على الردع، وهذا يمثل في حد ذاته انكسارا للمشروع الإسرائيلي الصهيوني، وتهاويا للمفاهيم التي بُني عليها هذا المشروع.

على مدار أكثر من سبعين عاما بقي المشروع الإسرائيلي الصهيوني مستمرا بسبب الدعم الأمريكي الغربي، الذي لولاه ما نجح في الاستمرار؛ إذ إنه مشروع غير قابل للنجاح بذاته، واليوم يشهد هذا المشروع انكسارا تاريخيا غير قابل للترميم، في ظل تغير كثير من المعادلات بعد الهزيمة الاستراتيجية نتيجة طوفان الأقصى، والتصدع الذي أصاب صورة إسرائيل على الصعيد العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. إنه انكسار لا جبر بعده!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان